أتت قضية تعديل المناهج لتكشف عما كان الليبراليون يحذرون منه، وهو خطر الطائفية على استقرار البلاد وأمنها. فها هي ثائرة نواب الإسلام السياسي تثور على مَن يطالب بمراجعة المناهج التي تعادي الطوائف الأخرى وتصفهم بالكفار والمشركين وتدعو إلى الإقصاء والعنف.
المضحك في الأمر هو دعوة هؤلاء إلى إغلاق هذا الباب تجنباً لإثارة الفتنة والطائفية، متجاهلين أنهم سببها ووقودها… وأن سيطرة الايديولوجية الواحدة وفرضها على الجميع ومصادرة الآراء وتهميشها، خلقت روح العداء والكراهية والتعصب، وهو ما شهده شاهد من أهله، وهو الموجه الفني العام للتربية الإسلامية السابق د. حمود الحطاب صاحب الفكر المستنير الذي انتقد ما في هذه المناهج من خلل؛ كالترهيب، والتناقض، والتكرار، وسيطرة توجه إسلامي سياسي واحد على وزارة التربية، وانفراد الأخيرة بوضع المناهج، إذ أهملت فلسفة ‘المنهج الشامل’ بعدم اشراكها مؤسسات المجتمع معها، وهو الأمر الذي يحول دون ‘بناء شخصية كونية تتطلع بإيجابية إلى الآخرين’، من خلال تعليم ديني يعزز ‘قيم التسامح والإيثار، والتعامل الحضاري مع الآخرين، والفضيلة، وحب الآخرين، والكرامة الإنسانية، والتفكير العلمي السليم’… حسب د. الحطاب.
هل يعقل يا عقلاء أن يُفرض على الطالب الإجابة في الامتحان بأنه مشرك؟… وأن يتعلم الطفل أن زميله الذي يجلس بجانبه كافر لأنه يختلف عنه في المذهب؟… وأن أمه غير المحجبة في النار؟… وأن يجب عليه أن يحارب دولته الدستورية ليكون هناك حاكم واحد ودولة إسلامية واحدة في العالم؟ وفوق كل هذا وذاك لم تجنِ حصيلة التعليم غير: ‘أطفال مكتئبين يخافون من العذاب في الآخرة في الدروس الأولى للتعليم… من قصص الخوف والرعب’… حسب د. الحطاب الموجه الفني العام للتربية الإسلامية السابق.
الحقيقة الصارخة التي لا يمكن إنكارها هي استفحال داء التعصب والطائفية في مجتمعنا، وهو الأمر الذي أدى إلى تردي الأخلاقيات العامة التي نشهدها أينما حللنا…
ولاشك أن السبب في ذلك هو نظامنا التعليمي وطرق تربيتنا البعيدة كل البعد عن مفاهيم المواطنة وحقوق الإنسان… والحل يكمن في تأسيس قيم الديمقراطية الليبرالية (التي تختلف تماماً عن ديمقراطيتنا غير الليبرالية)، إذ تحترم الليبرالية حقوق وحريات الأفراد والأقليات تجنباً لاستبداد الأغلبية… تلك هي الليبرالية التي ترى في التنوع والاختلاف ازدهاراً وثراءً لا كفراً وضلالاً.. والليبرالية هنا لا تناهض الدين ولا تدعو إلى فصله عن المجتمع، كما يروِّج البعض زوراً وبهتاناً، بل إنها الحماية الحقيقية للدين وحرية الاعتقاد، ولكنها ترفض تسييسه وجعله وقوداً في الحروب السياسية التي طالما استخدم فيها سلاح التكفير، وهو سلاح تفوَّق من خلاله وعاظ التأويل المتعصب الظلامي سنوات طوال على الفكر الإسلامي الرشدي (نسبة لابن رشد) المتسامح المستنير.
فالليبرالية ترفض محاكمة ما في القلوب لأنه شأن الخالق وحده، وتؤمن أن الاختلاف في الرؤى والاجتهاد والتفكير هو سنة الحياة التي لا مناص منها، كما وتحترم الأديان كلها ولا تميز بين إنسان وآخر على أساس مذهبي أو ديني أو عرقي، بل ان الجميع متساوون أمام القانون.
يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ‘القرآن بين دفتي المصحف لا ينطق، وإنما يتكلم به الرجال’، ألا يعني ذلك أن اجتهاداتنا المختلفة وتفسيراتنا البشرية هي التي تحدد المعنى النسبي للحقائق، حتى لا تتحول الأفكار البشرية إلى عقائد تحل محل النصوص المقدسة وتفرضها قسراً على الوعي الجماعي… ليتنا نعي تلك الفلسفة التي ابتعدنا عنها طويلاً، ونهجر الطائفية إلى غير رجعة، لنلتفت إلى قضايا التنمية… أقول ليتنا!
Lalothman@yahoo.com
الجريدة الكويتية