كيف يمكن الحديث عن الحوثية والحوثيين وما يُنقل عنهم من قول في الإمامة، ولا يتم التطرق أو العرض، أو حتى الإشارة إلى ما قام به الأستاذ المفكِّر محمد يحيى سالم عزان من بحث وتحليل ونقد في هذه المسألة.
هل طبول الحرب، كعادتها، تخنق صوت العقل، فيصبح لا مجال لصاحب فكر، أو رأي حر، ينشد الحياة لا الموت؟
أم أن صاحب هذا الفكر ملازم صمت، لكي لا يصبح، وسط ضجيج طبول العقول، مستهدفا بالتهمة و محاسبا، في النتيجة، عليها؟
وهو أمر أدى بمحمد عزان الباحث المتميز إلى السجن، أثناء المواجهة الأولى مع الحوثيين، بتهمة انتمائه السابق إلى جماعة الشباب المؤمن، التي كانت قد تأسست مع حسين الحوثي.
وطبعا، لم يجد من أدخلوه السجن فرصة للبحث عن عزان، واكتفوا بما وصلهم من خطف قول في تقرير مكتوب على عجل، أو ما يشبه.
بل أنهم، ربما، لم يجدوا الوقت للاعتذار له، وتعويضه عن مكوثه عدة شهور في السجن بتهمة الانتماء للأفكار الحوثية، كما يقولون.
لم أتعرف على عزان شخصيا حتى الآن لأعرف إذا كان قد تلقى اعتذارا. ومعرفتي به تقتصر على قراءتي لكتبه التي اشتريتها من المكتبات في صنعاء، ومتابعتي محنته غير المسبوقة. فبعد أن خرج من السجن تحدث إلى الصحافي القدير جمال عامر (في صحيفة “الوسط”)، وصرح بما يعتقده، وما يتوافق مع شخصية الباحث والمفكر التي عرفناها فيه، من خلال مؤلفاته. إلا أن أحدهم، ويبدو أنه مناصر للحوثية، قام بالتعقيب عليه والانتقاص من حقه بأن يكون مفكرا حرا مستقلا، فاعتبر تصريحاته تراجعا ومن أثر ضغط السجن عليه، واصفا إياه بالمتخاذل، وهو ما لا يليق بمخاطبة عالم محترم بمكانة عزان.
فهل تساوى السجان مع مَن سُجن بتهمتهم في عدم معرفة من هو محمد يحيى سالم عزان؟
لعزان مؤلفات وأبحاث كثيرة إلا أن ما لدي من كتبه هي: (( قرشية الخلافة: تشريع ديني أم رؤية سياسية))، ((حديث افتراق الأمة تحت المجهر))،((الصحابة عند الزيدية))، وكتاب حققه ((حوار في الإمامة))، وكتاب شارك فيه ((حوار حول المطرفية)).
وقراءة عناوين كتبه تكشف لنا مكانة بحوثه، والتي هي في مواضيع شائكة، خاصة في ظل الأطروحات المتعصبة التي ينتقدها عزان.
في كتابه (( قرشية الخلافة: تشريع ديني أم رؤية سياسية)) يقدم رؤية بحثية معمقة من مجتهد زيدي مستنير. وهو إذ يستعرض الإشكالية من كل جوانبها التاريخية والدينية متبينا ((أن ما يذكر من أحكام وتفريعات في شأن الخلافة توصف أحيانا بأنها شرعية؛ لا يتجاوز كونها اجتهادات غير ملزمة إلزاما شرعيا لا يجوز الفكاك عنه، ولهذا تجد أن أكثر علماء الأمة متفقون على أن معظم مسائل الإمامة ظنية لا يترتب على الاختلاف في شيء منها تكفير أو تفسيق)). وأمر الحكم ليس مرهونا بالخلافة والإمامة، حسب شروط النسب الموضوعة في الأحاديث الضعيفة، بل هو ((متروك للأمة يختار كل مجتمع ما يناسبه، ويتحقق به صلاحه وصيانته، لاسيما وأن الأزمنة والظروف دائمة التبدل والاختلاف)).
ويبحث عزان في كيفية تطور مفهوم نسبة الخلافة لقريش من اجتماع السقيفة وما صاحبه من أحداث، إلى الأمويين والعلويين، ثم العباسيين، وإدعاء كل فريق أنه المعني بالخلافة.
