هل حرم الإسلام الكلام أو الكتابة في بعض الموضوعات التي تعتبر اليوم من المحرمات مثل الحب والجنس في الإسلام؟
متى عدنا إلى التراث في الثقافة الإسلاميّة نجدها تزخر بالكتابة في هذا الموضوع،فمن الفقهاء والعلماء من حبّر فيه دون خوف ولا خجل، كتبوا ليثقفوا الشباب المقبل على الزواج كي يرتقي سلوكهم الجنسي فيحفظوا زوجاتهم ويحفظوا أنفسهم من مخاطر الأمراض المنقولة جنسيا وكذلك من الأمراض الاجتماعية التي تسبب الطلاق بين الزوجين والبؤس الجنسي أحد أسبابه، ولذلك وجد قاضي الأنكحة، وقاضي النساء، ودرس العلماء المسالة في حلقات داخل المسجد، وخاصة في المغرب العربي، ومن الكتب التي اهتمت بالموضوع كتاب أبو العباس بابا الصنهاجي مؤلف كتاب فوائد النكاح على مختصر الوشاح للسيوطي، والروض اليانع في فؤائد النكاح وآداب المجامع لأبي محمد عبدالله بن مسعود التمكروتي، وأبوعبدالله محمد بن الحسين بن عرضون مؤلف كتاب الممتع المحتاج في آداب الأزواج، وأحمد بن عرضون في كتابه أدب النكاح ومعاشرة الأزواج، وأحمد بن حزم في كتابه طوق الحمامة، وكذلك السيوطي الإمام والفقيه صاحب كتاب شقائق الأترنج في رقائق الغنج، و كتب النفزاوي كتاب الروض العاطر والذي يعتبر من أشهر الكتب قاطبة عن الجنس..وتفرد ابن يامون التليدي بكتاب الجواهر المنظومة عن مسائل الجنس الذي نظمه شعرا وغيرها من الكتابات التي في هذا المجال،فلماذا يحرم بعض العلماء اليوم الكتابة والحديث عن مسائل الجنس، والحال أن أبناءنا في حاجة ملحة لثقافة جنسية تحميهم من الأمراض المنقولة جنسيا وأخطرها “السيدا” -عفاكم الله-، والأمّ هي الأولى بتعليم بناتها وأبنائها هذه الثقافة.
إذا فالمرأة تحتاج إلى ثقافة جنسية صحية ووقائية أساسها العفة والبعد عن المحرمات وسبيلها الأجدى في رأيي للمعرفة هي القراءة والكتابة، فلماذا تعزف المرأة عن الكتابة في هذا لمجال، هناك عدّة أسباب سأذكر البعض منها.
أوّلا: الخجل المرضي الذي يمنع المرأة من التعلم ومن السؤال، وإن كان الحياء شعبة من الإيمان وزينة للإنسان يجعله يترفع عن الابتذال في الكلام وفي التصرفات إلا أنه إذا فات حدّه ينقلب إلى تصرف سلبي في حياة الإنسان وخاصة المرأة فيمنعها من المعرفة. وفي الحديث النبوي الشريف “لا يتعلم حييّ ولا متكبر”، وكانت النساء تسأل الرسول عن أدق الأمور الجنسية فيجيبهن بكل وضوح، والأمثلة كثيرة في كتب السنة.
ثانيا: سطحية القراءة، وضعف المعرفة الدينية والصحية عند البعض ممن نصبوا أنفسهم مدافعين عن الدين الإسلامي، فيسارعون إلى تكفير من تكتب في المسألة الجنسية في الإسلام مثلما حدث للكاتبة المصرية بسنت رشاد التي كتبت كتابا سمته”الحب والجنس في حياة النّبيّ”، ونقدت الأحاديث الواردة في البخاري في الموضوع،- وإن كنت اختلف معها في العديد من مباحث الكتاب، وفي إلقائها أحكاما غير مؤيدة بأدلة مقنعة، واستعمال ألفاظ لا تليق بشخص الرسول محمد صلى الله عليه وسلم- إلا أن الاختلاف يفرض علينا أن نجادلها بالفكر، وننقد كتابها بالعلم. ولكن الذي حصل للكاتبة أن بعض الدعاة أعلنوا في أحد الفضائيات المتأسلمة تكفيرها، واعتبروها مرتدة وطالبوا بقتلها وقالوا بصريح العبارة “حتى لو تابت فقتلها هو الواجب”. فإذا كانت توبة المشرك بالله تقبل فلا يقتل، فكيف يصدرون هذا الحكم الذي يتبرأ منه الإسلام قرآنا وسنة؟ وطالبوا بمنع بيع الكتاب، إلى غير ذلك من وسائل القمع الفكري. وما حدث لألفة يوسف بسبب كتابها “حيرة مسلمة”من تكفير،لاعلاقة له بالمعرفة، وفي كتابها نقاط قابلة للنقد وللرفض أيضا كموقفها من الجنسية المثلية ومن زواج المتعة التي أدلت فيها برأيها، والرد عليها ممكن معرفيا، أما التكفير والشتم فليس من شيم العلماء.
