مراسل “لوموند” في رأس الناقورة (“روش هانيكرا”) بإسرائيل، “لوران زيكيني”
تبدو العوّامات مصفوفة في خط مستقيم في الأفق، على بعد ٥ كيلومترات. وهي تشكل علامات الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان، التي تشكّل إمتداداً دقيقاً للحدود البرية بين البلدين، التي تنتهي لجهة الغرب في نقطة “رأس الناقورة”. ويمكن، من الشاطئ، مشاهدة زورق دورية للبحرية الإسرائيلية مهمّته فرض احترام حظر الإقتراب إلى أقل من ٥٠٠ متر من العوّامات.
إن الخطر حقيقي. فحسب مصادر أميركية رسمية نقلت معلوماتها جريدة “وول ستريت جورنال” في ٢ يناير، فإن حزب الله تسلّم، من سوريا، مكوّنات صواريخ روسية مضادة للسفن من نوع “ياخونت”. بالمقابل، أكّد لنا مسؤول عسكري إسرائيلي رفيع المستوى أن حزب الله لا يمتلك بعد تلك الأسلحة المتطورة. ولكن الدول اليهودية صرّحت علناً أن امتلاك مثل تلك الأسلحة لن يكون مقبولاً.
وكانت إسرائيل قد قصفت مخازن عسكرية تقع في مطار اللاذقية، في شمال غرب سوريا، في تموز/يوليو ثم في ت١/أكتوبر ٢٠١٣، بغية تدمير صواريخ “ياخونت” كان مقرّراً نقلها لحزب الله. وأفادت الصحافة اللبنانية أن الطيران الإسرائيلي أغار مجدداً على اللاذقية في ٢٦ ك١/ديسمبر الماضي.
“أنظروا، كل شي هادئ”، قال اللفتنانت كولونيل يوغيف بارشيشيت، وهو يشير إلى البحر الخالي من أي حركة وإلى الأراضي اللبنانية، “ولكن هذا الموقع يمكن أن يتحوّل إلى منطقة حربية في غضون ثوانٍ”. وكان جندي إسرائيلي قد قُتِل في يوم ١٥ ديسمبر على يد قنّاص من الجيش اللبناني، على مسافة قريبة من هنا. وفي ٢٩ ديسمبر، أطلق الجيش الإسرائيلي صلية قذائف مدفعية ردّاً على إطلاق ٤ صواريخ ضد الأراضي الإسرائيلية، كما وجّه تحذيراً إلى الحكومة اللبنانية.
ولمراقبة هذه المنطقة البالغة الحساسية، يعتمد الضابط الإسرائيلي على حوالي ١٠٠ جندي وعلى معدات مراقبة إلكترونية. وفي آخر نقطة التفتيش الإسرائيلية، هنالك حاجز حديدي يسمح بدخول المنطقة الخاضعة للقوة المؤقتة التابعة للأمم المتحدة (“اليونيفيل”) والمكلّفة بفرض حالة الهدنة في جنوب لبنان منذ العام ١٩٧٨. وعلى جانبي الموقع الإسرائيلي، هنالك ممرّ مزروع بالألغام عرضة ٤ أمتار ويمتدّ على امتداد الحدود بين البلدين.
إن العسكريين الإسرائيليين يلتقون زملاءهم اللبنانيين ثلاث مرات في الشهر، بحضور ضباط “اليونيفيل”. وينقل الإسرائيليون إلى اللبنانيين كل التحركات التي يقوم بها مقاتلو حزب الله ولكن بدون أن تساورهم أوهام حول النتيجة. وقال لنا اللفتنانت كولونيل يوغيف بارشيشيت أن “الجيش اللبناني يرغب في أن تظل الحدود هادئة، وهو يقوم بعمل جيد على العموم، ولكنني أشك في أن يكون لديه أي سلطة على حزب الله”.
وأضاف: “حينما نشاهد أربعة “رعاة” ومعها ماعزتان على مسافة قريبة من مواقعنا، فإننا نعرف حقيقة هويتهم: فهم مقاتلون من حزب الله يقومون برصدنا”! ويقول الجنود الإسرائيليون أنهم يلاحظون بصورة منتظمة قيام شاحنات بتفريغ شحنات صواريخ ليلاً في القرى اللبنانية.
أعداد كبيرة من المدنيين اللبنانيين سيسقطون في أي حرب مقبلة
ويوم الأربعاء الماضي، شدّد رئيس أركان سلاح الطيران، الجنرال أمير إيشيل، على أن حزب الله قد أقام “ألوف” مخازن الأسلحة في القرى. وأضاف أن إسرائيل ستكون مضطرة لتدمير تلك المخابئ في أي حرب مقبلة حتى لو تسبّب بذلك بسقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين.
وفي تل أبيب، أكّد الجنرال “إيغال” (إسم مستعار) أن حزب الله يملك ١٠٠ ألف صاروخ في قرى جنوب لبنان. وقال: “في لحظة ما، سيكون علينا أن ندخل أراضي لبنان، وستكون حرباً “قذرة” لأن حزب الله يستخدم المدنيين كدروع بشرية”.
وتؤكّد أقواله تحليل قيادات الجيش الإسرائيلي ومفادها أن حرباً جديدة مع لبنان باتت أمراً لا مفرّ منه، وأن الضحايا المدنيين سيكونون بأعداد كبيرة لأن جيش الدفاع الإسرائيلي سيضرب بسرعة وبقوة لكي يقصّر مدة عمله في الجانب الآخر من “الخط الأزرق” (الحدود المعتمدة منذ يونيو ٢٠٠٦).
بالنسبة لسوريا، يقدّر الخبراء الإسرائيليون أنه، تبعاً للفترات، فإن ما بين ١٥٠٠ إلى ٣٥٠٠ عنصر من حزب الله يقاتلون إلى جانب جيش بشار الأسد. “يضم حزب الله حوالي ٢٠ ألف مقاتلا، وقد اكتسب خبرة عسكرية من القتال في سوريا”. وإذ يقول الجنرال “إيغال”، أن “أيا من أعداء إسرائيل لا يملك حالياً أي حافز لبدء حربٍ ضدنا”، فإنه لا يستبعد خطر قيام مجموعات جهادية بتفجير الوضع في الجولان.
إن منطقة الجولان تشهد هدوءاً قلقاً يتخلّله إطلاق هاونات أو صواريخ باتجاه الأراضي الإسرائيلية، الأمر الذي يعتبره الإسرائيليون نتيجة غير مقصودة للقتال الدائر بين جيش دمشق ومجموعات الثوار. إن تكاثر المقاتلين الجهاديين، الذين يكرهون “العدو الصهيوني”، بين المناوئين للأسد يثير قلق حكومة إسرائيل. فيمكن لبعض الجماعات القريبة من “القاعدة” أن تسعى لتوريط إسرائيل في النزاع السوري بهدف جرّها لحرب مع جيش الأسد.
ويظهر أن إسرائيل تعتبر أن بقاء الأسد في السلطة هو أهون شرّين إزاء الجماعات الجهادية المتطرفة. وفي ٢٩ يناير، قال الجنرال بني عانتز، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي: “إذا صمد الأسد، فسيكون ذلك بفضل المحور المتطرف الذي يشمل إيران وحزب الله. وإذا سقط، فإن البديل سيكون من أعضاء الحركة الجهادية العالمية”. وكلا السيناريوين سلبي من وجهة نظر إسرائيل.
وإزاء المستقبل الغامض للبنان وسوريا، فقد أعلنت إسرائيل لتوّها عن إنشاء فرقة جديدة سيتم نشرها في هضبة الجولان.