ويبين بالدراسة والتحليل وجهة كل فريق ومنطلقه آخذا المنهج النقدي في تناوله، ومتكئا على مواقف وآراء المجتهدين كالأمام عز الدين بن الحسن والمقبلي والحسن الجلال والإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى.
ويذهب عزان برؤية حديثة إلى نقد ابن خلدون في مقدمته التي يرى فيها (استقامة الأمور بالعصبية) معتبرا كلامه ((لا يتجاوز كونه تبريرا لما حدث من احتكار الخلافة من قبل قريش باسم الدين)).
وفي الكتاب الذي صدر عن مركز التراث والبحوث اليمني (2004) الذي يرأسه الأستاذ زيد بن علي الوزير يخلص المؤلف إلى ((أن اشتراط القرشية في الخليفة كان مجرد رؤية فرضها واقع معين، وعندما راقت الفكرة للبعض طلبوا لها الشواهد الشرعية ثم قدمت ضمن فقه السير كواحدة من المسائل الشرعية، رغم ضعف أدلتها وبعدها عن المقصود)). ويبين ((أن الخلافة حق لكل صالح قادر إذا اختاره المجتمع وفوضه في إدارة شؤونه، فإذا قصر في أداء واجبه أو لم يتمكن من القيام بمسئوليته كان للناس أن يعزلوه ويختاروا سواه)).
هذا المنهج وهذه الرؤية، مضى بهما عزان في تحقيقه وتقديمه لكتاب ((حوار في الإمامة)) الذي ينشر فيه مخطوطة هامة حول الإمامة للإمام عز الدين بن الحسن (ت 900هـ)وردود عليها من قبل علماء معاصرين له: عبدالله بن محمد النجري، علي بن محمد البكري، صارم الدين بن إبراهيم الوزير، إضافة إلى تعقيب الإمام عز الدين عليهم.
وفي مقدمة الكتاب الذي صدر (2003)عن مركز التراث والبحوث اليمني، أيضا، وهو الناشر والراعي لمؤلفات عزان، يدعو المحقق المنحاز إلى رؤية الإمام عز الدين الاجتهادية ((المهتمين بنظرية الإمامة بمختلف توجهاتهم إلى البحث الجاد في أصول النظرية وظروفها وتاريخها بإنصاف وتحرر من ضغط الموروثات المذهبية وتقديس الأسلاف، لعل الأمة تنهض إلى ما يحييها مستفيدة من تجارب الماضين وما توصلوا إليه، لا أن تكبل نفسها بقيود مسلمات أنتجتها ظروف ومتغيرات مضت وانقضت ولم يعد لها وجود في حاضرنا)).
وإذا كان كتابه ((حديث افتراق الأمة تحت المجهر)) وكذلك كتابه ((الصحابة عند الزيدية)) لا يقلان في الأهمية عن سابقيهما، فإنه في كتاب (حوار عن المطرفية) يشارك في سجال فكري متميز، مع زيد بن علي الوزير من جهة والحوثي الأب من جهة ثانية،عن هذه الفرقة الزيدية التي تعرضت للتكفير، ومن ثم الإبادة، وهي الفرقة التي قال الشاعر الراحل أحمد محمد الشامي لو أنها بقيت لكان اليمنيون أول من ارتاد الفضاء.
ووقف عزان مع الصف الداعي إلى رد الاعتبار للمطرّفية، فرد على الحوثي اتهاماته لها، وتبريراته لما حصل لها من تنكيل وإبادة!.
ولا يمكن لنا، من خلال هذه الإشارات القليلة، أن نبين أهمية فكر عزان ونتاجه المعرفي في سياق الفكر الزيدي،و الإسلامي عامة، وكذلك تقديمه لأبرز مجتهدي الزيدية في قضاياهم التنويرية الهامة. إلاّ أنه يمكن القول أن الأمل كان بخروج سجال محمد عزان مع الحوثيين إلى فضاءات الفكر العربي والإسلامي كدليل على عافية الثقافة في اليمن وتطورها، بدلا من صوت التعصب والتطرف والاقتتال، ومحاولات إلغاء الآخر التي لا جدوى منها.
ali_almuqri@yahoo.com
*شاعر وصحافي من اليمن