ليس انتخاب رئيس للجمهورية مطلبا سياسيا فحسب. انه مطلب دستوري-اجتماعي-اقتصادي-سيادي.
النائبان نجاة صليبا وملحم خلف رفعا عاليا المطلب الدستوري، من خلال اعتصامهما لمدة طويلة في المجلس النيابي، مطالبين بتطبيق الدستور الذي يقتضي عقد جلسات متتالية حتى انتخاب رئيس. المبادرة لم تلقَ الاحتضان اللازم نيابيا وشعبيا.
الاتحاد العمالي العام رفع المطلب الاجتماعي -الاقتصادي، من خلال الدعوة الى انتخاب رئيس كمدخل الزامي لتأليف حكومة كاملة الصلاحيات تعالج الأزمة الاقتصادية الاجتماعية. رغم اتهام الاتحاد العمالي العام بتبعيته لحركة امل والرئيس بري، وجد نفسه مجبرا للتسليم بضرورة انتخاب رئيس رغم مشاركة حركة امل في تعطيل عملية الانتخاب. هذا التناقض بين الموقف والتبعية السياسية لم يسمح للاتحاد العمالي بتطوير حركته نحو حالة ضاغطة على المجلس النيابي، فضلا عن افتقاده للثقة العمالية والشعبية التي من المفترض ان تمده بعنصر القوة ان هو قرر الذهاب بموقفه الى أقصاه، اي الى الإضراب المفتوح والتظاهر.
المعارضة النيابية لـ”حزب اله” و”الثنائي الشيعي”، رفعت المطلب الديموقراطي من خلال اعتبارها ان انتخاب رئيس هو في صلب الممارسة الديومقراطية على عكس الحوار الذي يطالب به “الثنائي الشيعي” كمدخل للاتفاق على رئيس. هذه المعارضة تشارك في جلسات الانتخاب ولا تقاطع في الدورة الثانية، وتكرر في بياناتها ضرورة إجراء الانتخاب في سياق عملية ديموقراطية تنافسية كما ينص عليه الدستور، لكنها لم تطور من معارضتها باتجاه تنظيم ضغط شعبي، بالرغم حجمها التمثيلي، بل تبدو أكثر اعتمادا على تدخل خارجي عبر اللجنة الخماسية.
بالمقابل، وبإستثناء بعض البيانات المتقطعة من هنا وهناك، أظهرت مجموعات الانتفاضة، كما الهيئات المدنية، النسائية والطلابية والبيئية، انكفاءً مؤسفا فيما يتعلق بانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية.
الكلام عن انتخاب رئيس للجمهورية يعلو في كل مرة يزور فيها “لودريان” او مبعوث آخر لبنان، ليعود ويخفت مع مغادرة الضيف الاراضي اللبنانية، فنعود الى مرحلة انتظار زيارته اللاحقة، لعلها تأتي لنا بحل سحري لمشكلة شغور رئاسة الجمهورية، وتخرجنا من عجزنا وخوفنا على مصير البلاد.
فهل سنشعر بالخوف والعجز والوحدة من جديد، بعد مغادرة “لودريان” هذه المرة ايضا دون احراز تقدم؟ هل سنعود ونتصرف مثل طفل تركته امه على قارعة الطريق ورحلت؟
“لودريان” تبنى في زيارته الأخيرة خيار المرشح الثالث، وهذا على ما يبدو خيار اللجنة الخماسية الدولية المواكبة لعملية انتخاب الرئيس، مما يمكن ان يعطي دفعا لتحركات محلية مستقبلية. لكن الجديد ان لودريان ربط انتخاب الرئيس بقدرة البلاد على مواكبة المفاوضات الاقليمية- الدولية، بعد الحرب على غزة، وحتى لا تكون نتائجها على حسابه، وتحديدا على حساب سيادته المنتقصة اصلا بسبب فلتان حدوده وتحكم تنظيم عسكري بقرارات الحرب والسلم على ارضه، ومن خارج المؤسسات الدستورية. وجاء تركيز لودريان على ضرورة تطبيق القرار ١٧٠١ والتمديد لقائد الجيش، ليعطي مطلب انتخاب رئيس للجمهورية بعدا امنيا وسياديا، يؤدي التغاضي عنه الى تدمير البلاد كليا في حال توسعت الحرب وشملت لبنان، مع استمرار المناوشات العسكرية بين “حزب الله” واسرائيل في الجنوب على مساحة ال ١٧٠١.
فهل ننتظر تدمير البلاد بعد انهيار المؤسسات الدستورية والمالية والاقتصادية، ام نأخذ مصيرنا بأيدينا، وندعو لتظاهرات سلمية ضاغطة على المجلس النيابي حتى انتخاب رئيس وفق الآلية الدستورية؟
“النهار”