الاسلام السياسي، الديكتاتوريات، التقسيم، وامريكا
السفير الامريكي السابق في دمشق روبرت فورد يتوقع تقسيم سورية الى ست دويلات، بزيادة دويلة واحدة عن توقعات صحفي اسرائيلي كان نشر في الخمسينيات خارطة تظهر سورية وقد قُسِّمت الى خمس دويلات والعراق الى ثلاثة. أما وزير الدفاع الامريكي فيصرّح، ودون خجل، ان الحل في العراق قد يكون بتقسيم العراق.
وفي مستوى آخر يصرّح السيد مدير المخابرات الامريكية انهم كانوا يعرفون بقدوم “داعش”. مبروك هذه العبقرية والنبوغ! بالطبع من كان يعمل لخلق “داعش” سيعرف بقدومها.
قبل تصريح مدير المخابرات الامريكية كان هناك اعتراف لبريجنسكي قال فيه انهم اي الامريكان هم من صنعوا القاعدة، اليوم ايضا يتم الكشف عن ان المخابرات البريطانية ولا شك بالتضامن مع اجهزة مخابرات اوروبية كانت وراء تأسيس وليس دعم فقط حركات اسلامية مهمتها الجهاد في العالم الاسلامي – بشرط ان احد هذه الحركات وقعت تعهداً بعدم تهديد الامن الوطني لبريطانيا العظمى .
.سنتساءل من جديد عن مسؤولية العمليات الارهابية في اوروبا وآخرها “شارلي ابدو” في فرنسا
على نفس الموجه او التردد، كانت كوندليزا رايس اعترفت يوم كانت وزيرة خارجية انهم اي الامريكان يتحملون مسؤولية دعم الديكتاتوريات في الشرق الاوسط طوال خمسين سنة. ربما يكن اعترافا فريدا من نوعه، فقد كنا نعلم ان الاتحاد السوفيتي هو من يدعم ديكتاتوريات الشرق الاوسط فيما كانت امريكا تدعم ديكتاتوريات امريكا الجنوبية …
الديكتاتوريات والاسلام السياسي صناعة امريكية وقبلها بريطانية …
ماذا تقعل داعش اليوم في سورية ؟ تخيف العلويين وتقتل الجنود والضباط العلويين الذين لا يرضى عنهم الاسد والذين يعتقد انهم مصدر ازعاج لحكمه او يحتمل ان يتمردوا عليه، وتقتل نشطاء الثورة السنة وتخطف مسيحيين وتجبرهم على الهجرة وتقوم باعدامات ميدانية بحق السنة. كل ذلك كي تقول للعالم يوجد ارهاب في سورية وبشار الاسد ضرورة لسورية في وجه الارهاب. في المقابل، يقدم النظام السوري الايراني السلاح والذخيرة لداعش عن طريق الانسحاب من مخازن الاسلحة المحيطة بالسلمية وقرب حمص ومؤخرا من تدمر… تهدد داعش بتدمير “تدمر”، لكن ايعازات جدية فيما يبدو تأتي الى مخابرات النظام المرتبطة بقادة داعش تحذّرهم من الاقتراب من الاثار الرومانية في تدمر. فيكتفي الاخوة الدواعش بتفجير سجن تدمر -الاثري بدوره- فيطمس النظام الاسدي احد اهم معالم تاريخه العريق في الاعتقال والتعذيب ومصادرة الحرية .
منذ تأسيس الاخوان المسلمين في مصر، وحتى الدور الاخير الذي يلعبه الاخوان المسلمون السوريون عبر تركيا وجهات اخرى، يبدو التاثير الكارثي للاسلام السياسي على شعوب العالم العربي. ففيما كان هناك فرصة للثورة السورية لتفرض نفسها كقوة سورية على الاقل –وربما اقليمية مستعيدة الدور الذي خلقه حافظ الاسد لسورية ومحررة لسورية من هذا الدور السلطوي في ذات الوقت – كان الاخوان المسلمون ياخذون الصراع في سورية بالاتجاه الطائفي المذهبي في استجابة غبية وخاسرة للشرط الذي لجأ اليه النظام، اي الشرط والصراع الطائفي. لكن النظام يدرك ان هذا الشرط هو اداة ووسيلة في البروباغندا العريقة التي يتقنها، مدركا انه سيغرق بذلك اعدائه، بينما كان الاخوان المسلمون مستغرقين في هذا الشرط حتى الغرق. هكذا بدأوا بدعم الحالة الاسلامية السياسية العسكرية المخترقة سلفا من اجهزة مخابرات محلية وعربية واقليمية، دون ان يدرك الاخوان المسلمون والمعارضة السورية ان اجهزة المخابرات العربية والاقليمية تتبادل المعلومات والمصالح احيانا بما يتجاوز خطوط الصراع السياسي الظاهرة المعلنة،
اسلمة السياسة تؤدي الى التقسيم…
لم تؤد أسلمة السياسة في السودان مثلا على يد رئيسها البشير سوى الى تقسيم السودان، ولن تؤدي اسلمة الثورة السورية سوى الى التقسيم، وهو ما يتقاطع مع النوايا الامريكية لسورية والعراق. من المعروف انه في مجتمع متعدد مذهبيا وطائفيا من الخطورة بمكان الترويج للاسلام السياسي السني او الاسلام السياسي الشيعي لأن انتصار اي من هذين الاسلامين سيعني تلقائيا تقسيم المجتمع ومن ثم البلد.
