بالتأكيد أن الذي منع الحزب الفاشي عن ذلك ليس التعفف أو الترفع أو الأريحية .. فمثل هذه الكلمات لا وجود لها في مضبطة العمل السياسي. لكن المانع (الذي ليس خيرا ً بالضرورة) إنما كان تحسب الحزب لردود الأفعال المحمومة وقتها ،والتي ما لبثت حتى صارت جارية الآن، كالسيول في الصحارى – علي ساحة السياسة العالمية.
بداية ُ فصل الأمطار “الصيفي” تمثلت في نجاح الوساطة التركية، بإيعاز من أمريكا طبعا – في إطلاق صفارة بدء المفاوضات بين إسرائيل وسوريا لإعادة الجولان علي أرضية سحب سوريا بعيدا عن محور إيران- حزب الله ، ومامن شك في أن سوريا حين ترى جولانـ… ها الحبيبة عائدة إلى صدرها بعد طول غياب لابد وأن تلوح بيدها لكسري طهران قائلة : Good bye Sir
وإذا كانت سوريا مستعدة – كما أعلنت بالفعل – لتقديم ثمن الأرض سلاما مع إسرائيل فلا غرو أن تقول أيضا
لفتاها الفلسطيني حماس : سامحني يا بنى فأرضي أولي بالرعاية من أرضك. وشئ شبيه بهذا سوف يسمعه منها حزب الله الذي سيبتلع إعلاناته السابقة عن استعداده لتحرير فلسطين بسلاح المقاومة، وهو الذي عجز عن تحرير شبعا، وبعد أن تأكد أنه فقد مصداقيته لدى لمواطنيه اللبنانيين للأبد لحظة أن حنث بقسمه ألا يستخدم سلاحه ضدهم
أمهما تكن الأسباب والمبررات . الآن عرف نصر الله أن اللبنانيين عرفوا أن هذا السلاح موجه إليهم كلما اشتجر الفرقاء السياسيون حول مسألة أية سياسية . وهذه المعرفة المزدوجة ، لاريب تمت صياغتها بهيئة رسالة مشفرة
للفلسطينيين فحواها أن ليس لكم غير أبي مازن مفاوضا ً لإسرائيل علي طاولة السلام ” الأمريكي ” لا علي أرض
المقاومة المسلحة الإسلامية .
المثلث الذي ينسحب الآن ضلعه ( سوريا ) المقابل لزاويته القائمة ( إيران ) تاركا ً ضلعيه الآخرين : حزب الله
وحماس ، لا يمكن أن يسمي بعد ُ مثلثا ً . فإلي أي إحداثية سوف تستند إليها تلك الزاوية القائمة الإيرانية ؟ نفسها ولا شئ إلا نفسها .
من هنا جاءت هرولة إيران بإعادة تقديم ما تسميه ” الصفقة الكبرى ” المتضمنة – بشكل التفافي خجول الاعتراف بإسرائيل ، واستعدادها – إيران أعني – لمحاربة تنظيم القاعدة ” الإرهابي ” لحساب أمريكا ” الديمقراطية ” ! بعد أن استبانت الدولة الفارسية الإسلامية أن روسيا غير مستعدة ، كما أوضح صمويل هنتنجتون في كتابه صراع الحضارات ، لدخول الحرب بجانبها ( ومن باب أولى الصين ) حال وقوع هجوم أمريكي أو إسرائيلي علي منشآتها النووية ، تلك التي لو دمرت لسقط نظام الحكم فيها دون مراء .
وعليه فإن الحسابات التي أجراها الإصلاحيون البراجماتيون الجدد ( أمثال حسين جعفري نائب رئيس مجلس الأمن القومي ، وحسين شريعتمداري الناطق بلسان مرشد الثورة خامئني ) برهنت علي عدم واقعية الخط الراديكالى لصاحبه ” الشاعر” أحمد نجادى ، من حيث فشله في تهويش الغرب أو استقطاب الشعوب العربية( ومعظمها من السنة ) لتكون عمقا ً استراتيجيا ً للثورة الملالية ” الفارسية المحتوى والإسلامية العنوان” ناهيك عن ظهور أية بادرة تنبئ بقدرة هذه الشعوب علي إسقاط أنظمتها الحالية لحساب تنظيمات دينية فاشية ، حتى وإن كانت سنية في البداية ،
هكذا كان يحلم الشاعر أحمد واضعا ً معارضات الخبير هاشمي رافسنجاني تحت قدميه ودبر أذنيه ، إلي أن أفاق علي حقيقة الازورار العربي عن مشروعه الخيالي الغامض ، ولعله الآن يخبط كفا بكف مندهشا ً من هؤلاء العرب
الذين لا يحبون كلمة الثورة ! بيد أن الرجل لايريد أن يفهم لماذا تستمر الأوضاع السياسية في العالم العربي دون تغيير.. فالرجل – كما قلنا – شاعر وليس عالم اجتماع دارس لعلاقة البناء التحتى بالبنية الفوقية .. وببساطة أكثر
فالتغيير لا يحدث في وقتنا الراهن ليس لأن الشعوب العربية تحيا في ظل أنظمة ديمقراطية تستحق أن ُيدافع عنها بالضد علي الفاشية المتوقعة ، بل لأن هذه الشعوب غير مستعدة لنضال هدفه استبدال عفريت لا تعرفه بالعفريت الذي طالما ألفته !
