(صورة المقال): يُعتبر المفكر الإنجليزي جون لوك (1632-1704) مؤسس “الليبرالية” كفلسفة مستقلة، وكانت فلسفته تقول بأن للفرد حقاً طبيعياً في الحياة، الحرية، والملكية الخاصة
*
يكثر هذا التساؤل ويزداد يوماً بعد يوم، وكلما انتظم آخرون أو اصطفوا في مجاميع وكتل وأحزاب ثار التساؤل: أين الليبراليون…؟
في الأيديولوجيات يسهل التجميع والتحزب، لأن كل أيديولوجية تحمل في داخلها التطابق في الفكر والرؤية إلى حد كبير، كالأحزاب والتكتلات الدينية والقومية والعنصرية والشيوعية. كلها لديها حلول معلبة وردود مسبقة لمعظم المشاكل والسياسات والوسائل والغايات… ومن هنا يكون الاصطفاف سهلاً.
في الأيديولوجيات يسهل التمويل، ويعتمد جمعُ المال إما على نصوص دينية، كالزكاة والخُمس والصدقة، وإما على التأثير في الحكومات المجامِلة أو الخائفة أو الخانعة أو التي تحتاج إلى دعم هذه الأيديولوجية، دينية كانت أو عنصرية، ما يفتح لها باب العطاء والاستثمار والبنوك والتبرعات.
في الأيديولوجية، المناصرون من خارج هذه التكتلات كثيرون. فقد يعتمد الحزب الديني على مشاعر الإيمان والعقيدة لدى العامة، فيساندونه في الانتخاب وفي التمويل. وكذلك الحزب القومي يعتمد على المشاعر القومية العاطفية في مساندة العامة له، كما حدث لحزب البعث وحركة القوميين العرب والحزب القومي السوري وغيرها.
أما الليبراليون فهم مختلفون تماماً… حيث لا تجمعهم أفكار متماثلة، ولا يتطابقون في الرؤية، وليس لديهم حلول معلبة أو ردود مسبقة، ولا يتفقون على الوسائل والسياسات. الليبرالي بطبعه مثقف واع وحر التفكير والخيار، ولا يتقيد بما يراه غيره، ولا يقصي أي فكر آخر مهما خالفه أو اختلف معه أو حتى حاربه. والذي لا يرى في نفسه ذلك لا يجوز في نظري أن يحسب نفسه من الليبراليين.
وإذا كان الليبراليون بهذه الصفة، لا يقصون الآخرين ولا يحاربونهم ولا ينفون عقائدهم ولا يهمهم فكرهم وآراؤهم، فعلى أي شيء يتكتلون؟ ولماذا؟ فهم لا يستطيعون جمع المال لانعدام السبب الأيديولوجي الذي يتيح لهم إقناع أو خداع الجماهير به، ودون المال لا يمكن- لا يمكن- تأسيس تكتل يدوم ويستمر.
الفكر الليبرالي الحقيقي- في رأيي- هو طريقة حياة وأسلوب عيش وسبيل تعامل وفكر وأمان نفسي وقناعة ومصالحة في ذات الإنسان وداخله، هو تحرر من القيود الفكرية والتقليدية والخلفيات الموروثة التي نسميها العادات.
إعلان حقوق الإنسان والمواطن، هو الإعلان الذي أصدرته الجمعية التأسيسية الوطنية في 26 آب/أغسطس 1789. يُعتبر الإعلان وثيقة حقوق من وثائق الثورة الفرنسية الأساسية وتُعرَّف فيها الحقوق الفردية والجماعية للأمة.
*
ويخلط الكثيرون بين الليبرالية والعلمانية. فالعلمانية، وركيزتها فصل العقائد عن الدولة، هي أسلوب حكم وسياسة وأنظمة دول. كما يوزع البعضُ الليبرالية إلى فرق وطوائف سياسية، كالليبرالية الرأسمالية والليبرالية الاجتماعية وغيرهما، وهذا في نظري خطأ منطقي لا أفهمه، لأن الأصل في دساتير البلاد وقوانينها، وليست رهناً لمبادئ قادتها.
لا يعني هذا مطلقاً ألا يشارك الليبرالي أو يساهم في الحياة السياسية من خلال تجمعات أو أحزاب أو تكتلات.
توماس جفرسون Thomas Jefferson، هو أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، والكاتب الرئيسي لاعلان الاستقلال، وثالث رئيس للولايات المتحدة. كان متحدثًا باسم الديمقراطية. نادى بمبادئ الجمهورية وحقوق الإنسان، وكان له تأثير عالمي. أعطى مفهوماً حديثاً للعلمانية تتلخص في ثلاثة نقاط :
1- لا سُلطَة لرجال الدين
2- لا سُلطَة دينية للحكومة
3- الانسان حُرٌ في تفكيره
*
إذا كان هناك قانون أحزاب سياسية اقتصادية تستطيع الحصول على التمويل في نظام تجتمع فيه الديمقراطية والعلمانية، فستجد الليبراليين في المقدمة، كما هو الحال في أميركا، حيث يتصدر الليبراليون الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري معاً؛ للأول خططه وسياساته الاقتصادية وللأخير مثلها، وكذلك الحال في بريطانيا وألمانيا ومعظم دول أوروبا.
أما إذا كان النظام ديمقراطياً دون علمانية، كما في لبنان مثلاً، أو علمانياً دون ديمقراطية، كما في عهد صدام أو هتلر، فلن يجد الليبراليون مكاناً لهم سوى في الاصطفاف المرحلي مع تكتلات لا تمثلهم لغرض إيجاد التغيير والتحديث.
تنمية الوطن والإصلاح وتطبيق القانون والارتقاء بالحياة السياسية واجب على كل مواطن، وعلى الليبراليين في بلادنا أن يساهموا في ذلك سواء بالمشاركة السياسية أو النشاط الفكري أو الثقافي أو الاجتماعي أو البيئي… لكن لا يمكن التعويل على تجمع ليبرالي في كتلة واحدة، لأنهم لا يحملون بذرة التكتل التلقائي بطبعهم الحر وفكرهم المختلف المتشعب، وسيبقون فرادى…
لعل هذا يجيب سؤال المتسائلين: لماذا لا يتكتل الليبراليون؟!
*فريد العثمان كاتب كويتي