إن الذين يظنون أن دين الله يمكن أن ينتصر دون جهاد
وقتال ودماء وأشلاء، هؤلاء واهمون لا يدركون طبيعة هذا الدين
عبد الله عزام مؤسس تنظيم القاعدة
*
أظن أن بوادر الصدام المسلح تلوح ظاهرة وأن التيار الاسلامي يستعد لخوض معركته الاخيرة وأن الصدام سيكون داميا وأن الحوار والتوافق لن يؤدي إلى نتيجة لأن الذي يملك السلاح لن يكون طرفا فى حوار نتيجته القاء سلاحه والعودة إلى نسق حياته السابق،!
وهذه الشخصيات تدرك ضعفها وقيام الدولة ليس فى مصلحتها، ولو كانوا هم من يتولون قيادتها لأنهم سيخضعون للقانون والنظام والانضباط، ولأنهم لا يملكون علما ولا دراية بالعمل السياسي تؤهلهم للحكم واتخاذ القرار. ولو عرضت عليهم الدولة أن يكونوا الجيش بمعرفتهم وبأفراد ميليشياتهم على شرط الالتزام بقواعد الجيوش وقوانينها المعمول بها فى العالم فلن يقبلوا، لان الانتظام والضبط والربط قيود تعوق حركتهم.
ولأنهم يدركون أن سلطتهم القائمة الان أمر وقتي سنتلاشى فى وجود دولة النظام والقانون، فإنهم يعملون فى جنون عبثي لقتل هذا المشروع فى أيامه الاولي بالدعوة إلى قيام دولة السلف. لكن قوانين دولة السلف لا تنسجم مع المجتمعات الحديثة، لذا فلا بد من العودة إلى الخلف قرونا طويلة لتشابه ظروفها ظروف الزمن الذى عاش السلف فيه. ولذلك تسمع الدعوات فى القرن الواحد والعشرين، بأن قيام الجيش والشرطة عمل لا يناسب قيم الاسلام، فلم يكن فى عهد السلف جيش ولم يكن لديهم درك ولا شرطة.
وبسبب شعور هذه الجماعات بالضآلة وقلة الحيلة، يلجأ أفرادها لاتخاذ مظهر موحد كتقصير الثياب واطلاق اللحية ليعبروا عن تميزهم عن غيرهم وليسهل التعارف بينهم وليوحوا للمجتمع بأنهم مختلفون عنه، وأنهم الفئة الناجية المؤيدة بنصر الله. ولأنهم قوة فاشلة عديمة التأثير فى محيطها، فإنهم يعلنون أنهم لا يهتمون بالصغائر ويلجأون لتضخيم الاهداف والادعاء بأن رسالتهم عالمية تشمل الكون كله وليس للوطن فى مفهومهم أي حساب. كما إنهم يلجأون إلى التحالفات الخارجية وتجميع من يتشابه معهم فى التفكير ليظهروا أمام العالم وكأنهم منتشرون فى الارض بكثافة. ولأنهم لا يجيدون طرح قضيتهم ولا يجدون من يصغي لترهاتهم، يقومون بمحاولات متناثرة ومتقطعة لنشر الارهاب والتفجيرات على أوسع نطاق جغرافي ممكن ليلفتوا الانظار إلى وجودهم. كما يحارب شباب ليبيون الان فى سوريا ومن قبل فى أفغانستان وكما وفروا فى ليبيا إقامة مريحة لأبى قتادة الفار من العدالة التونسية والمتهم بالعديد من قضايا القتل. وكما يمول عبد الحكيم بالحاج الارهابيين فى تونس مما دفع بالحكومة التونسية إلى اصدار مذكرة توقيف دولية حمراء بحقه تتهمه بتمويل الجماعات الارهابية عندها.
وهذه الفئات للأسف قوية فى ليبيا، بل ربما هي الحاكم الحقيقي الذي تتخذ القرارات بحسب مصالحه وهواه مما أدى إلى تدفق الجماعات الجهادية إلى ليبيا من كل مكان لتتحول إلى عاصمة تجمع للقاعدة والجماعات التكفيرية التي تتحرك علنا وتسيطر على مدن بكاملها وتحارب سلطة الدولة ممثلة فى الشرطة والقضاء ونظام التعليم، ثم تحصل على مرتبات لأفرادها من الخزانة العامة.