الحسابات الدقيقة أثبتت إذن أن النموذج الثوروى الشيعي غير قادر على اختراق الدرع السنية الصُلبة في المنطقة العربية( والمزودة بمسامير الثبات التاريخي والإيديولوجي ) وهذا الفهم – الذي جاء متأخرا ً – لاغرو يطامن من غطرسة القوة التي عاش بها النظام الإيراني منذ رأى الحائط َ” الفولاذيَّ ” العربي يهوي فوق رأس صانعه بالوكالة الأمريكية والخليجية و المسمى كوديا ً : صدام حسين .
والحسابات الدقيقة ، مرة أخرى أكدت أن ثمة مكاسب لا يستهان بها سوف تحصّلها الدولة ُ الإيرانية لو ُ قبلت
صفقتها . أولها استبعادها من لائحة محور الشر .. ومن ثم بقاء النظام دون تهديد من جانب الغرب ( الشيطان الأكبر؟! ) وثانيها الاطمئنان إلي مفاعلاتها النووية حتى دون إنتاج لقنابل ذرية في الوقت الحاضر ، وثالثها كسب
التأييد الأمريكي لمطالبها في العراق ما دام الأمريكيون متحالفين مع شيعة العراق بالضد علي السنة فيه ، ورابعها
التخلص من حزب مجاهدي خلق اليساري المعتصم بالعراق منتظرا أيةً فرصة للعودة إلى إيران يقود بها نضال العمال والفلاحين بالضد علي الطبقات الحاكمة المستغلة .
والخلاصة أن الصفقة الكبرى – بجانب كشفها طبعا ً عن الوجه الانتهازي لدولة ” الثورة الإسلامية ” – فلقد تبدت كحبل نجاة ألقى للغريق الأمريكي في اللحظة قبل الأخيرة ، أي اللحظة التي يفقد فيها ما تبقي من أعصابه ليجذب الجميع معه إلي القاع . هكذا قدمت إيران أوراق اعتمادها للنظام العالمي الجديد كوكيل له ثان بعد إسرائيل ، في منطقة الشرق الأوسط . . ولتكن المنافسة بينها وبين تركيا – الدولة المسلمة والتي سبقتها بالاعتراف بإسرائيل – منافسة ودية لا حربا ً ضروسا ً تأكل الأخضر واليابس .. وليدفع الصغار قيمة فاتورة ” الاتفاق الودي ” الجديد :
حزب الله يتخلى عن سلاحه ليصبح حزبا سياسيا ً عاديا ً ، وحماس تعود إلي المدرسة الإعدادية كي تتعلم درس
السياسة المعاصرة ، والقاعدة توطن نفسها في فضاءات الواقع الوهميVirtual Reality تستعيد فيه أمجاد الماضي
دون قدرة على إعادة إنتاجه .
من هنا نستطيع أن نفهم كيف أحجم حزب فاشستي هو حزب الله عن قطف الثمرة المشتهاة الناضجة ( السلطة ) حين كانت دانية القطاف ، فلقد صدر قرار الشيخ حسن عن عقلية شديدة الذكاء ، تعرف كيف تقرأ الملعب قراءة حالية
ومستقبلية في آن ، فما كان ممكنا ً لرجل بارع مثله أن يتخذ قرارا ً كهذا تكون نتيجته أن يجد نفسه وحزبه في موضع
علامات ضرب النار هدفا ً للأصدقاء والأعداء معا ً .
وهكذا جاء قرار الحزب الفاشي بعدم الاستيلاء علي السلطة في لبنان في سياق إطار تقييمي حاذق – مثله مثل كل الأطراف – لموازين القوى العالمية والإقليمية والمحلية في لبنان والعراق وفلسطين. فلكل فريق ، سواء كان دولة أو حزبا حاكما أو معارضا ً مصالح سياسية هي بالأرجح تعبير عن مصالح اجتماعية عامة أو طبقية أو طائفية أو حتى فئوية، وهي مصالح تقوده بالضرورة إلي منا جزة هذا أو التحالف مع ذاك . وهذا في حد ذاته إثبات لتهافت لغة الاتهامات المتبادلة بيننا نحن العرب بالعمالة ، وهى لغة آن لها أن تتواري . ولعلي لا أجاوز القصد لو أشرت إلي مقالة لكاتب هذه السطور نشرت علي هذه الصفحة من موقع شفاف بتاريخ الحادى عشر من أيار\ أبريل الماضي بعنوان ” لماذا لا نحذف كلمة عميل من قاموسنا السياسي ” والمغزى أن لكل عصر لغته ، وويل لمن يجهل لغة عصره.
