قبل عام من الآن، أتيحت لي فرصة تقديم ورقة عمل علمية حول تغطية الإعلام العربي لأزمة دارفور، بدعوة من مجموعة الأزمات الدولية، والجامعة الأمريكية في القاهرة.
الورقة لم تجد سبيلا إلى النشر إلا في أورقة الورشة التي عقدت في القاهرة.وجرت تغييرات كثيرة – في دارفور – خلال هذا العام، غير أن تغطية وسائل الإعلام العربية للأزمة – خاصة في شقها الإنساني – تبقى متواضعة جدا، وباعثة على طرح أسئلة، ليس حول الإعلام العربي فحسب، وإنما حتى على مستوى بنية الوعي التي لطالما تناسلت عنها أسئلة كثيرة حول “ازدواجية المعايير” الغربية وما إلى ذلك من ادعاءات لم تصمد أمام اختبار وسؤال “الآخر” بين العرب أنفسهم، الآخر الكردي، والآخر الأمازيغي، والآخر الإفريقي!!
ولعلّ اهتمام الممثل الأمريكي جورج كلوني، ونظيرته الأمريكية أنجلينا جولي بالهم الإنساني في دارفور، وغياب “الفن والثقافة” العربيتين غيابا شبه تام عن هذا الهم “الإنساني بالدرجة الأولى” يعكس وجها من أوجه “ازدواجية المعايير” هذه!!
يجدر أولا أن أطرح بعض الأسئلة لأجهد في الإجابة عليها، ومن ثم أحللها وأخلص إلى نتائج بشأنها:
أولا: هل نحا الإعلام العربي باتجاه تغطية الأزمة حسب الاهتمام الذي تستحقه، وباتجاه تمليك المشاهدين والقراء معلومات وافرة عن الكارثة التي تسببت في مقتل 200 ألف حسب تقديرات منظمات دولية، و10 آلاف حسب تقديرات الحكومة السودانية، وتشريد ونزوح مليونين ونصف المليون، واغتصاب 35 إمرأة خلال عام 2006 فقط حسب إعلان حكومي رسمي؟
ثانيا: إلى أية درجة حظيت أزمة دارفور باهتمام الإعلام العربي مقارنة بأزمات أخرى كالعراق وفلسطين ولبنان؟
ثالثا: ما الذي يمكن أن نستخلصه من مقارنة تغطية الإعلام العربي لأزمة دارفور بتغطية نظيره الغربي؟
أرجو هنا أن تكون ورقتي علمية مدعومة بأسانيد وإحصاءات من واقع التغطية من خلال عيّنات من وسائل الإعلام العربية، راعيت فيها تنوّع وسائل الإعلام، والتنوّع الجغرافي.شمل هذا قناتين تلفزيونيتين هما (العربية) و(الجزيرة)، وسبع صحف عربية هي: (الشرق الأوسط) و(الحياة) اللندنيتين، (الرياض) السعودية، (الأهرام) المصرية، (البيان) الإماراتية، (السفير) اللبنانية، (الصحراء المغربية)، وصحيفة سودانية هي (الرأي العام). وشمل كذلك مجلة أسبوعية هي مجلة (المجلة)، وموقعين على الانترنت هما موقعي (قناة الجزيرة) و(قناة العربية)، وموقعا سودانيا هو sudaneseonline)). في المقابل، رصدت أيضا تغطية أربع صحف غربية هي: (واشنطن بوست) و(نيويورك تايمز) الأمريكيتين، و(إندبندنت) و(غارديان) البريطانيتين، بالإضافة لـ ((google.news باللغتين العربية والإنجليزية. وجرى البحث في الفترة ما بين 8 أبريل 2006 إلى 8 أبريل 2007 أي حوالي عام.
كانت نتائج البحث كالآتي:
1- حسب البحث في google.news عن أخبار دارفور في المصادر الإنجليزية خلال الفترة من 8 أبريل 2006 إلى 8 أبريل 2007 كان هناك 10,418 خبر عن دارفور في مقابل 2,833 خبر لدى البحث في مصادر الأخبار العربية.
2- حسب الدكتور نبيل الخطيب، رئيس تحرير الأخبار في قناة “العربية”، فإن تغطية القناة لأخبار دارفور لا تزيد على 1% من تغطيتها لأخبار العراق وفلسطين ولبنان. فأولويات القناة مرتبة على النحو التالي: العراق أولا، ثم فلسطين، فلبنان ثم القضايا العربية العامة مثل الانتخابات الرئاسية والتطورات السياسية والأمنية المختلفة في البلدان العربية.
