لم تكن بيني وبين بان كي مون اية معرفة. فقط شاهدته في التلفاز يتسلم منصبه كأمين عام للامم المتحدة مكان سلفه انان. ثم بعد توالي رؤيته على الشاشة الصغيرة زاد لدي الانطباع بان الرجل الآتي من لغة اسيوية بطنية – بعدما قررت ان اللغات تكون اما بطنية او ظهرية او صدرية او كتفية او كبدية او…- يقاسي اضطراره الى الكلام الديبلوماسي بالانكليزية المحسوبة بدقة الميزان. كما قدرت انه قد يكون يعاني من آثار الغربة طالما انه يلتزم بالإكثار من الابتسام للقيام بمهام منصبه. وتصورت انه يفعل ذلك فيما ممثلو الدول الأكثر قوة تكاد كفوف اياديهم الضخمة الامبريالية تهدد بصفعه. ثم صرت اكتشف انه ربما لا يحب الكلام اجمالا. رجل مقل في الاساس. حتى اني فكرت يوما بتقديمه الى روح جدي. ليس ذلك الجد الذي كانت كلماته تنزل صارمة قاطعة. كانوا يقولون عنه حادا ولا يراعي. لا ليست روح جدي ذاك بصالحة لمعاشرة الروح الرقيقة التي اعتقد ان السيد بان ينوء بحملها بين كبار العالم. بل روح جدي الآخر. ذلك الذي كان يبتسم دائما ولا يبادر الى حديث ويقتصر كلامه القليل على الرد بصوت خفيض على سؤال او ليطلب وقد غدا مقعدا شيئا يسيرا من أخبار بناته الكثيرات وابنه الوحيد.حتى أن الناظر اليه كان يمكن ان يعتقده ميتا ميتة رضية لكثرة هدوئه الباسم. قلت أعرّف بان كي مون بروح هذا الجد وامنحه في الوقت نفسه لقب عاقل مثل العقال عندنا الذين يطلق الله عند وفاة اجسادهم العنان لمجرته في تحيتهم. النجوم تنير كانت تقول جدتي كملايين الاقمار دفعة واحدة. كائن شعشعاني. قلت بذلك امنح الأخ بان لقب الشيخ سلمان. كان بوسعي ايضا ان اراه وهو يرتدي السروال الاسود المنتفخ بعض الشيء من جهة الخلف ويضع صديرة مقلمة فوق قميص ابيض تحت سترة سوداء وان تعلو رأسه قلنسوة بيضاء. حتى اني صرت أتصوره يتمشى في طرقات الضيعة ويلقي السلام على الاهل والاقارب ويحدثهم قليلا دون ان يدخل البيوت ويشرب قهوة او غيرها طالما انها متحصلة بتعب غيره وليس بتعبه هو. وطالما انه لا يحب اضاعة الوقت اللازم للتعبد ولتحصيل أوده. لم اعرف ايضا لماذا تصورته عازبا أبديا. شخص نحيل مثله يتكلم بصعوبة ويتعذر عليه الصياح ويبتسم دائما لماذا يتزوج. كان الأمر سيبدو نكتة بخلاف ذلك.
لكن كل ما ذكرته لم يكن يبدو مهما. باستثناء بعض دقائق اصرفها كل اسبوعين او ثلاثة بالتفكر في حالة الشيخ بان كي مون كنت أنساه كل بقية الوقت دون ان يرف لي جفن. هو في البيت الزجاجي ولا يعرفني وانا اواظب على الابتسام لنفسي في المرايا التي اصادفها. اثنتان في الشقة. اثنتان في مدخل البناية. وما تيسر من مرايا في الأماكن التي ازورها او أمر بجانبها. كنت ولا ازال اعتقد ان ابتسام المرء لنفسه حركة ايجابية بحد ذاتها وتعوض على الاقل ضيقي بالابتسامات التي اوزعها كلما التقيت بشخص لا اعرف عنه الكثير. كنت طبعا اتخذ كل الاحتياطات اللازمة امام مرايا الصدفة في باريس وهي كثيرة كي اقوم بهذه الحركة دون ان يراني احد. اخاف من اتهامي بالجنون او الغرور او الهبل. اجل الهبل الذي كان يمكن لأساتذة شديدي الاندفاع ان يصموا به جدي الآخر الباسم الذي كنت اود تعريف روحه بالشيخ بان.