Tahadyat_thakafya@yahoo.com
* شاعر مصري ورئيس تحرير مجلة تحديات ثقافية
لماذا أحجم نصر الله عن إعلان الجمهورية الإسلامية في لبنان؟
هل السيد حسن نصر الله سلاح حقيقى يملك زمام امره فى هذه اللعبة الم تقم السلطة الإيرانية بالتقليل من سلطاته من قبل حين تجاوز خطه المرسوم , اليس ا لامر كله ايرانيا صرفا , اذا كانت ا مور قد عادت الى ماكانت عليه , بل قبل الحزب بالذى كان يرفضه وعاد الى القاعدة اللبنانية الشهيرة , لا غالب ولا مغلوب لماذا لا نرى الأمر غلى حقيقته فنقول أن الزعامات اللبنانية كلها انما هى بيادق يحركها لاعحدب وا
لماذا أحجم نصر الله عن إعلان الجمهورية الإسلامية في لبنان؟ إلي الأستاذ الفاضل جمال الموسوى واضح من تعليق سيادتك تأييدك لحزب الله .. و هذا التأييد هو حق مشروع لا ينازعك فيه منازع . وبالطبع أنت تملك أسبابك التي من بينها المواقف البطولية المشرفة للحزب في قتاله ضد اسرائيل عام 2000 وقد تضيف اليها ما شئت من أسباب أخري طائفية أو فئوية أو أيديولوجية تراها مقنعة لك. .لكن غير المفهوم هو قولك إنني أسقطت ” سلفيتي ” [ يا خبر ! ] علي حزب الله .. ولعلك تصورت – بالنهج الميكانيكي – أن كل من يعارض حزب الله الشيعى لا… قراءة المزيد ..
لماذا أحجم نصر الله عن إعلان الجمهورية الإسلامية في لبنان؟
هذا تحليل رائع بحق . والكاتب الأستاذ مهدى بندق مستحق للتهنئة علي هذا المقال
دون مجاملة .
لماذا أحجم نصر الله عن إعلان الجمهورية الإسلامية في لبنان؟
مقالة عظيمة لكاتب مميز ..وحزب الله فقد مصدقيته فعلا
لماذا أحجم نصر الله عن إعلان الجمهورية الإسلامية في لبنان؟ من الواضح ان الاسقاطات السلفية للكاتب انسحبت من قبل الكاتب عللى حزب الله بشأن عدم اعلانه لبنان جمهورية اسلامية، متناسيا ان الاسلام لم يجبر احد على الايمان به عندما قال عز وجل من شاء فاليؤمن ومن شاء فايكفر وانا اهديناه النجدين اما شاكرا واما كفورا، وهكذا فان الكاتب افترض ان حزب الله يريد اعلان جمهورية اسلامية في لبنان ثم يحاسبه لانه لم يعلنها ويعاقبه اذا ما اعلنها. اهذا هو المنطق العلمي؟ اني وبكل محبه ارجوا من الاستاذ بندق ان يكون موضوعيا وان يشجع حزب الله على التعاطي البراغماتي مع الواقع… قراءة المزيد ..
لماذا أحجم نصر الله عن إعلان الجمهورية الإسلامية في لبنان؟ دم الكاتب تحليلا متميزا لمجمل العوامل الخارجية التي حالت دون استيلاء الفاشست علي السلة في لبنان ، وأعتقد أن حسن نصر لا يمتلك الذكاء الذى وصفه به كاتبنا الكبير ، حيث لا أعتقد أن هذا الجنرال الفاشستى يمتلك القدرة علي قراءة خريطة الصراعات الدولية والإقليمية التي أبدع مهدى بندق في رصدها ، فشتان ما بين الكاتب المثقف صاحب الرؤية العلمية وبين من يحيا بعقلية ظلامية ذات أفق محدود أما نقدى لكاتبنا مهدى فتتلخص في تركيزه علي العوامل الخارجية دون العوامل الداخلية وتوازنات القوى بين أطراف الصراع اللبنانى ذاته .. وهذه… قراءة المزيد ..
لماذا أحجم نصر الله عن إعلان الجمهورية الإسلامية في لبنان؟
أتفق مع هذا التقسير بنسبة مائة في المائة ، ومما يؤكد ذلك تلك التصريحات الهستيرية الصادرة عن خالد مشعل بدعوة كوادر حزبه لتفتح المعابر بالقوة ،
ولكن مادامت حماس تلهث وراء ما تسميه بالتهدئة مع اسرلئيل فلابد أن نستنتج
أن معبر رفح هو المقصود . ولعله يسعي بذلك لفتح جبهة جديدة علي حدود مصر
المسكينة ( والمهددة بالأخوان المسلمين من الداخل ) ليعطل ولو لبعض الوقت مسار التسوية الشاملة والتى باتت تلوح في الأفق ورسم معالمها بدقة أستاذنا الشاعر والكاتب الكبير مهدى بندق.