قرّرت حكومة السودان خوض معركة سياسية وقانونية ضد اتهامات سيعلنها المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو في حق مسؤولين سودانيين في مقدمهم الرئيس عمر البشير.
لكن المسؤولين السودانيين الذين يركّزون على “سيادة” بلادهم، يتجاهلون عمداً أن القاضي لويس اوكامبو بدأ يصيد مرتكبي جرائم الابادة من بلاده، الارجنتين، ثم من التشيلي المجاورة قبل أن يصل الى الكونغو، وليس آخرا السودان.
ومن سوء حظ الرئيس السوداني أن من يمسك بخناقه اليوم بالذات، هو قاض عنيد يعتبرونه في الأرجنتين بطلا قوميا وصيادا بامتياز لمرتكبي الجرائم الجماعية ومرشحا أول هذا العام لجائزة نوبل للسلام.
انه الدكتور لويس مورينو أوكامبو، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية منذ تأسيسها قبل خمس سنوات في لاهاي، في هولندا.
التفاصيل بغير الاسبانية عن أوكامبو قليلة، لكن أرشيف صحف الأرجنتين غني بالمعلومات عن “أوكا” كما يسمونه، وفيه أنه تخرج من جامعة بيونس آيرس في القانون، ثم أصبح أستاذا في الجامعة نفسها وعمره أقل من ثلاثين سنة.
بعد التخرج بعامين، أصبح أوكامبو أستاذا زائرا في جامعتي ستانفورد وهارفارد، في الوقت الذي تم فيه اختياره رئيسا لفرع منظمة حقوق الانسان في أمريكا الجنوبية ومن يومها ذاع صيته في الأرجنتين، خصوصا بعد تعيينه قاضيا اتحاديا استراتيجيا في قضايا يشملها قانون الجزاء الدولي. فشمل نشاطه حقوق الانسان ومكافحة الرشوة والفساد، إضافة الى ما يعمل على تحقيقه، وهو اصدار قانون دولي يلزم الحكومات بحماية الصحافيين، بل ويأتي الى المحكمة الجنائية الدولية بكل من يضطهدهم أو يعمل على قتلهم، لأنه يعشق مهنة الصحافة والعاملين فيها، مع ذلك فهو بخيل بتزويدها بالمعلومات
.
كان أوكامبو المحقق الرئيسي في تسعينات القرن الماضي بقضية “الزمرة العسكرية” في الأرجنتين، التي قامت بالفظائع خلال الحكومات العسكرية من 1976 وصولا الى العام 1980. فجاء بالمتهمين من الداخل والخارج الى المحاكم في بيونس آيرس وزج بهم جميعا وراء القضبان، خصوصا من كانوا مسؤولين عسكريين خلال أزمة جزر الفولكلاند.
بعد ذلك، استدعته حكومة التشيلي وقام بالشيء نفسه ضد من كانوا على رأس مخابراتها وقاموا بعمليات تعذيب في حق الآلاف من المواطنين، فزجتهم تحقيقاته في السجون.
ومنذ تسلمه لمنصبه كرئيس للمحكمة الجنائية الدولية، حقق أوكامبو الكثير. ففي أول أسبوع من عمله، فتح ملفات اربع دول هي أوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية أفريقيا الوسطى والسودان، وحقق بارتكاب جرائم جماعية وإبادات حدثت فيها وأرسى العدالة في ثلاث دول من بينها. وبقي السودان.
وفي مقابلة اجريت معه مؤخرا، قال أنه: يستغرب كيف يسمح هذا العالم لأشخاص يخرجون من معسكراتهم ويقتلون الناس كيفما كان. وتحدث أوكامبو عن دارفور وقال ان الأمم المتحدة لم توقف المجازر هناك، ولا الاتحاد الافريقي، ولا الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو حلف شمال الأطلسي. إذاً، أين الأخلاق والوجدان والضمير والجماعات البريئة تموت من دون أن يدافع عنها أحد. ان العالم سيصبح كله في ربع قرن كدارفور السودانية اذا لم يحل فيه السلام أو العدالة”.
إن المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية الارجنتيني لويس مورينو اوكامبو، الذي طلب اعتقال الرئيس السوداني عمر حسن البشير بتهم التخطيط لابادة جماعية وارتكاب جرائم حرب في دارفور وارتكاب جرائم ضد الانسانية، يشغل منصبه منذ عام 2003 بعد ان كان من المع المحامين في بلاده.
وقد انتخب اوكامبو من قبل الدول السبعين التي وقعت معاهدة انشاء المحكمة الجنائية الدولية.
عرف اوكامبو بقدرته على تحدي الاغنياء واصحاب النفوذ كما دافع على نجم كرة القدم الارجنتيني دييغو مارادونا ووزير الاقتصاد الارجنتيني السابق دومينغو كافالو، كما دافع عن كاهن متهم بالاعتداء جنسيا على قاصرين.
وبالاضافة الى ذلك كله، ينشط اوكامبو في مجال التعليم وقد مارس التدريس كأستاذ زائر في جامعة هارفارد الشهيرة في الولايات المتحدة.
وفي النهاية، هذا “زمن لعين” فعلاً! فلم يعد باستطاعة حاكم أن يذبح شعبه، أو أن يغتال خصومه السياسيين داخل بلاده، أو في بلد مجاور، من أن “يتجرجر” أمام المحاكم الدولية! إنه زمن لعين!
قبل 4 سنوات، اقترح كاتب سوري على صفحات “الشفّاف” إقامة تمثال للقاضي الألماني “ميليس” بعد أن اعتقل الجنرالات الأربعة في لبنان. بدورنا نقترح تمثالاً للقاضي أوكامبو إذا نجح في “جرجرة” الجنرال البشير أمام المحاكم الدولية. وسنكون أول المبادرين إلى فتح “إكتتاب شعبي” لدفع أكلاف التمثال.