.
كل ما ذكرته بقي غير مهم حتى اللحظة التي غلبني فيها شعور مفاجىء أن الشيخ بان كي مون سيلاقيني مستجيبا لطلب لم أكن قد صغته ولم يكن هناك حاجة اليه بعد. استئناف لجنوني في وجهة جديدة هكذا سيقال لو سمع افكاري أحد من الذين قد أمّر بفكرهم او مناماتهم. هو في بيته الزجاجي وانا في بسمتي البلهاء. هو مع كبار العالم في عاصمة العالم وانا قاعد في قراءة وثرثرة ما تيسر في باريس بانتظار العودة. العودة التي بها الاقي روحي في بيروت. لا والله لا يجمعنا شيء للتعارف. سوى القدر. القدر الذي جعلني أقرأ في تلك الليلة قول معمم لبناني رسمي دعا الموارنة الى خفض الصوت في انتقاد ابناء ملته. اذ الأخيرين في اعتقاده اهل الدار فيما الأولون اتوا من امكنة قصية. حلب حمص اسطنبول او… أغرابا كانوا، فلا يصبحوا من اهل الدار ابدا. اغراب والغريب مريب. تصح فيه القسوة ليلزم حده حتى اذا لم يفعل جاز فيه ما لا اريد ان افكر به. بذلك بدأت تلك الليلة وانا اضرب اخماسا بأسداس. ليس لكوني مارونيا، فانا على ما هو مسجل في هويتي لست كذلك. بالاحرى لست شيئا على ما تعودت الزعم عقودا طويلة. لست شيئا لكني لست من شيء المعمم الرسمي الرفيع المقام. فهل ينتهي الأمر بي وبالأقربين الى وضاعة الزاعم في حضرة الزعيم والدخيل في مواجهة الاصيل.
لم تهبط عليّ الرهبة بغتة. أخذ الامر وقته. قلت ان مثل ذلك قيل قبله. قلت ربما أن الذين ليسوا شيئا مثلي، قد تكون لهم معاملة خاصة. كما لو أن يسمح لهم بالكلام بنبرة متوسطة لا هي عالية ولا هي مهموسة في أوقات القيلولة بين الثانية وصلاة العصر بعد ظهر كل يوم. أو أن يمنحوا حق عدم سؤالهم عن أصولهم وان لا يقال لهم صراحة ما معناه تسامحنا في عيشكم بيننا لكن لا تزيدوها. فالتسامح لا يخلق حقوقا. أف الحقوق. أية علقة هي هذه. هممت بمهاتفة صديقي حسين في ساعة عميقة من الليل قبل ان انتبه الى ان ذلك لن يجدي نفعا. اعرف جوابه. سيقول لي انا لا شيء مثلك. صحيح ان جدودي من شيء المعمم لكن اصحابه والغالبين عليه يتهمونني بانني أسوأ من اولئك الذين ينتقد علو اصواتهم. فهم اهل الكتاب وانا عشير السحاب. لم اهاتفه وتفاديت بذلك ان اترك السماعة تسقط يائسة من يدي. لا تدعوا السماعة تسقط من يدي. تذكرت نداء ابو عمار من منبر الامم المتحدة. ذلك الذي يستخدمه الآن صديقي بان كي مون. لا تدعوا غصن الزيتون يسقط من يدي. حمدت الباري على تجنب مهاتفة حسين. كانت السماعة ستسقط حتما امام إجابته القاطعة.
.
قلت ربما الافضل لي ان اتصل بالسفارة اللبنانية فعندي فيها بعض الاصدقاء وفيها كل احوالنا الشخصية نحن الذين قدمنا من الحرب قبل ان يمنحوننا جنسية المضيفين بقلة اكتراث عادية. السفارة. السفارة انها تملك سجلات نفوسنا وارواحنا لكنها لا تستطيع ان تعطيني إفادة بكوني من اصول المعمم الرسمي وفصوله. لا تنفعني السفارة. قيودها حديثة وليس فيها سجلات نفوس اجداد جدودي. من أين أتوا. هل صدف ان مروا في ملة المعمم فكانوا في البداية أصلاء بما يمنحني ربما اسبابا تخفيفية فأعامل كربع او ثلث او خمس أصيل. فيتاح لي مثلا ان ادلي بصوتي في الانتخابات الاختيارية والبلدية وان اكتب بمحتوى مستعار فيما لو عدت الى شيء المعمم. جميل الاقتراح الاخير اصبح انا صانعا لمجهول غيري. استنساخ سلبي. ثم بوسع اولاد اولادي ان يعاملوا بعد عقود كما لو كانوا من الشيء ذاته. أف ما احلى فضيلة النسيان. لكن السفارة ايضا لن تستطيع ان تفتي اذا ما كان ذلك ممكنا. أما حسين.