وعن طريق أعضائهم فى المؤتمر الوطني العام، تصدر القوانين الدينية الهدامة التي لا توافق واقع العصر كقانون إلغاء الفوائد ومحاولة إلغاء الضرائب المباشرة وغير المباشرة واستبدالها بنظام الزكاة،
ثم الدفع بأنصارهم إلى المناصب المفصلية فى الدولة كمحافظ مصرف ليبيا المركزي “الصديق الكبير”، المتهم فى قضايا اختلاس ورشوة ورئيس الرقابة الادارية، وتعيين على الصلابي (أسس مع الصديق الكبير والدبيبة شركة بريطانية اسمها اسناد مسجلة بالمملكة المتحدة) مستشارا لشئون المصالحة الوطنية برغم أنه ممنوع من دخول مصر ومدرج علي قوائم ترقب الوصول. وكتعيين عضو بارز فى تنظيم القاعدة رئيسا لغرفة ثوار طرابلس التي كلفها رئيس المؤتمر بحماية النظام، فقامت باعتقال رئيس الوزراء.
وهم بسبب التعصب والاستعجال وضيق الافق لا يقرأون الواقع قراءة جيدة ولا يستخلصون منه العبر. ومحاولة اختطاف رئيس الوزراء أبرز مثل على هذا. كانت محاولة انقلابية فاشلة بجميع المقاييس، ولم تكن حادثا فرديا يعود إلى شخص واحد بل كان عملا منظما سبق التخطيط له بغباوة لم تدخل فى حساباتها ردود أفعال اللاعبين الاخرين.
كان مخططا نقله إلى مدينة “الزاوية”، معقل عضوي المؤتمر التريكي والكيلاني، لكن قوى أخرى فى المدينة لم تكشف عن نفسها رفضت دخوله. أجرى الخاطفون اتصالات بثوار مصراته فرفضوا قبوله، فحملوه إلى غرفة ثوار ليبيا ورفض القائمون بالمبنى استلامه برغم أنهم متورطون فى اختطافه! فحملوه إلى مقر مكافحة الجريمة وبدأت عملية التحقيق والاستجواب التي حضرها رئيس المؤتمر الوطني العام دون أن يعترض على عملية القبض أو يصدر بيانا بشأنها. ثم فجأة تركوه هناك وفروا! ودخل السكان المجاورون للمبنى فوجدوه وحده ونسبوا لأنفسهم الفضل فى تحريره، ولا نصدق أن هذه الرواية حقيقية ولا يعقل أن مدنيين عزل حرروه فى وجود مئة سيارة عسكرية دون اطلاق رصاصة واحدة.
إنذار بريطاني أنقذ علي زيدان!
الفضل فى إنقاذه والذي ليس من مصلحة الخاطف ولا المخطوف الاعتراف به هو إنذار شديد اللهجة وجهته الدولة البريطانية لقيادات الميليشيات عن طريق السفير البريطاني فى ليبيا، بأنه إن لم يتم إطلاق سراحه فى خلال ساعتين فستتدخل الدولة البريطانية لإنقاذه! وشمل الخوف الجميع، وتغيرت المواقف وتقاذفوه من جهة إلى جهة، وخرجت البيانات من جميع الميليشيات التي تبنت فى البداية عملية الاختطاف أو الاعتقال كما سموها، تنفي صلتها بالحادث بما فيها لجنة مكافحة الجريمة التي تقول الان أن عبد المنعم الصيد مفصول من اللجنة منذ اكثر من عام!
