هل تعلّم اللبنانيون شيئا من احداث حرب العام 1967، التي أسست لحربهم الاهلية ولحروب الآخرين على ارض لبنان ومما سبقها ومما تلاها؟
ليس ما يشير الى انّهم تعلموا شيئا، بما في ذلك اخذ العلم بانّ العرب رموا كل هزيمتهم على لبنان كي يتحمل وزرها وكي يهربوا منها. انتهى لبنان الى اجباره على توقيع اتفاق القاهرة في تشرين الثاني – نوفمبر من العام 1969 كي يتبرّأ العرب من الهزيمة. لو كان جمال عبد الناصر فهم فعلا معنى الهزيمة التي لحقت بمصر في العام 1967، هل كان قبل ان يوقّع لبنان اتفاق القاهرة؟
لا تزال مفاعيل الاتفاق تدوّي الى اليوم لانّ قائد الجيش الماروني اميل البستاني أراد ان يكون رئيسا للجمهورية… في وقت كان زعماء الموارنة الآخرون، باستثناء ريمون ادّه، يسعون، كلّ بدوره الى ان يكون في موقع يسمح له بالوصول الى قصر بعبدا.
ليس من العدل الصاق كلّ التهم بالعرب. يتحمّل اللبنانيون مسؤولية كبيرة عن قبول اتفاق القاهرة الذي يكشف ضعف أي ماروني لبناني امام رئاسة الجمهورية. وحده ريمون ادّه بين الزعماء الموارنة تجرّأ في العام 1969 على رفض اتفاق القاهرة، لا لشيء سوى لأن رئاسة الجمهورية لم تكن تعني له شيئا اذا كان الثمن التخلي عن سيادة لبنان على جزء من ارضه لمصلحة “المقاومة” الفلسطينية التي لا تشبه حاليا الّا “المقاومة” التي يمارسها “حزب الله” الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الايراني، عناصره لبنانية.
يكمن جزء من مأساة لبنان في غياب أي منطق من ايّ نوع لدى سياسييه. لو كان هناك مثل هذا المنطق، لكان أي سياسي يحترم نفسه تجرّأ وقال ان لبنان استطاع المحافظة على ارضه لانّه لم يشارك في حرب 1967 التي كانت حربا خاسرة سلفا. امتلك وقتذاك رئيس الجمهورية شارل حلو ما يكفي من الوعي. مكنه ذلك من اتباع سياسة حكيمة حالت دون سقوط لبنان في الفخّ الذي سقطت فيه مصر وسوريا والأردن. لا تزال المنطقة تعيش الى اليوم تداعيات حرب الايّام الستة قبل ما يزيد على نصف قرن. لا تزال الأراضي العربية المحتلة في حرب 1967 محور أي عملية سلمية وهمية وذلك على الرغم من ان مصر استطاعت استعادة كلّ ما فقدته في تلك الحرب. استطاعت ذلك بفضل أنور السادات الذي امتلك الجرأة ليقول ان لا عودة للأرض من دون مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، في حين فضّل حافظ الأسد استمرار حال اللاحرب واللاسلم الى ما لا نهاية من منطلق انهّا تشكل افضل حماية للنظام الذي انشأه بعد السنة 1970. انتهى الامر بان ضمت إسرائيل الجولان، فيما مستقبل سوريا الدولة الموحّدة على كفّ عفريت، خصوصا في ضوء الاتفاق الاميركي – التركي القاضي بانشاء منطقة آمنة في الشمال السوري وتسيير دوريات مشتركة فيها.
