نستأذن الصديق المفكر الكبير طارق حجي في استلهام نسق بعض مقالاته الأخيرة (مثل “لو كنت قبطيا” و “لو كنت شيعيا في السعودية” و “لو كنت كرديا في سوريا”..) لتقديم بعض التأملات …
***
لو كنت مسلما مصريا لاعتبرت وطنيتي ومواطنتي قبل ديانتي، أي مصريتي قبل إسلامي، لأني أؤمن بأن الدين للإله لكن الوطن هو لكل أبنائه على حد سواء، ولاعتبرت كل مصريّ ـ بغض النظر عن معتقده ـ أقرب إليَّ من المسلم الماليزي أو الباكستاني.
لو كنت مصريا مسلما لطالبت بفصل الدين عن الدولة والدولة عن الدين دستوريا وقانونيا وسياسيا، حفظا على الدين من تلاعب أهل السياسة وحرصا على الدولة من تعابث مدعي الدين؛ ولطالبت بجعل مواثيق حقوق الإنسان الدولية جزءا لا يتجزأ من دستور جديد متحضر لبلادي، مبني على أسس الحرية والمساواة والعدل.
لو كنت مصريا مسلما لشعرت بالغيرة والأسى والحسرة والخجل عند سماعي بخروج أكثر من أربعة ملايين مسلم تركي في مظاهرات غطت المدن الرئيسية (اسطنبول، أنقرة، أزمير الخ) دفاعا عن العلمانية وخوفا عليها من ألاعيب حكومة أردوغان، في الوقت الذي يعتبر فيه البعض بمصر العلمانية كفرا وزندقة.
لو كنت مصريا مسلما لأصابني الفزع والهلع من محاولاتٍ ـ ناجحة أو فاشلة ـ لجماعات وتيارات الفاشية الدينية للاستيلاء على الحكم في أنحاء العالم ـ من أفغانستان إلى غزة، ومن الجزائر إلى إيران والسودان، ومن الصومال إلى العراق الخ.
لو كنت مصريا مسلما لانتبهت بحذر إلى مخططات “أم الفاشيات الدينية” في العالم الإسلامي المعاصر، التي نشأت وترعرعت في وطني مصر، والتي تسعى حثيثا للقفز إلى الحكم فيها؛ ولما أعطيت صوتي لها في انتخابات تشريعية أو نقابية، ولما صدقت شعاراتها الدينية الكاذبة ولفضحت أفكارها وخطابها.
لو كنت مصريا مسلما لما ساندت الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم لأنه، في واقع الأمر، لا يختلف كثيرا في أجندته عن تلك الفاشية الدينية، ولسعيت بإصرار لمساندة قوى التقدم والتحديث والتنوير التي ترغب صادقة في إحياء بلادي من غيبوبتها وإخراجها من نفق وكستها الحضارية؛ وفي القيام بمشروع إحيائي حضاري يلتف حوله كل المصريين ـ فهذه معركة حياة أو موت.
لو كنت مصريا مسلما لاحتفظت بديانتي في قلبي وضميري وسلوكي، ولما حولتُها إلى مظهريات سطحية أو تجارة أو مرابحة أو وسيلة استرزاق أو مبررات لإرهاب وترويع وإزعاج وتكدير من لا يدينون بها.
لو كنت مصريا مسلما لسعيت بقوتي للقضاء على التمييز الديني (وغير الديني) في بلادي بكافة أشكاله وأنماطه وأساليبه وألاعيبه، لأن استمراره يمثل إهانة بالغة لي؛ ولتعلمت من دول “كافرة” ـ من الهند إلى فرنسا ـ في كيفية تعاملها مع الأقليات.
لو كنت مصريا مسلما لسعيت لإقرار حرية الاعتقاد في بلادي، لأنه لا إكراه في الدين؛ ولأن الدين الذي (يقال أنه) يقضي بقتل أو عقاب من يخرج عنه لا يستحق أن يسمى دينا، وفي هذا إهانة قاتلة لي؛ ولأني أرى بإعجاب وانبهار كيف يتمتع الناس جميعا (وخاصة المسلمون) بحرياتهم الكاملة في الدول المتحضرة.
لو كنت مصريا مسلما لاسترجعت تاريخ بلادي وأجدادي الذي يتكون من رقائق جيوـ تاريخية متتالية ومتلاحمة ومترابطة، ساهمت كلها ـ بحلوها ومرها ـ فيما وصلت إليه مصر (إيجابا وسلبا)؛ ولأدركتُ كيف أن الإسلام فيها كان قد تمصر بفعل التعايش مع، والتأثر بغيره من الأديان والثقافات والحضارات التي سبقته وعاصرته.
لو كنت مصريا مسلما لطالبت بإقامة “مصدات” ثقافية تحفظ بلادي وتحفظني وأولادي من رياح وعواصف رملية عاتية تعبر البحر الأحمر وتجلب معها تدينا صحراويا فظا وكئيبا وقاحلا، وفقيرا ـ حتى لو التحف بالبترودولارات.
لو كنت مصريا مسلما لأدنتُ الإرهاب بكافة أشكاله وألوانه وأساليبه، وأيا كانت أسبابه وذرائعه ومبرراته؛ ولنظّمتُ وشاركتُ في مظاهرات مليونية لا تهتم فقط بإدانة إسرائيل أو شجب أمريكا أو الاحتجاج على “رسومٍ كاريكاتورية”، بل تدين أيضا المذابح التي نصبها وينصبها مسلمون لأبرياء ـ من المسلمين وغير المسلمين ـ في السودان والعراق والجزائر وفلسطين وباكستان ونيجيريا والفلبين وإندونيسيا وأوروبا وأمريكا الخ، والتي بلغ مجموع ضحاياها ما يقرب من ألف ضعف ضحايا الفلسطينيين في صراعهم مع إسرائيل.
لو كنت مصريا مسلما لجاهدت من أجل فتح باب الاجتهاد، لإخضاع تراثي الديني الهائل بأكمله لأدوات العقل والبحث والتحليل والنقد، لتنقيته من شوائب وعجاب ومصائب جهالات الأقدمين وتخاريف المحدثين.
***
لو كنت مصريا مسلما لفعلت ما هو أكثر ـ مما لا داعي للخوض فيه ـ فيكفي الآن ما قلته!
adel.guindy@gmail.com
لو كنت مصريا مسلما
كان يجب ان يرافق المقال صورة لكاتبه وذلك لتعزيز قناعتي بنظرية دارون