3- تغطية قناة “الجزيرة” لا تختلف عن ذلك كثيرا. فمن خلال متابعتي واستنتاجاتي الشخصية، ومتابعة زملاء إعلاميين تحدثت إليهم، من خلال رصدهم للقناة، يتضح أن قضية دارفور لا تحظى بالاهتمام ذاته الذي تحظى به القضايا الأخرى في العراق وفلسطين ولبنان. ولا تزيد تغطية قناة “الجزيرة” لأزمة دارفور عن 1 إلى 10 مقارنة بلبنان مثلا.
4- نشرت صحيفة “لشرق الأوسط” اللندنية 916 خبرا عن دارفور في مقابل 2150 للبنان و3270 للعراق و1930 لفلسطين.
5- صحيفة “الحياة” اللندنية نشرت 52 خبرا عن دارفور و683 خبرا عن لبنان و987 خبرا عن العراق و271 خبرا عن فلسطين.
6- صحيفة “الأهرام” المصرية نشرت 106 خبرا عن دارفور و220 خبرا عن لبنان و187 خبرا عن فلسطين و585 خبرا عن العراق.
7- أما صحيفة “الرياض” السعودية فقد نشرت 351 خبرا عن دارفور و1440 خبرا عن لبنان و1040 خبرا عن فلسطين و2260 خبر عن العراق.
8- صحيفة (البيان) الإماراتية، نشرت 62 خبرا عن دارفور، و 1000 خبر عن العراق، و560 خبرا عن لبنان، و1150 خبرا عن فلسطين.
9- صحيفة (السفير) اللبنانية، نشرت 6 أخبار عن دارفور، و100 خبر عن فلسطين، و330 خبر عن العراق، و1050 خبر عن لبنان.
10- صحيفة (الصحراء المغربية) نشرت 8 أخبار عن دارفور و316 خبرا عن العراق و106 خبرا عن لبنان و49 خبرا عن فلسطين.
11- مجلة المجلة الأسبوعية نشرت 17 خبرا عن دارفور في مقابل 36 خبرا عن لبنان و37 خبرا عن فلسطين.
12- و نشر موقع قناة الجزيرة على الانترنت، 328 خبرا عن دارفور، في مقابل 547 خبرا عن لبنان و720 خبرا عن فلسطين و1647 خبرا عن العراق.
13- نشر موقع قناة العربية على الانترنت 600 خبرا عن دارفور ، و2000 خبر عن فلسطين، و1900 خبر عن لبنان، و2900 خبر عن العراق.
14- صحيفة الرأي العام السودانية نشرت 200 خبرا عن دارفور في مقابل 18 خبرا عن لبنان و69 خبرا عن العراق و27 خبرا عن فلسطين.
15- موقع sudaneseonline نشر حوالي 4000 خبر عن دارفور، و 363 خبرا عن فلسطين، و350 خبرا عن لبنان، و1050 خبر عن العراق.
16- في مقابل ذلك نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية 1450 خبرا عن دارفور، و2300 خبرا عن لبنان، و1000 خبر عن فلسطين و21000 خبرا عن العراق.
17- نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية حوالي 2430 خبر عن دارفور و932 خبرا عن فلسطين و1240 خبر عن لبنان وحوالي 49000 خبر عن العراق.
18- أما صحيفة غارديان البريطانية فقد نشرت 1040 خبرا عن دارفور، و2260 خبرا عن فلسطين، في مقابل 1490 خبرا عن لبنان و12700 خبر عن العراق.
19- صحيفة إندبندنت البريطانية نشرت 67 خبرا عن دارفور و53 خبرا عن لبنان و447 خبرا عن العراق و16 خبرا عن فلسطين.
20- ونشر موقع هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي باللغة الإنجليزية حوالي 2000 خبر عن دارفور، و2600 خبر عن فلسطين و2300 خبر عن لبنان و23000 خبر عن العراق.