لا تنفعني السفارة. ولو اتصلت بهم في هذه الساعة من الليل ربما اعتقدوني جننت. كل هذه الهجرة لأكون مجنونا عاديا. لا. كان كل الاصحاب سيعلمون باتصالي ويقولون لي أهكذا تخاف بسرعة من مجرد مناورة كلامية. زائدة لفظية بسيطة. وكنت سأسقط من نفسي. لا تدعو نفسي تسقط من يد نفسي. رحم الله ابو عمار.
لم يكن منطقيا ان أفكر كل ما فكرته. هذه ايضا جديدة. مجنون غير منطقي. حتى منطق الجنون لم اعد املكه. اية فضيحة هي هذه. فضيحة أو لا. لن يداخلني نوم قبل حل الموضوع. اذ ماذا لو قال اصحاب المعمم الرسمي لأهلي غدا أنهم ليسوا من اهل الدار. كانوا سيخافون وسيسعون الى الرحيل وسأضطر الى استقبالهم أنا الذي كنت سأعود الى روحي في بيروت. هذه المرة لن تكون هجرتهم لمدة محدودة كما في حروب لبنان السابقة. هذه المرة ليست القصة قصة حرب الأهل على الأهل. إنها قصة انهم ليسوا من اهل دار أصحاب الجيش الجرار. كيف سأفعل؟ يجب ان اكون صبورا ومنطقيا. لا بد منهجيا من معرفة صلة جدودي بأهل الدار.
قلت اتصل بروح جدّي الاثنين الحاد الطباع والآخر، علهما يقولان لي ما يشفي حاجتي. أن يقولا ذلك بوضوح هل نحن – أنا القاعد أثرثر واقرأ ما تيسر في باريس- من الأغراب عن اهل الدار تماما او من انصافهم..او..
يكاد دمي ينفر وانا اتفكر بالحل. إذ لو كان الاحتمال الأول صحيحا لكان علي ان أنتحر. على الأقل أخلي بذلك مكاني في الشقة لبعض أهلي الذين سيرحلون. نصف غرفة وربع صالون هذا ليس قليلا في مدينة عالمية كباريس. المدينة التي تسمح لي بالتمثيل امام المرايا لمعالجة اضطرابي كلما اضطررت إلى رسم ضحكات عريضة لكل الذين لا اعرفهم جيدا في هذه البلاد.
لم يقل جدي الصارم ما يفيد. يا ولدي مررنا بشيء المعمم الرسمي لا أعرف كم من الزمن. مئة سنة، أقل، أكثر، لا اعرف بالضبط. وقبل ذلك كنا في ملة ابن الناصرة. وقبل ذلك وبعده كنا ولا نزال نأكل الآلهة بعد انفسنا. بيننا وبينهم قليل من الدماء وكثير من التجاهل. هم أبناء عمومتنا. رجوته ان يوضح لي مرتبة ابناء العمومة. لم أره ضاحكا قبل هذا السؤال ابدا. يا ابني لسنا بحاجة لتبريرات كثيرة لنقتتل. كما لو اننا نعشق ذلك. حتى في الموت بقيت روحه صارمة. لم يرد
إخباري كيف واين هو، ولم أجرؤ على سؤاله في جسد اي شخص واسم وعمر قد حلت روحه. كان سيقول: ما على حساب انت “لا شيء”! هل اصبحت مؤمنا بعدما كنت تقول أنك حالة اخرى غير الايمان واللاإيمان. يا الله انسحب بصرامته ولم يزدني إلا تورطا. أف للفضيحة. تراجعت عن كوني لا شيء ولم أكسب الخروج من ورطتي. ماذا لو علم حسين وأصدقائي. كلها ورطة بورطة. ما الذي دفعني الى قراءة النسخة الالكترونية من الجريدة هذا المساء لاكتشف كلام المعمم الرسمي. لماذا لا اترك اهلي يتدبرون امورهم بدون توقعاتي