تشبه حماس ملاكماً يخوض معركة البقاء في حلبة مطفأة الأضواء، لذا يسدد ذات اليمين، وذات الشمال، لعل لكمة تصيب، فإذا أصابت أفلحت، وإذا طاشت صنعت بعض الضجيج. وإلا كيف، وبماذا، نفسّر “الدردشة” عبر وسطاء مع الإسرائيليين، وغيرهم، وانتظار كارتر، مع وفد من الحكماء، لتحقيق “المصالحة”، ومطالبة السعودية بالتدخل لتحقيق مكة 2، وإعلان الوقوف على مسافة واحدة من الدول والقوى في العالم العربي؟ وهذه كلها تعبيرات وردت في تصريحات لناطقين باسم حماس في غضون أسبوعين.
وفي الأثناء، تُفرض الإقامة الجبرية على وفد حكومة “التوافق”، وفوق هذا وذاك، تُعتبر اللحوم والفواكه من السلع غير الأساسية، التي تستوجب فرض الضرائب، على أمل أن يتحلى المواطن الغلبان بما يكفي من الصبر والإيمان، فمن قال إن اللحوم والفواكه أهم من فلسطين!
كل ما تقدّم لا يدل على دراية كافية في شؤون السياسة والرياسة والكياسة، بل على حسابات ضيّقة، بدائية، بسيطة وتبسيطية. فالدردشة مع الإسرائيليين، وغيرهم، على أمل الحصول على ميناء ومطار، للإفلات من “القبضة” المصرية، وانتزاع ما تيسّر من رصيد الشرعية، الذي ما يزال حكراً على السلطة في رام الله، لكمات في الهواء توهم حماس بإمكانية اطلاق جناحيها في فضاء النعيم القطري والتركي.
وهذا مجرد وهم، فحل من هذا النوع يحتاج ترتيبات وتفاهمات أمنية وسياسية إقليمية ودولية، وهي في كل الأحوال أبعد من قدرة إسرائيل على فرض ما تريد، حتى وإن بالغت في التفاؤل والكرم. وفي هذا الحل، أيضاً، ما لا تحتمل معدة اللاعبين الأساسيين في الإقليم هضمه دون عسر قد تطيح تداعياته بحكم حماس نفسها في غزة.
أما مسألة الوقوف على مسافة واحدة من الجميع، فلا تقل بدائية عن الدردشة. فلن يصدق أحد أن حركة تجاهر بانتمائها إلى جماعة الإخوان المسلمين (العابرة للقوميات والحدود) يمكن أن تكون على مسافة واحدة من الجميع، إلا إذا كان من فصيلة الأم تيريزا، وهذا النوع من البشر السماويين لا يمارس السياسة، عادة.
ومع ذلك، وعلاوة عليه، وإذا كان الكلام عن السعودية، التي تحاول حماس كسب رضاها، فإنها الأكثر اهتماماً هذه الأيام بحقيقة أن أحداً (إذا جد الجد، وقد جد) لا يستطيع، ولا ينبغي أن يقف على مسافة واحدة من الجميع، خاصة إذا كانت إيران، وملحقاتها مثل حزب الله، وسورية آل الأسد، في خانة المقصود بالجميع. وخاصة، أيضاً وأيضاً، إذا كان هذا الأحد بلا خيل عنده يهديها ولا مال (مع الاعتذار لأبي الطيب) والأسوأ إذا كان معتمداً في تدبير معيشته على الصدقات.
وأما ثالثة الأثافي فتتجلى في الاعتقاد بأن السعودية “تمون” على مصر لأنها دعمتها بالمال، إلى حد يمكنها من “الضغط” على المصريين لإرغامهم على فتح المعبر بشروط حماس وشرطتها. هذا التفكير يدل على جهل بمصر والسعودية في آن. وبقدر ما يتعلّق الأمر بمصر فإن علاقتها بما يدخل في حساب أمنها القومي لا تُحسب بالمال. وإذا شئنا الكلام من الآخر: لا “مصالحة” دون مصر، أو على حسابها، سواء كان الوسيط قاطناً في الرياض أو واشنطن. ولا دولة للإخوان المسلمين في غزة.
فلنفكر في أمر “المصالحة”، ولكن بعد القول إن موضوع اللحوم والفواكه، وكذلك فرض الإقامة الجبرية على أعضاء حكومة “التوافق”، في أحد فنادق غزة، وزيارة الأخ كارتر إلى غزة (ألغى زيارة غزة وزار رام الله) أشياء لا تستحق التعقيب، فالمكتوب يُقرأ من عنوانه، كما يُقال.
منطق حماس في موضوع “المُصالحة” يُختزل في التالي: ما لنا (يعني غزة) لنا، وما لكم (يعني السلطة في رام الله) لكم ولنا. وبعد عجزها عن تسديد رواتب موظفيها (وما مر من مياه كثيرة تحت الجسر بعد الإطاحة بحكم الإخوان في القاهرة، وتدمير الأنفاق): ما لنا لنا (ولكن نفقاته عليكم) وما لكم لكم ولنا، وطبعاً نفقاته عليكم. دبّروا أنفسكم، ابحثوا عن حلول لنا ولكم.
تُلخّص هذه المعادلة البسيطة، والتبسيطية، لب “المصالحة”، في نظر حماس، وكل ما عدا ذلك مجرد مرافعات بلاغية، أي بضاعة لا تقبل الصرف في سوق السياسة، لكنها تصلح لتمرير الوقت على أمل أن تصيب لكمة هنا أو هناك.
مع ذلك، إذا كان الأمر كذلك (والأمر كذلك) هل ثمة من فائدة حتى من الكتابة في هذا الموضوع؟ بصراحة: لا أعرف. قضايا شائكة كثيرة في الواقع، يحلها الواقع نفسه، لا الإقناع، ولا الشطارة في صياغة المرافعات السياسية، أو المطالبة بالاحتكام إلى المنطق، والمصلحة العامة (سمها الوطنية، إذا شئت).
الواقع يقدّم حلولاً بعد أوقات عصيبة قد تطول أو تقصر. وعندما ينظر الناس، بأثر رجعي، إلى ما كان في زمن مضى مصدراً لعمى البصر والبصيرة، ويقول أقدرهم على كتابة التاريخ: كان كل هذا العذاب فائضاً عن الحاجة، تكون مرحلة بعينها قد انتهت.
لم نصل بعد.
khaderhas1@hotmail.com
لم نصل بعد.. !!
الاستاذ وليم سدراك المحترم، هذا كرم منك، ارجو ان اكون جديرا به، شكرا مع محبة وتحية
حسن خضر
willلم نصل بعد.. !!
المحترم الاستاذ حسن خصر منذ زمن طويل واسعد دائما بكل ما تكتبه حيث التحليل الموثق والموضوعيه ذات الثقافه والدراسه المتمكنه كذلك الحياديه مما يصفي علي كل ما تكتب متعه وثقافه ومعرفه شكرا جزيلا