ولنحلل بعض هذه النتائج:
أولا: تترواح تغطية وسائل الإعلام العربية بشأن دافور حسب العيّنات التي بين أيدينا، من 1 إلى 2 مقارنة بفلسطين (صحيفة الشرق الأوسط اللندنية، وصحيفة الأهرام المصرية، وصحيفة الرياض السعودية، ومجلة المجلة الأسبوعية، وموقع قناة الجزيرة على الانترنت نموذجا) و1 إلى 2 مقارنة بلبنان (صحيفة الشرق الأوسط اللندنية، وصحيفة الأهرام المصرية، ومجلة المجلة الأسبوعية وموقع قناة الجزيرة على الانترنت)، و1 إلى 3 مقارنة بالعراق (صحيفة الشرق الأوسط اللندنية)، و1 إلى 3 مقارنة بلبنان وفلسطين (موقع قناة العربية على الانترنت) و1 إلى 5 مقارنة بفلسطين (صحيفة الحياة اللندنية، وصحيفة الصحراء المغربية)، و 1 إلى 5 مقارنة بالعراق (صحيفة الأهرام المصرية،موقع قناة الجزيرة على الانترنت، وموقع قناة العربية على الانترنت). ومن 1 إلى 10 مقارنة بلبنان (قناة الجزيرة، و صحيفة الحياة اللندنية، صحيفة البيان الإماراتية، وصحيفة الصحراء المغربية)، إلى 1 إلى 15 مقارنة بالعراق (صحيفة الحياة اللندنية) إلى 1 إلى 20 (صحيفة البيان الإماراتية) إلى 1 إلى 22 مقارنة بفلسطين (صحيفة البيان الإماراتية، وصحيفة السفير اللبنانية) إلى 1 إلى 40 (صحيفة الصحراء المغربية) و1 إلى 50 (صحيفة السفير اللبنانية) مقارنة بالعراق. و 1 إلى 100 مقارنة بالعراق وفلسطين ولبنان (قناة العربية)، و1 إلى 175 مقارنة بلبنان (صحيفة السفير اللبنانية).
ثانيا: الاستثناء لصالح أخبار دارفور كان في صحيفة الرأي العام السودانية وموقع sudaneseonline، إذ حظت دارفور بتغطية أكبر من تغطية أخبار العراق وفلسطين ولبنان.
ثالثا: هذه النتائج توضح أن هناك تفاوتا في اهتمام وسائل الإعلام العربية بأزمة دارفور، وتظهر أن العيّنات كلها قيد الدراسة لم تول المسألة أكثر من 50 % من اهتمامها بقضايا العراق ولبنان وفلسطين، في ما تقلّ هذه النسبة تدريجيا وصولا إلى 1% فحسب.
رابعا: إذا قارنا هذه النتائج ببعض وسائل الإعلام الغربية، فإذا استثنينا أخبار العراق، فإن أخبار دارفور تكاد تتساوى مع أخبار فلسطين (موقع هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي) وتتفوق عليها (صحيفة واشنطن بوست وصحيفة نيويورك تايمز) وتتساوى أخبار دارفور ولبنان (صحيفة غارديان وصحيفة إندبندنت وموقع هيئة الإذاعة البريطانية باللغة الإنجليزية) وتتفوق على أخبار لبنان (صحيفة نيويورك تايمز) في العينات التي بين يدينا لوسائل الإعلام الغربية.
خامسا: يظهر البحث في ((google.news أن تناول الإعلام العربي المكتوب لقضية دارفور يمثّل 1 إلى 5 مقارنة بوسائل الإعلام الغربية.
سادسا: حظي الجانب الإنساني في مسألة دارفور باهتمام واضح في وسائل الإعلام الغربية، حسب متابعتي وملاحظاتي الشخصية، فيما تمحورت غالبية تغطيات وسائل الإعلام العربية حول البعد السياسي في الأزمة.
سابعا: من ملاحظاتي الشخصية أيضا، لم تحظ مسألة دارفور باهتمام الكتّاب والمحللين العرب، ولم يكتب عن دارفور سوى قلة من الكتاب العرب.
ثامنا: وهذه نقطة في غاية الأهمية، وهي مقارنة بعدد ضحايا الأزمات في دارفور والعراق وفلسطين ولبنان:
قتل في دارفور حوالي 200 ألف حسب تقديرات منظمات دولية، وقتل في لبنان خلال الحرب الأخيرة في 2006 أقل من 2000 حسب رصد وسائل إعلامية، وقتل في العراق منذ مارس 2003 إلى مارس 2007 حوالي 150 ألفا حسب وزارة الصحة العراقية، وقتل في فلسطين منذ عام 2000 إلى عام 2006 حوالي 4391 فلسطيني حسب المركز الفلسطيني للإعلام.
وعلينا أن نحاول طرح الأسباب التي أدّت لهذا التفاوت الكبير في تغطية الإعلام العربي لأزمة كبيرة كأزمة دارفور مقارنة بقضايا العراق وفلسطين ولبنان، ومقارنة أيضا بتغطية الإعلام الغربي:
أولا: تواجه وسائل الإعلام عراقيل من طرف الحكومة السودانية التي فرضت حظرا على نشر أخبار قضية دارفور في الصحافة السودانية قبل أربعة أعوام تقريبا، وتراجعت عنه لاحقا. فهي تتشدد إزاء دخول وسائل الإعلام لمناطق دارفور، والإلتقاء بمواطنين وضحايا هناك. وهذا يقلّص من رغبة وسائل الإعلام في توفير إمكانات وأجهزة لازمة للتغطيات المستمرة.
