الثقافة الدينية المهيمنة على حياة الغالبية العظمى من المسلمين، والمستندة إلى الفقه التاريخي، والنابعة في جزء كبير منها من طبيعة العادات والتقاليد الموجودة في المجتمع الإسلامي القديم، نستطيع أن نطلق عليها مسمّى ثقافة “الإسلام التاريخي”، التي تسعى ضمن مساعيها المختلفة إلى تركيب الماضي في الحاضر.
تلك الثقافة الدينية تبدلت من معين لبناء الحاضر إلى دعوة للعودة إلى الماضي لبناء مجتمع تاريخي بقيمه ومفاهيمه بظاهر متسم بالحداثة الشكلية. فهي استفادت من وسائل الحداثة لكنها حذفت مفاهيمها التي شكلت الأساس النظري لولادة تلك الوسائل.
فالهدف الأول لمنظري “الإسلام التاريخي” هو الوقوف في وجه الجهود المبذولة لبناء مجتمعات حديثة الشكل والمضمون معا، أي بناء مجتمعات علمانية، ويبررون موقفهم هذا على أساس أن المشروع الحداثي يناهض في أفكاره ومفاهيمه وسلوكياته مشروعهم التاريخي وفهمهم الفقهي الماضوي عن الدين، ويرون في مشروعهم هذا بأنه صالح لكل زمان ومكان، ويزعمون بأنه قادر على تذليل العراقيل التي تحملها أسئلة الحياة الراهنة، ومنها سؤال الحرية والتعددية واحترام حقوق الإنسان، على الرغم من أن إجاباتهم هي مجرد إجابات تاريخية لموضوعات حديثة. فكيف يمكن الاستناد إلى تلك الإجابات لبناء مجتمع حديث بحقوقه وحرياته؟ وهل يمكن الاعتماد على فقه ذي أصول تاريخية وعلم كلام لا ينفع لمجاراة الحاضر، في تشكيل واقع حديث؟ وهل سؤال الواقع يحتاج إلى مفاهيم حديثة أم إلى مفاهيم غابرة أكل عليها الدهر وشرب؟
الغالبية العظمى من الرؤى الفقهية الراهنة التي أنتجها الخطاب الديني ومدرسة “الإسلام التاريخي” تعارض القيم الإنسانية الجديدة والمفاهيم العلمية الحديثة، وتستند في معارضتها إلى اعتبار أن تلك القيم والمفاهيم، التي تشكل أساس العلمانية، لا تنتمي إلى النظرة الاجتماعية التاريخية للدين والمنبثقة عن فقه “الإسلام التاريخي”، ومن شأن ذلك أن ينسف الكثير من النصوص الدينية ويجعلها غير صالحة للعيش في العصر الحديث.
وفي حين أن رجال دين أيدوا البعض القليل من تلك القيم والمفاهيم، أي أيدوا من العلمانية ما يحقق مصالحهم الدينية والدنيوية الضيقة، فإنهم لم يتخذوا هذا الموقف انطلاقا من النظرة الاجتماعية الحديثة ومن التحولات المفاهيمية والقيمية الجديدة، إنما انطلاقا من توافق النص الديني التاريخي مع مصالحهم، إذ لولا ذلك لما أيدوا هذا القليل أيضا. فالاثنان، أي مؤيدو ومعارضو بعض القيم والمفاهيم الحديثة من المنتمين إلى مدرسة “الإسلام التاريخي”، إنما اختلفت وجهات نظرهم انطلاقا من الحجة النصية لكل طرف واستنادا إلى اختلاف المصالح.
على سبيل المثال، فإن عدم الاهتمام باحترام حقوق الإنسان في الدول العربية، ومنها في الكويت، إلا في حال حقق ذلك بعض المصالح السياسية – وهو احترام يستند إلى مفاهيم الحياة الحديثة – فإن عدم الاهتمام هذا ينطلق من سيطرة الخطاب الديني التاريخي على النسيج الاجتماعي وعلى الفهم العام، متسلحا بإرهاب دنيوي وأخروي، مؤكدا على عدم احترام تلك الحقوق، لاعتقاده بأنها تتعارض مع الكثير من النصوص الدينية وتختلف مع أصول علم الفقه ومع العادات والتقاليد التي رسخها التاريخ والخطاب الدينيَين في المجتمع.
إضافة إلى ذلك، فإن أنصار الخطاب الديني يعتقدون بأن احترام حقوق الإنسان، وبالذات احترام حقوق المرأة، هو جزء من عملية “تغريب” علمانية واسعة ولابد من عرقلة مثل هذا التحرك والوقوف بوجهه، على اعتبار أن “التغريب” هو سلاح يسعى للقضاء على “ثوابت الأمة” العربية الدينية الاجتماعية، رغم أن الكثير من تلك “الثوابت” مناهض للقيم الدينية والإنسانية.