المتشائمة. سيقول جدي الصارم الذي انسحبت روحه للتو، أنه القدر ولن استطيع ان أردّد امامه ما كنت اقوله في حياته من ان وجود القدر ليس مؤكدا وانه قد يكون كذبة كبيرة كما يمكنه ان يكون حقيقة فعلية فظيعة. كشفني قبل دقائق ولن استطيع التعليق. المصيبة تبدأ كبيرة وتصغر اما الفضيحة فتبدأ صغيرة وتكبر. يا الله. كل ألعابي التوازنية ذهبت هباء. منذ اول حروب لبنان وحتى قبلها ايام الدراسة وانا في هذه اللعبة اؤكد للجميع اني لا شيء.لا شيء بالجوهر. لا اتعاطى بالسياسة ولا- لا اتعاطى بها.انا لست علمانيا ولست لا-لاعلمانيا. لست يساريا ولست يمينيا ولست لا… لست غير مؤمن ولست مؤمنا. انا لاشيء.. هكذا بغتة صيرني المعمم شيئا.. قهرني المعمم الرسمي…حطم حياتي التي كما ظننت سرى ذكرها بين اللبنانيين من مرتادي المقاهي بفعل مثابرة اللاشيء. وهكذا اصبحت بعد كل تقلبات السياسة ومصائر السياسات وانهيارها مثلا في اللاعنف وحرية التفكير دون تعب. حتى اني اتهمت بالصراحة والشجاعة بدون تعب ايضا. لا ليس بدون تعب كتجارة الكتب التي تزعم تعليم اللغات بدون معلم في يومين. بل بإتقان الدور الذي ما اهتز لشيء قبل هذه الليلة.
قلت وانا في تيهي اذهب إلى روح جدي الباسم علّه يعطيني وضوحا أكبر عن صلة جدودي بشيء المعمم الرسمي.
كله عبث. لم يفدني بشيء. جل ما قاله انه سبقني الى سماع رواية جدي الصارم وانها أضحكته وتضحكه حتى اليوم وهو في هيئته الجديدة. مضيفا بمزاح شعرته ثقيلا…عليك بالصور المتحركة فهي أحفظ للعقل والجسم.هكذا أخرج من لقاء روحي الاثنين برواية غير مؤكدة ونصيحة- إهانة في غير محلها. أبهذا صقلتهما السنون. بدوا عاجزين عن الفهم والتبصر وحتى عن الشرح وسرد ما يعرفان. ربما لأنهما لم يفكرا يوما ان ما اتصوره يمكن ان يحدث. او ربما ان الروحين حلتا في جسدين بعيدين عن مدينة روحي بيروت. او ربما في الامر حكمة خفية او نقمة عتية. هكذا اعود الى التوازن بشقاء. ما اغاظني أكثر هو قلة اهتمامهما بالامر. لن استطيع العتب على احد. حسين. الاصدقاء في السفارة.
روحا الشيخين. كتب التاريخ. الكل تركني وجها لوجه امام المعمم الرسمي الذي يجعلني خارج اهل الدار. حتى الاسباب التخفيفية امتنعت عليّ انا اللاشيء. جوهريا لا شيء- فعليا لا احد. أية فضيحة. يجب ان أنتحر.اترك بذلك فسحة لاهلي الذين سيرحلون في هجرة نهائية. ربع صالون ونصف غرفة ثمينان في مدينة عالمية كباريس. اما الكؤوس فلها أن ترافقني الى المستقر. لامعة بلغوي، طافحة بروحي التي تنتظرني في بيروت. أية فضيحة. لكن كيف للاشيء أن ينتحر. انا لا شيء غير قابل للانتحار. أية ورطة. والأمم المتحدة. ربما بإمكانها أن تقول للمعمم الرسمي أن يتوقف. أن يسحب كلامه. أن يسحب الجيش المعمم من قماش حروفه.أن..أن..