ثانيا: ذهنية المركز والهامش التي يتعامل وفقها الإعلام العربي. فالعراق وفلسطين ولبنان تظلّ من مجتمعات المركز، فيما السودان يقع في الهامش. وما زال المواطن العربي البسيط يجهل أن مليونين من السودانيين لقوا حتفهم في الحرب في جنوب السودان خلال عشرين عاما بسبب تجاهل الإعلام العربي للنزاع.كما يجهل خلفيات أزمة دارفور، وتداعياتها. يظهر ذلك من خلال تعليقات القراء على أخبار دارفور في بعض مواقع الانترنت العربية (موقع العربية نموذجا).
ثالثا: أشير أيضا إلى نقطة أوضحها الدكتور نبيل الخطيب، رئيس تحرير الأخبار في قناة العربية، تتعلق ببعد ذي طابع صحافي سياسي يتمثل في انطباع قائم لدى المحررين ومعدي نشرات الأخبار أن الأولوية للنزاعات بين العرب وغير العرب كما يجري في فلسطين والعراق ولبنان، في ما تأخذ قضية دارفور باعتقادهم طابعا داخليا.
رابعا: وسائل الإعلام العربية إما حكومية تتأثر برأي النظام العربي الداعم لموقف الحكومة السودانية، أو خاصة ذات توجه تجاري تنزع نحو مجاراة اهتمام مشاهديها وقرائها ومستمعيها من خلال تغطية الأحداث التي تعتبر ساخنة ،ودارفور لا ينطبق عليها هذا الوصف.أو هي تجارية ملزمة بسياسات تحريرية لا تغضب حكوماتها.
خامسا: هناك بعد يتعلق بالثقافة العربية منذ قرون، يتمثل باحتقار اللون الأسود وتبخيسه. هذا واضح في قصائد المتنبي، وفي قصائد غيره من الشعراء العرب، ونوّه إليه بجرأة في ما يتعلق بدارفور، الدكتورة رجاء بن سلامة، والأستاذ خالد الحروب أخيرا في مقالين بخصوص العنصرية العربية ضد سكان دارفور.
في تلك الورشة، كنت أطلقت نداءا يرتكز على محاور أربعة:
أولا: إطلاق نداء إعلامي عربي من أجل دارفور بهدف إيلاء الأزمة اهتماما أكبر خصوصا في بعدها الإنساني، ومطالبة الكتاب والمحللين العرب، ووسائل الإعلام العربية بشكل عام، بتبني حملة واسعة النطاق من أجل استقطاب دعم حكومي وشعبي يصب لفائدة الضحايا والنازحين في دارفور.
ثانيا: اصدار بيان موجه لأطراف النزاع في دارفور بغية وقف العنف وحماية المدنيين.
ثالثا: مطالبة الحكومة السودانية بتذليل الصعاب كافة التي تحول دون إنجاز أعمال صحافية في المنطقة.
رابعا: حثّ الفنانين والفنانات العرب بالإسهام في الجهود الهادفة إلى تخفيف المعاناة عن سكان الإقليم.
khalidowais@hotmail.com
* كاتب سوداني- دبي
لماذا يتجاهل العرب دارفور؟
حقاً شيء محزن لم يدرك الأخ من السودان أن العرب لم يبعدوا قيد أمله عن الجاهليه في تصنيف ذوي البشره السوداء …. حيث أنهم مازالو يرون فيهم ؤلائك العبيد الذين لا يسحقون أن يكونو في مصاف العرب الساميين …. لذلك لا أعيب على اليهود إنتمائهم و نقاء عرقهم
(بأنهم أبناء الله) حسب إدعاءاتهم … حيث أنهم أباء عمومه ….
لذا آرى أن القضيه الفلسطينيه مسأله عائليه بين أبناء عمومه , لذا ؤلائك السود لا يستحقون الإهتمام بشؤونه … لذا يجدر بأهل دارفور التوجه إلى من يعتبرهم بشر يستحقون الحياة مثل أي إنسان.
لماذا يتجاهل العرب دارفور؟ لان كل بلد عربي لدية دار فور ودار فايف . أبيض + أسود = أسمر .آه يأسمراني اللون حبيب يا أسمر كهدى تغنت شادية , وعبد الحليم حافظ كان أسمة العندليب الأسمر , وقصيدة الشاعر السعودي سمراء يا حلم الطفولة يا منيت النفس العليلة كيف الوصل إلى ……., كل هدى يعبر إن الفنانين والمثقفين لم يكون عنصريين بسبب اللون أو الدين مثلما غنى ناظم الغزالي على الفتاة التي أحبها من قوم عيسى …إلى آخر الأغنية , ولكن للأسف الشديد مغروس في داخلنا العداء للآخر وهو يتلون ويتغير حسب الظروف السياسية والطقس القومي المتغير دائما , الآن… قراءة المزيد ..