غلاف مجلة «التايم الأميركية» في عددها الأخير يعكس صورة مرتبكة ومتناقضة للشرق الأوسط: «عالمان متناقضان». صورة مشرقة تقابلها صورة مظلمة. حمل الغلاف صورتين متناقضتين. الأولى تعكس حالة البؤس والحرب والدمار في العالم العربي تقابلها صورة المستقبل الواعد والبناء والإبداع والعمران الضخم في بعض بلدان الخليج العربية.
فبينما تغرق بيروت في كل المخاوف من المستقبل ويبحث شبابها عن أي فرصة للهرب وللهجرة، تفتح دبي ذراعيها للمستقبل بثقة في القدرة على المنافسة (بمواصفات عالمية) وتصبح عاصمة للإبداع ومحط أنظار واستقطاب للمبدعين من الشباب العربي وغيرهم من كل مكان. تنمية هنا ودمار هناك. غنى هنا وفقر هناك.
أمل هنا ويأس هناك. آلاف من الشباب يهربون من الحرائق السياسية وآلاف من الشباب، على الضفة الأخرى، تخطط لقضاء أجازة آخر الأسبوع على شواطئ الخليج الدافئة والأنيقة والآمنة. هكذا هي صورة بعض بلدان الخليج العربية اليوم في محيطها العربي والإقليمي المليء بكل التحديات والمخاطر الحقيقية.
وفي هذه الصورة مخاطر كثيرة لكن أكبر هذه المخاطر هو أن ننخدع ـ نحن في الخليج ـ بهذه الصورة فنصدقها! صحيح هناك تنمية كبيرة في أكثر من مدينة خليجية لكن ربط الاستقرار والتنمية بما يحدث من نهضة عمرانية ومالية خطأ كبير لابد أن نعيه. فالطريق نحو تنمية شاملة وحقيقية طويل ومعقد ولم نبدأه أصلاً. لكن من الأهمية الكبرى أن نتذكر أن التنمية لن تتحقق عملياً في محيط تملأه الأخطار واحتمالات الحروب والكوارث الاقتصادية والاجتماعية.
فكيف لك أن تستمتع بسكنى فيلا أنيقة ومرتبة للغاية ومجهزة بأحدث التقنيات إن كنت تقيم في حي مليء بالفقر والظلم والجريمة؟
من الخطأ أن نختزل صورة دول الخليج العربية في الصورة الأنيقة لدبي أو في المشاريع العملاقة في الدوحة وأبوظبي. الصورة الأكبر لبلدان المنطقة تستدعي إصراراً على فهم الواقع وقراءة حقيقية لتحديات المستقبل القريب سواء على أصعدة التحديات الإقليمية والدولية أو على صعيد التحديات الداخلية التي إن لم يتم التعامل معها بعقلية جديدة فلن نتمكن عملياً من التعامل مع التحديات الخارجية.
خطأ جسيم أن نعتقد أن الانبهار أو الإعجاب بما يحدث في بعض مدننا الخليجية سيحمينا من مخاطر الخارج المحتملة. ولهذا لابد أن نكرر ما تعد حقيقة مبدئية لاستقرار أي دولة وهي في الحقيقة التالية: لن يتحقق سلم داخلي لأي مجتمع قبل أن تتحقق العدالة للجميع. لقد حذرنا مرارا من أن غياب العدالة في توزيع الثروات واستمرار مشاعر الغبن السياسي لدى فئات داخل المجتمع الواحد لن تقود إلا إلى مزيد من الانقسامات وإضعاف الدولة والمجتمع وفتح الأبواب واسعة لتدخلات خارجية إقليمية ودولية.
صحيح إنها صورة جميلة تلك التي نجحت دبي وأبوظبي والآن الدوحة في إبرازها لكن الصورة في المدن الأخرى (في محيطها) مختلفة جداً لكن دلالاتها الإيجابية كثيرة ومهمة. فدبي اليوم صارت من الأماكن النادرة في الشرق الأوسط التي تنتج يومياً أخباراً فيها تفاؤل للمستقبل وهي استحقت بكل جدارة أن تصبح النموذج الأكبر لما يجب أن يتحقق في المنطقة على أصعدة كثيرة.
ولهذا كنت قبل قليل أهنئ الزميل سكوت ماكلود، كاتب موضوع غلاف التايم الحالي، على فكرة غلاف المجلة لأنها أسهمت أخيراً في تقديم صورة أخرى لمنطقتنا، فصورتان متناقضتان، واحدة مشرقة وأخرى مظلمة، أفضل مليون مرة من بقاء الصورة المظلمة التقليدية مهيمنة على منطقتنا!
على غلاف المجلة، مثلت دبي الصورة المشرقة للشرق الأوسط بينما جاءت بيروت لتعكس الصورة المظلمة للشرق الأوسط. الحقيقة المؤلمة أن الصورة الغالبة والحقيقية لمنطقتنا (بأشكال وظروف متعددة ومتباينة) هي في صورة الدمار من بيروت. لكن ـ من غير تردد ـ نجحت دبي في أن تكون حلمنا الذي نرنو إليه في المنطقة. ولكي تتحقق صورة مشرقة في بلدان الخليج العربية وفي العالم العربي كله لابد من بدء طريق الإصلاح والركض فيه سريعاً قبل أن تسيطر صورة الدمار تلك على كل المنطقة.
لقد سئمت تكرار السؤال: كيف نبدأ؟
فمتى نبدأ؟
alhattlan@yahoo.com
* كاتب سعودي
نقلاً عن صحيفة البيان