ثالثا: سبب ثالث قد يمنع المرأة من الكتابة في بعض الموضوعات وهو التسرع في إصدار الأحكام على الكتاب من طرف مجموعة من الرجال وثيقتهم الوحيدة في المعرفة هي “قالوا فلان قال،قالوا فلانة قالت أو كتبت….”والعلم الدقيق لايعتمد “صحيفة قالوا”،وقد تعرضت لهذا النوع من الأحكام الصادرة جزافا على صفحات مجلات إلكترونية، سببها عدم الدقة في نقل الخبر ذلك أني قدمت حصة تلفزية في قناة لبنانية عن حقوق المرأة في الإسلام، وقلت: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه،الذي يتهم أنه عدو المرأة جلس للمرأة في الطريق وهو خليفة وحادثها ولما طلب منه رجاله أن يتركها ويواصل سيره قال لهم: والله لا أقطع حديثها إلا لصلاة، فاقتطع المتنطعون هذه العبارة “عمر بن الخطاب عدو المرأة ” وزعموا باطلا أني أتهم عمر ا، عدو المرأة، ووقع إصلاح الخطأ واعتذر من اعتذر منذ 2006، ولكن أحدهم ينشر كتابا سنة 2008 ويكرر التهمة الباطلة أليس هذا دليلا على التسرع وعلى عدم القراءة وعدم متابعة سير الأحداث،وفعل القيل والقال في العقول الضعيفة.
رابعا: يعود هذا السبب للمرأة نفسها، ذلك أن بعض النساء من اللاتي يكتبن في مسائل وردت في الثقافة الإسلامية مثل الحب والجنس وغيرها لسن من أهل الاختصاص، فيقعن في أخطاء معرفية، ويصدرن أحكاما اعتباطية في قضايا هامة في حياة الإنسان. وأذكر المرأة الباكستانية التي أعلنت في إحدى الفضائيات الكندية أن الجنسية المثلية (علاقة الذكر بالذكر والأنثى بالأنثى) حلال ودعت إلى زواج المثليين صراحة زاعمة أنها مسلمة حرة. وغيرها ممن يزعم أن اللواط والسّحاق غير محرمين في الإسلام وهو كلام مردود على أصحابه بالقرآن والحديث، والحالة الوحيدة التي يمكن أن ننظر فيها في الجنسية المثلية هي من جهة أضرارها على الجسد، وتسببها في الأمراض المنقولة جنسيا وكيفية حماية الشباب منها وخاصة وباء السيدا، لا أن نزعم أنها غير محرمة. مثل هذه الأخطاء التي ترتكبها بعض الكاتبات يتخذها البعض حجة للتشهير بهنّ، وبكلّ أمراة تكتب في الإسلاميات. لأنّه من المؤسف أن الكثير من رجال الوطن العربي المسلم يعتبرون الاختصاص في الدراسات الإسلامية مهنة رجاليّة، ويرفضون هذا الحق للمرأة، ولم يستوعبوا ان هذا الاختصاص هو حقها شرعا وقانونا. ومن المؤسف أيضا أن الكثير من النساء تتأثرن بمقولات الرجال، وتخفن ركوب الصعبة فتخترن أسهل الطرق وهو الامتناع عن الكتابة في مسائل شائكة. وقد نجد من تهادن أيضا خوفا من نقد المتنطعين، فتغير موقفها من عدة قضايا إرضاء لهم وطلبا لسكوتهم…..
ما أختم به أن ثقافة دفن القضايا موضع الأسئلة والاختلاف، وثقافة وأد المعرفة لا تسمح بالنهوض وإنما تؤدي إلى التخلف. والمفروض أن لا تخضع المرأة لهذا النوع من الثقافة وأن تكتب في المجال الذي تجد نفسها قادرة عليه علميا، وأن تكتب برصانة علمية، ذات حجج ساطعة وبراهين قاطعة وفي أدب جمّ، وخاصة المرأة التونسية لأن عصر مصادرة الكتب وتقييد الحريات، وكبت النفوس ولى غير مأسوف عليه، لأنه عصر لا ينجب المثقفين، ولا يصنع العلماء. ولذلك أصبحت الكتابة حرة في تونس والساحة الثقافية هي الحكم على ما ينشر. بقي أن تتحرر العقول من كل تعصب، ومن الخوف، لتناقش المسائل بعقلانية العلم وبجمالية الفكر دون تعصب أو انحياز.
nfzimzin@yahoo.fr
* جامعية من تونس