سيكون افضل بالطبع للولايات المتحدة ان يتم تقسيم سورية في حال لم يبقَ نظام الاسد من ان تنتصر ثورة شعبه. الحجة الامريكية هي ان الثورة ستأتي بالاسلاميين الى الحكم، لكن السؤال هو: الم تتفاهم مع الاخوان الاتراك، الم تحاور ولاية الفقيه؟ الم تخلق القاعدة؟ ربما يقول البعض ان من الخطر على اسرائيل قدوم الاسلاميين الى سورية، ونحن نسأل هؤلاء ألم تكن حماس بالنسبة لاسرائيل خيرا من فتح؟
هل يزعج الامريكان او الاسرائيليين مجيء الاسلاميين الى الحكم في سورية؟
الجواب يتعلق بهوية هؤلاء الاسلاميين، فإن كانوا من نمط حزب الله وحماس وداعش فلا خطر ولا من يحزنون. فهؤلاء يحيطون باسرائيل منذ زمن دون ان يشكل اي منهم خطرا على اسرائيل، بل ربما استطاعت اسرائيل وهؤلاء الاسلاميين ان يتأقلموا معاً بحيث تحولوا الى جيران هادئين مسالمين، وعلى ما يبدو ان المخطط بعيد الامد هو ان تكون الدول العربية المحيطة باسرائيل إما دول انظمة ديكتاتورية او امارات اسلامية، وربما ملكيات مسالمة…
من ناحية اخرى لا يمكن ان يأتي الاسلاميون الى حكم سورية من دون تحويل البلاد الى دويلات. ربما هذا ما تفضلة امريكا واسرائيل وايران والسعودية، ان يتم خلق امارات اسلامية مذهبية في سورية كل منها تتبع لدولة اقليمية ( تركيا ايران السعودية ) على ان تنتصر الثورة السورية،
متى كانت امريكا مع انتصار اي ثورة في العالم؟ باستثناء الثورات الدينية (ثورة الخميني مثلا ) التي كانت جزءا من استراتيجيتها لاضعاف خصومها الدوليين؟
يتساءل خبثاء وحاقدون على امريكا: لماذا لا يكون الحل في العراق وسورية والعالم كله هو في تقسيم امريكا ذاتها؟
لقد كانت قوة امريكا على الدوام مصيبة لشعوب العالم الثالث والعالم العربي خصوصاً. وعلى هذا فضعف امريكا ربما يكون نهاية للأزمات العالمية السياسية على الاقل ونهاية للحروب الاهلية ونهاية للهجرات والمجازر والآلام التي لا تتوقف.
أتّفق مع فراس سعد حول “التأثير الكارثي للاسلام السياسي على شعوب العالم العربي”. ولكن تحويل حركات الإسلام السياسي كلها، من “الإخوان” إلى “القاعدة” وإلى “داعش”، إلى صنيعة أميركية وبريطانية مسألة تحتاج إلى “إثبات”. هل خلق الأميركيون “القاعدة” لكي تدمّر أبراج نيويورك في ١١ سبتمبر ٢٠١١؟ مجرّد استخدام تعبير مثل “المخططات” الأميركية، أو البريطانية، يبدو لي نوعاً من “الوَهَم”. ألا يحصل، أحياناً، أن تتعاطى أميركا مع مشاكل الشرق الأوسط “بدون مخططات”؟ بالنسبة لـ”الإخوان المسلمين”، من الواضح أن قسماً من الإدارة الأميركية، الحالية والسابقة، كان مقتنعاً بإمكانية التعامل معهم، خصوصاً بعد أن “عرضوا عضلاتهم” العربية والإسلامية في “أحداث رسوم النبي”. وخصوصاً بعد… قراءة المزيد ..