لماذا لم تصدر اللجنة مثل هذا التصريح من قبل؟
والميليشيات والاشخاص الذين اتهمهم رئيس الوزراء أعضاء فى الجماعات الاخوانية والجهادية والقاعدة. وقد ارتكب العضوان خطأ فادحا أثبتا فيه التهمة على نفسهما حينما أشركا المتهم الاول عبد المنعم الصيد في المؤتمر الصحفي الذى عقداه لنفي صلتهما بالمحاولة. فأكدا صدق كلام زيدان واعترفا بالتكوين العصابي الذى يجمعهم. واستخدم محمد الكيلاني لفظ “القبض على زيدان”، وكأنه يقر بشرعية الاختطاف وقانونيته. ولم تقف الغباوة عند هذا الحد بل اعترف رئيس المؤتمر أنه زار زيدان فى محبسه ثم تركه وذهب دون أن يطلب من الخاطفين إطلاق سراحه، ثم طلب من زيدان عدم الحضور لإلقاء بيانه ثم أبلغ الاعضاء أنه رفض الحضور.
لكن ماذا لو نجحت الخطة وتم إخفاء زيدان أو قتله؟
يستحيل بعدها انعقاد مجلس الوزراء او المؤتمر الوطني العام لان أيا من هذه الشخصيات المسئولة لن تعرض نفسها للاختطاف أو القتل وستمتنع عن ممارسة وظائفها فتختفي الدولة وتتفكك السلطة وتعم الفوضى وتخرج الكتائب الاسلامية من حجورها بحجة حفظ الامن وإقامة دولة الاسلام.
والوقت لا يمضى فى صالحهم، وكراهية الليبيين لهم تزداد يوما بعد يوم. ووفق أخر استطلاع لقياس الرأي لن تجاوز فرص نجاحهم فى الانتخابات القادمة 11% وفرصة محمد صوان فى الرئاسة 0.07%أي أقل من واحد بالمئة من أصوات العينة التي شملت 1200 أسرة موزعة على جميع أنحاء ليبيا.
وبرغم أن معادلة الحركة تعمل ضدهم فإنهم يملكون خاصية الاصرار على تكرار الخطأ ونطح الصخر وعدم قراءة الواقع، ولا يعترفون بأن محاولاتهم لن يكتب لها النجاح مهما تكررت. ولا يعرفون أن نهاية الاسلام السياسي فى مصر ونهايته الوشيكة فى تونس تعنى استحالة قيامه فى ليبيا. فلن يقبلهم الداخل، ولن تترك القوى الدولية دولة تملك النفط وتملك تدفقا نقديا غير محدود لتكون تحت سيطرة القاعدة وجماعات التطرف ومصدر تهديد لأمن مصر وتونس وقاعدة للإرهاب تهدد الامن الاوربي. فهي لم تخلص ليبيا من دكتاتور شرس لتسلمها إلى نظام أكثر وشراسة.
إنهم لن يقبلوا بالحوار وغير مستعدين كأشخاص للتضحية بمكتسبات مادية حصلوا عليها بسلاحهم ولا يمكن لأي حجة أو منطق أن تقنع شخصيات تمثل قيادات الدروع وتملك القوة والمال والسلاح والدعم القطري ومباركة الحبر الاعظم أن تترك ما تستمتع به من سلطة وثروة لتعود لممارسة مهنتها القديمة فى ورشة الميكانيكا أو بوكة تغيير زيوت السيارات أو فنى التكييف! ويرى فقهاؤهم أن خلاصة التجربة المصرية والتونسية أنهم لن يصلوا إلى الحكم عبر نظام ديموقراطي وأنهم فقدوا السلطة لانهم لم يدافعوا عن مكتسباتهم بالسلاح. وحيث أنهم فى ليبيا يعيشون فى وسطٍ يكرههم فليس أمامهم إلا استخدام القوة للدفاع عن مصالحهم. لذا تلوح فرص الخراب والدماء والحرب الاهلية أكثر احتمالا. ومهما طالت المدة وسالت الدماء فلن ينتصر الاسلام السياسي ولن يكسب الحرب وسيكتبون نهايتهم بدم ليبي، وكل ما يستطيعون أن يقدموه للوطن هو مزيد من الحرب ومزيد من الدمار
magedswehli@gmail.com
طرابلس