لم يكن هنالك ما يضحك. لكن عندما برق في ذهني اسم هاغوب صديقي المترجم ضحكت غصبا عني. هو ماذا سيفعل. ماذا سيقول. وهل في امكانه ان يقول سببا تخفيفيا واحدا للشيخ الذي يضعني خارج اهل الدار. مع ذلك قلت اقترح عليه التذرع باحتلال المسلمين لأرمينيا ذات يوم وانخراط بعض ابنائها في جيوش الفاطميين ابناء العم الكذبة وبمذبحة العثمانيين لترقيق قلب المعمم الرسمي. لكني لن أهاتف اغوب الان. هو ايضا مثلي “لا شيء” وسيقول أني جننت. لن أهاتفه ولن أهاتف غيره. هي الأمم المتحدة يجب ان تتدخل ليسحب الشخص كلامه. وحده الشيخ سلمان كي مون يستطيع ذلك. لم أنتظره طويلا.
دخل كالهواء. شعرت به امامي. بدا كثير الحزن مهدودا. نزع نظارتيه. وجهه بدا اكثر استطالة وتقشفا. جسد
مقدود من الهم يفاجئني باختزال صورتي عنه. لم يقل لي سمعناك وقررنا مساعدتك. مكث دقائق كثيرة صامتا
لم يطلق بسمة ديبلوماسية واحدة. حدّق في ارضية الغرفة ثم في سقفها. لا لن أفكر انه هو ايضا بحاجة إلى ربع
صالون ونصف غرفة في باريس. ولن يفكر أن انتحاري غير المعقول منهجيا سينفعه. الرجل يفهم في المنهج
ويعرف أن ليس للاشيء مثلي ان يفعل. إلى ان تنهد وخاطبني. لن انقل كل ما قاله فالمجالس بالأمانات وانا لست
معتادا على رواية التاريخ المباشر. كل ما فهمته هو التالي. مجلس الامن وصلته شكواك واستعرضها بالحاح مني لأكون عند حسن ظنك بي ولتكون أرواح جدودك منشرحة وانا على ما تعرف من تناغمي معها. إلا ان المجلس مستعينا بالنص الرسمي للمعمم الرسمي وبوثائق تاريخ بيروت ولبنان وبعدما تبين ان جميع لبنانيي اليوم أيا كانت مللهم واعتقاداتهم لا يمتون بصلة رحمية راجحة باهل الدار الاصليين فقد قرر اجلاءهم بدون تفريق والمساعدة على نقلهم الى جنة الخلد علّهم بها يسعدون.
انعقد عقلي وصمتت. دمعت عيناي وأنا انظر الى الشيخ سلمان.انها علامة التسليم. انه آخر زماني. أهذا ما كنت انتظره منك ايها الصديق؟ تركت تفكيري بالمعمم الرسمي. ركزت اهتمامي على قلبي الذي بدا عازفا عن النبض
المنتظم. حلقت الفضيحة مبتعدة عن سماء الغرفة. لم استطع الاعتراض عندما رفض الشيخ منادمتي بآخر نقطتي ويسكي. بدا متعجل الاياب الى مقره في نيويورك. قرأ دهشتي وتسليمي. استطعت فقط ان استعلم منه اذا كان ذلك ينطبق على لبنانيي المهجر ايضا. ارتحت عندما رد بالايجاب منطلقا الى مركبته الفضائية السريعة لتقله الى قصر الزجاج. انا لا شيء وماذا يهم ان بقيت او رحت.
عندما استيقظت كانت سماء باريس مغطاة جميعها بشرشف رمادي قاتم من ذلك النوع البلاستيكي الذي كانوا يضعونه على طاولات السفرة في مطاعم بيروت الشعبية. لكن، بخلاف الأول، فهذا الشرشف لن استطيع انتزاعه وسيصبح حدودي
حتى إشعار آخر. كان عليّ ايضا ان اواجه يباس حلقي ورعشة يدي. وأن اسمح لنسياني بالامتداد الى اليوم بكامله. لم يسحب المعمم الرسمي كلامه. لم يتحدث احد عنه. ربما اعتقدوا ان مفاعيله تسقط بمرور بان كي مون في منامي وسكري. كان اللبنانيون لم يرحلوا بعد ولا صعدوا الى جنان الخلد. ربما اني لم احسن القراءة. لن اعود الى الجريدة مرة اخرى. اما الصديق بان فلا زلت اعرض عليه ربع صالون ونصف غرفة في باريس لننظر معا الصور المتحركة.
nhilal@club-internet.fr
* كاتب لبناني