“سيبقّ البحصة”! تريث، “سيبق البحصة” لاحقا! قد لا “يبق البحصة”! “بق البحصة” عنه، بالوكالة، ابن عمته امين عام تياره احمد الحريري في مقابلة مع تلفزيون “الجديد”!
غريب امر رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري. يبدو انه، منذ عودته المثيرة للجدل من المملكة العربية السعودية، يتصرف في الشؤون السياسية اللبنانية وفق منطق انقلابي، اقل ما يقال فيه إنه يقارب المواضيع السياسية بمراهقة سياسية.
منذ عودته الى لبنان اطلق الحريري العنان لفريقه المسيحي المتمثل بالصحافي جورج بكاسيني والوزير غطاس خوري، لمهاجمة حلفائه المسيحيين، ومنهم من حالف الحريرية السياسية منذ العام 2000 حين كان سعد الحريري غريبا عن السياسة. وطبعا، في حينه، كان اولاد عمته نادر واحمد، وهما بالمناسبة ليسا من صنف المشايخ، طلاب مدارس في المراحل الابتدائية، والاكيد ان بكاسيني كان صحفيا مغمورا، وغطاس خوري يلهث وراء صفقة “بيت الطبيب” المثيرة للجدل ايضا.
هجوم الحريري كان مثار استغراب، وشارك فيه الحريري شخصياً، تلميحاً في بداية الامر، ثم جهاراً حين اعلن قبل ايام انه “سيبق البحصة” في مقابلة متلفزة مع الاعلامي مرسيل غانم يوم الخميس في 12 من الجاري، ليعلن غانم لاحقا ان الحريري تمنى عليه إرجاء الحلقة المتلفزة الى موعد قريب سيعلن عنه في وقت لاحق.
وبين تضارب المواعيد، انزلق الحريري الى دُرك سياسي اصبح معه من الصعوبة بمكان رفعه منه! فكل ما سوق له من محاولة إنقلابية لاستبداله بشقيقه بهاء، وهي كما سوق الحريري محاولة بدأت في بيروت وامتدت الى الرياض، ثبت عقمها، في مقال الصحافي ايلي الحاج المنشور في صحيفة النهار اليوم، حيث يظهر ان هذه المحاولة تعود الى ما قبل سنتين. والسبب ان سعد الحريري طعن شقيقه بهاء من خلال تسميته جمال عيتاني ليرأس بلدية بيروت، وهو الذي تشوب علاقته ببهاء الحريري شوائب عدة، فسعى بهاء الحريري الى الحلول مكان شقيقه الغائب عن لبنان والذي اصبح عبئا على الحريرية السياسية كما قال بهاء.
وما ساهم في التعمية على الامر ان النائب وليد جنبلاط الذي قال إنه التقى صافي كالو امين سر بهاء الحريري لم يوضح تاريخ اللقاء، الذي جرى فعلا قبل سنتين وليس خلال وجود الحريري في السعودية في زيارته الاخيرة الى المملكة.
اما ما يصفه الحريري بالطعن بالظهر فهو آخر من يحق له التحدث عن هذا الامر!