فالخلل في الخطاب الديني، المناهض بعضه للقيم والمفاهيم الحديثة وبعضه الآخر مؤيد، يكمن في أنه خطاب تاريخي لا ينتمي إلى الحاضر ولا إلى الواقع، فهو لا يستطيع إلا أن يبتعد بقيمه ومفاهيمه مسافات كبيرة عن تلك الحديثة، على الرغم من إنه يصر على الاستفادة فقط من وسائل الحداثة، فهو يمثل أعلى مراتب الاستغلال: الاستفادة من الوسائل ورمي المفاهيم العلمية والإنسانية في سلة المهملات.
إن الاكتشاف المهم الذي مارسه الأنبياء والرسل، ثم نقلوه بعد ذلك إلى الناس، هو ذلك الشيء الذي يرفض أنصار الخطاب الديني التاريخي الاعتراف به، والمتمثل في أن الأعمال التي هي في “ذاتها” أعمال خير فمن شأنها أن ترضي الله، وأن الأعمال التي في “ذاتها” أعمال شر فمن شأنها أن تغضب الله، وأن الوصول إلى ذات الخير أو ذات الشر مرتبط بقدرة عقل الإنسان على تشخيص ذلك. فتشخيص خير أو شر عمل ما هو من مهمة العقل وليس من مهمة النص الديني. فالذي يقول عنه العقل البشري إنه خير أو شر، من شأنه أيضا أن يفرح الله أو أن يغضبه. بمعنى أن أعمال الخير التي يكتشفها ويمارسها الإنسان غير المؤمن لا تختلف عن أعمال الخير التي يكتشفها ويمارسها الإنسان المؤمن. فعقل الإنسان يحب ما يعتبره الناس خيرا، ويكره ما يعتبره الناس شرا.
على هذا الأساس، حينما يقرّر الإنسان الحديث انطلاقا من القيم والمفاهيم العلمانية بأن حقوقه هي قضية لا يمكن أن تتجزأ، وأن حقوق المرأة هي جزء رئيسي من حقوق الإنسان وجزء من صور الخير التي توصلت إليها البشرية من خلال عقلائها، فإن هذه النتيجة من شأنها أن ترضي الله وتحقق لمبلغيها أمنية المرأة في الحصول على حقوقها دون أن تنتظر جوابا من النص الديني التاريخي.
وأنصار الخطاب الديني الراهن من المنتمين لمدرسة “الإسلام التاريخي” إنما سعوا لفصل قضيتين أساسيتين ترتبطان بحقوق المرأة، أي الفصل بين حقوقها كامرأة وبين حقوقها كمسلمة، واعتبروا هذا الفصل هو السلاح الذي من خلاله يستطيعون أن يواجهوا مفاهيم عالم الحداثة الداعية إلى تحرير المرأة من أسر التاريخ والماضوية وإعطائها حقوقها الإنسانية كاملة غير مجزأة ومن دون وصاية عليها من النص والتاريخ والرجل.
فهم أثاروا مشروعهم الضيق بهدف التفريق بين حقوق المسلمة وجميع نساء العالم، واستندوا إلى الفهم التاريخي الضيق القائل بأن الإسلام طرح مشروعا متكاملا حول الإنسان، وبالذات حول المرأة، لكنهم لم يتداركوا أن مشروعهم كان سدا أمام مساعي تحريرها من الوصاية. في حين أن كل ما يهدف إليه الطرح المقابل للطرح الديني التاريخي، أي الطرح العلماني، هو السعي من أجل أن يعكس صورة المجتمع الحديث بثقافته واجتماعه، فهو دعوة صريحة للتعامل بإيجابية وواقعية مع الراهن الحديث، ليس بأدواته ووسائله فحسب وإنما بمفاهيمه ونظرياته وعلومه الجديدة أيضا.
كاتب كويتي
ssultann@hotmail.com
لماذا يخشون من العلمانية؟
stern — stern_43@yahoo.de
العلمانيون يخشون لاسلام لعدة اسباب لان الاسلام يلغي العقل لو فهم المسلم الاسلام لبتعد عنة لو سيطر الاسلام كما يريدون لرجع العالم 1400 سنة للوراء على الجمال والدواب في الصحراء
لماذا يخشون من العلمانية؟
– السؤال (لماذا يخشى الاسلامويون والعلمانيون) الاسلام , حيث دخلت المرأة كافة مجالات العلم والعمل , ووصلت الى اعلى مراتب السلطة (بنازير بوتو) قبل ان تحصل المرأة (السويسرية) على حقها الكامل بالانتخاب (1989) .. واستحالة وصول امرأة (فرنسية) لهذا الموقع في فرنسا (العلمانية)؟