ببساطة شديدة، ولا تحتاج الى تمحيص وتدقيق، نجح امام مسجد بلال بن رباح الشيخ احمد الاسير في ملء جزء من الفراغ الذي تهيب مناصرو الثورة السورية، من غير اتباع التيارات السلفية، من ملئه. فالحشد الذي شهدته ساحة الشهداء امس ليس حشدا استثنائيا لكنه، من حيث المشاركة العددية، الاول الذي يقام في وسط بيروت مناصرا الثورة السورية، والذي يتفوق على الانشطة التي سبقته خلال الاشهر السابقة في هذه الساحة او في حديقة سمير قصير لجهة الحشد. رغم أنّه لم يرق الى مستوى تلك التجمعات، التي ناصرت الثورة السورية علنا، وربما قبل الاسير، في التنوع الذي عبرت عنه اجتماعيا ودينيا وسياسيا.
فالشيخ الاسير، الذي يرى فيه البعض ظاهرة تنمو على الموقف المعلن والجريء ضد بطش النظام السوري، أثبت بتحركه ان حجم التضامن الشعبي والسياسي اللبناني مع الانتفاضة السورية عموما لم يزل دون المستوى الذي يتطلبه الشارع من قبل القوى السياسية والناشطين.
اللافت ان الحذر من الاسير ينطلق بالدرجة الاولى من البيئة التي خرج منها وينشط فيها. فهذا الشيخ لم يكن معروفا قبل عام لدى معظم ابناء مدينته، وها هو يفرض نفسه كأحد وجوه صيدا، لابل في خطوته امس اراد ان يثبت انه يتجاوز تأثيره ودوره ابواب صيدا، وهو طموح مشروع لكنه مزعج لتيار المستقبل او سواه من التيارات السياسية الصيداوية، وحتى السلفية في كل لبنان. خصوصا ان الاسير، كما ينقل بعض المراقبين في صيدا، لم يعتمد وسائل استقطاب خدماتية او دخل في لعبة التوازنات بين القوى المتقابلة في صيدا وانضوى تحت سقفها، بل هو امسك بوتر التضامن مع الثورة السورية وحيدا، وعزف عليه فتقاطر اليه المئات وربما الآلاف، مرورا بالمغني فضل شاكر، والفئة العمرية الشابة، مستفيدا من حذر سياسي تقليدي لتيار المستقبل في المدينة في اتخاذ مواقف قد تجعل المدينة ساحة صدام مع قوى 8 آذار او تجعلها في خصومة مستحكمة مع محيطها الشيعي، ومستفيدا من تباطؤ او تأخر الجماعة الاسلامية في حسم موقفها حيال تصعيد حالة التضامن مع الثورة السورية، ومن سياسة فلسطينية عامة متحفظة حيال اطلاق مواقف من داخل المخيمات داعمة للثورة السورية. وهو الى ذلك ايضا كان شديد الوضوح في الوقوف ضدّ ما يعتبره جزء من الصيداويين تغلغل مستفز وغير مقبول لحزب الله داخل المدينة. ورده على الشيخ محمد يزبك قبل اشهر حول السيدة عائشة زوجة الرسول زاد من انصاره.
شكل الشيخ الاسير المتنفس لهذه الفئة المكبوتة سياسيا، والمفتقدة لمن يستطيع ان يرفع صوتها الى حيث تريد له ان يسمع. وهذا الصوت الذي خرج امس من مدينة صيدا ومخيماتها الى ساحة الشهداء لا تكمن مخاطره في تعبيره عن التضامن مع حمص والأقصى كما هو عنوان المناسبة، بل في اي رد فعل عنفي يمكن ان يحاصرـ او يتعرض لـهذه الفئة امنيا او سياسيا في وقت لاحق. فهي فئة، وبسبب ظروف نشأتها وتشكلها السريع، وبما تنطوي عليه من خبرة سياسية ناقصة، شكلت جرس انذار…على مصادرات تعرضت لها سياسيا وامنيا او من سطوة السلاح والصفقات السياسية التي كانت على حسابها في صيدا ومخيماتها.
هذه الظاهرة “الاسيرية” تعكس في مسارها المستقبلي خط العديد من الحركات السلفية، التي يتحكم بخياراتها في المستقبل ليس ما تؤمن به من مبادىء، تلك التي لا تختلف عن بقية التيارات الدينية، بل هي تختلف عن غيرها بأنها مهيأة اكثر من غيرها لأن تتحول الى سلفية جهادية كتنظيم القاعدة اذا كان القمع والبتر سبيل خصومها لمواجهتها. وهو ما لم يستجب له الرئيس نجيب ميقاتي بذكاء وفطنة، وربما سقط فيه بعض مناصري الثورة السورية من خلال لغة إلغائية تبناها بعض الناشطين العلمانيين وغيرهم، ممن ضنّوا على صنف محدد من السلفيين بحق التعبير والموقف بشكل سلمي.
alyalamine@gmail.com
* كاتب لبناني
البلد