امّا الأردن، فهو فقد في العام 1974 الورقة الأساسية التي كان يمكن استخدامها لاستعادة الأرض المحتلة في 1967، أي الضفّة الغربية والقدس الشرقية. لم يوجد في العام 1974، لدى انعقاد قمّة الرباط من يقول ان القرار 242 لم يعد ينطبق على الضفّة الغربية والقدس الشرقية لمجرّد الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني. في الواقع، لم تكن لا الضفّة ولا القدس تحت السلطة الفلسطينية في 1967 عند وقوع الاحتلال الإسرائيلي. كان الأردن في وضع قانوني افضل لاستعادة الأرض تمهيدا لاعطائها الى الفلسطينيين في حال وجدت صيغة لذلك. هذا ما كان مفترضا بالعرب ان يعوه وقتذاك بدل تصفية حسابات مع الأردن الذي دافع عن نفسه في العام 1970 وحال دون قيام كيان فلسطيني في شرق الأردن. لم يكن هذا الكيان سوى خيار إسرائيلي لا اكثر استطاع الملك حسين قطع الطريق عليه.
من قرار صائب وحكيم مكّنه من حماية نفسه في 1967، انتقل لبنان فجأة الى مرحلة الجنون والتهوّر التي تمثلت بقبول اتفاق القاهرة في ظلّ ضغوط مورست على شارل حلو في 1969. هل هناك عاقل في هذا العالم يعتقد ان في الإمكان تحرير فلسطين انطلاقا من لبنان؟
اذا كانت مصر التي خاضت سلسلة من الحروب مع إسرائيل لم تستطع في نهاية المطاف تحقيق انتصار عليها وذلك لاسباب مختلفة، بينها الموقف الاميركي المنحاز كلّيا للدولة العبرية، فما الذي يستطيعه لبنان؟
ليس مطلوبا توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل. الاجماع اللبناني والمحافظة على السلم الأهلي يظلّان أولوية لبنانية. لكنّ ذلك لا يمنع استخدام لغة المنطق والعقل والحكمة والعمل على حماية البلد في وقت يمرّ فيه باسوأ ازمة اقتصادية في تاريخه. فمثلما انّ القرار الصائب اتخذ في 1967، هناك قرار صائب يمكن اتخاذه حاليا بعيدا عن المزايدات والكلام الفارغ والشعارات الطنانة. لا خيار آخر امام لبنان سوى التمسّك بالقرار الرقم 1701 الصادر عن مجلس الامن التابع للأمم المتحدة. حتّى لو خرقت إسرائيل القرار، لا مصلحة للبنان في ايّ خرق له، لا لشيء سوى لان خيار الحرب ليس خياره ولا مصلحة له فيه. ان ايّ حرب ستعود عليه بالدمار وستزيد من مشاكله الداخلية ومن ازمته الاقتصادية في وقت ليس معروفا ما الذي ستؤول اليه الاوضاع في سوريا.
هل يوجد سياسيون لبنانيون قادرون على قول الحقيقة للمواطن وان خلاصه يكون بوجود قرار واحد في البلد وليس دويلة تابعة لإيران تتحكّم بقرار الدولة اللبنانية لاسباب مرتبطة باجندة بـ”الجمهورية الإسلامية”؟
ثمّة حاجة الى شجاعة سياسية هذه الايّام. تفرض هذه الشجاعة طرح سؤال من نوع كيف يمكن الردّ على إسرائيل، انطلاقا من لبنان، بسبب غارة شنتها في سوريا وقتل فيها عنصران من “حزب الله”؟ الاهمّ من ذلك ما الخيار اللبناني البديل من القرار 1701 الذي امنّ ثلاثة عشر عاما من الهدوء في جنوب لبنان، وذلك للمرّة الاولى منذ ما يزيد على نصف قرن؟ الا يحقّ لاهل الجنوب ان ينعموا بالهدوء وان يعملوا على تطوير منطقتهم… ام عليهم العيش في كلّ وقت تحت رحمة عدوان إسرائيلي يأتي بالدمار لا يفرّق بين مواطن وآخر وبين قرية وأخرى…
من لديه أي وجهة نظر معترضة تدعو الى خرق لبنان للقرار 1701 يستطيع العودة الى العام 1967 وسؤال نفسه لماذا لم يخسر لبنان ارضا في الحرب التي شهدتها تلك السنة؟ الأكيد ان قلة تستطيع ان تطرح على نفسها مثل هذا النوع من الأسئلة ذات العلاقة بالمنطق والواقع اللذين يمكن ان يشكلا حماية للبنان لا اكثر ولا اقلّ…