فحلفاء الحريري في جعبتهم ما يفيض عن قدرة الحريري وفريقه الحالي على تحمله. من طعنات سعد الحريري طوال 12 عاما لحلفائه، من ما يعرف بـ”السين سين” حيث انفرد الحريري بها، من دون حتى إعلام الحلفاء بعزمه زيارة بشار الاسد، والمبيت عنده، والتنازل عن الاتهام السياسي لسوريا في جريمة إغتيال والده. وصولا الى التنازل عن المحكمة الدولية لقاء 33 مذكرة توقيف تافهة صادرة عن القضاء الاسدي في دمشق، وكأن هذه المحكمة ملك لسعد الحريري وليس لجمهور 14 آذار الذي بحّت حناجره في ساحة الحرية مطالبا بهذه المحكمة لوضع حد للاغتيال السياسي في لبنان! الى التفرد “بالسما الزرقا بتساع الكل” عشية فوز قوى 14 آذار بالانتخابات النيابية في العام 2009، من دون حتى سؤال الحلفاء، الذين كان عليهم ان يقبلوا بحزب الله وميشال عون في الحكومة مجانا. الى خطابه عشية انعقاد المحكمة الدولية من فصل مسار المحكمة عن السياسة في لبنان، وفتح قنوات اتصال مع حزب الله من خلف ظهر الحلفاء. الى التخلي عن الحلفاء في انتخابات العام 2009، واولهم النواب السابقون مصطفى علوش، مصباح الاحدب، الراحل سمير فرنجية، فارس سعيد، الياس عطالله وسواهم. الى ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية من خلف ظهر الحلفاء، وابلاغهم بالترشيح عبر تقنية “الاس ام أٍس”، بتسريبات نفاها الحريري واكدها عون. الى ترشيح سليمان فرنجيه لرئاسة الجمهورية عبر تقنية “الواتس آب” هذه المرة لاحدى المراسلات التلفزيونيات. الى التخلي عن الحلفاء في تشكيلته الحكومية، وفي مقدمهم حزب الكتائب اللبنانية. الى سلسلة طويلة من خيبات الامل التي فرضها الحريري بها الحلفاء، ليعود ليتحدث عن من طعنه في ظهره!
اما حكاية البحصة، فهي في مكان آخر. ومحاولة الحريري تحميل عدد من الشخصيات والاحزاب اللبنانية مسؤولية ما جرى معه في الرياض، هو ذر للرماد في العيون. فمن يتهمهم الحريري ويصفهم بـ”كتبة التقارير”، فقد أساء لنفسه قبل ان يسيء اليهم. فهؤلاء مواقفهم معروفة من التسوية التي انجبت عون رئيسا للجمهورية والحريري رئيسا للحكومة. هل يتوقع الحريري ان يعلن اي من الذين اتهمهم موقفا في الغرف المغلقة غير الموقف المعلن له كل يوم؟
اذا كان الامر كذلك فهو ساذج، سياسيا. فكل من سماهم الحريري مباشرة او مواربة موقفهم من التسوية معروف. وهم حفظوا الود مع الحريري وحيّدوه من حملاتهم على التسوية. الا انه لم يحفظ شيئا من الود تجاههم، وكال لهم الاتهامات جزافا. وهو يعرف تمام المعرفة ان ما حصل معه في الرياض لا علاقة له بكتابة تقارير مزعومة، او بالسياسة اللبنانية من الاصل، بل بعمق العلاقة التاريخية التي ربطت والده وربطته هو من بعده بالمملكة العربية السعودية والتي تمثل السياسة جانبا منها، ولكنها في الاصل علاقة اعمال و”بزنس” وصفقات على اختلافها.
فكيف سها عن بال الحريري انه لم يعد وارثا لاكبر شركة للتطوير العقاري في السعودية؟ وهل كتبة التقارير الذين يتهمهم مع فريقه الحالي هم من تسبب بققدانه لشركة “سعودي اوجيه”؟ وهل كتبة التقارير هم من اوصل الحريري الى الدرك المالي الذي وصل اليه؟
يبدو ان هناك من اسمع الحريري صوت العقل، فتراجع عن المراهقة السياسية وسياسة “بق البحصة”، لانها سترتد عليه حتما!
فهو لن يستطيع تزوير الحقائق امام الاعلام والرأي العام لأن الاعلام في لبنان ليس موجها بالقدر الذي يتمناه الحريري. وكان هناك من سيتصل ليخبر الحريري عن حقيقة الطعن في الظهر وكيف طعن هو الحلفاء. والادهى ربما ان هناك متصلا كان سيضع الحريري امام مأزق كشف ما حصل معه في المملكة، وهي البحصة التي سيبتلعها الحريري ولن يجروء يوما على “بقّها”.