رسمياً، “لا تدعم تركيا جماعة محددة من جماعات المعارضة السورية”. ولكن التنقلات المتواصلة للمقاتلين الجهاديين على جانبي الحدود السورية – التركية باتت مصدر إحراج للأتراك.
ويقول وزير خارجية تركيا “نحن لا نقدّم أي دعم مباشر لجبهة النصرة أو لأي تنظيم آخر. وصلتنا الوحيدة هي مع الإئتلاف الوطني السوري”. بالمقابل، فإن وجود جهاديين متطرفين، سواءً للعلاج في المستشفيات الواقعة على الحدود، أو للإستراحة في مخيمات اللاجئين، بات أمراً يصعب إخفاؤه.
ومنذ بضعة أشهر، بدأ حلفاء تركيا في حلف الأطلسي بالتساؤل حول الموقف الحقيقي لأنقرة، التي يتّهمونها، في أفضل الأحوال، بغض النظر عن تحركات الجهاديين، ذهاباً وإياباً، بين تركيا وسوريا أو، في أسوأها، بتعزيز مواقع الجهاديين في الشمال السوري.
ويعتبر الصحفي التركي ميتي شوبكشو أن تلك السياسة تستند إلى حسابات خطرة ويتساءل “ما إذا كانت السياسة الخارجية لتركيا قد أسفرت عن خلق طالبان سورية”!
ويقول ديبلوماسي غربي في أنقرة أنه “من الصعب جداً التوصّل إلى تفسير منطقي. فلا يمكن لتركيا أن تطالب حلف شمال الأطلسي بحماية حدودها بواسطة بطاريات صواريخ “باتريوت” في حين أنها، من جهتها، تقوم بمساعدة “جبهة النصرة”. هنالك تناقض حاد في الديبلوماسية التركية”!
إن الأكراد هم الأكثر تذمّراً من هذه السياسة. ويقول “صلاح الدين ديميرتاس”، زعيم “حزب السلام والديمقراطية” القريب من “حزب عمال كردستان” (عبدالله أوجلان) أن “الحدود مفتوحة بالكامل” للجهاديين الذين “لولا الدعم التركي لما كانوا صمدوا أسبوعاً واحداً”! وهو يتهم حكومة إردوغان باستخدام الجهاديين لمواجهة نزعات الحكم الذاتي الكردي في سوريا. ويقوم مسلحو “الدولة الإسلامية في العراق والشام” بمحاصرة مسلحي حزب أوجلان في نزاع محوره السيطرة على مدينتين حدوديتين هما “”كوباني” (عين العرب) و”سيري كاني” (رأس العين).
وصرّح “مسلم صالح”، وهو زعيم حزب “بي واي دي”، أي الجناح السوري لحزب أوجلان، لجريدة “طرف” التركية أن “تركيا تستخدم هذه العصابات المسلحة لخوض الحرب ضدنا. وهي تعطيهم الذخائر ومدافع الهاون. وكل ذلك يتم علناً”.
وذلك ما يؤكّده الصحفي التركي في جريدة “ملّيّت”، قدري غورسيل، الذي يضيف أنه “كان من المستحيل على الجهاديين المتطرفين أن يتوصّلوا إلى هذه الدرجة من التفوّق ضد قوات النظام بدون الدعم اللوجستي التركي وبدون الحدود المفتوحة أمامهم بلا قيود”.
وسبق أن كانت تركيا ممرّاً نشطاً للجهاديين الدوليين في منتصف سنوات التسعينات، حينما كان المتطوّعون للقتال في البوسنة والشيشان يمرّون عبر استانبول.
انتقادات واشنطن
ويعتقد مدير “مركز الدراسات الإقتصادية والسياسة الخارجية”، “سنان أولغن”، أن هذا الدعم التركي يظل “تكتيكياً” فقط. ويضيف “حتى ما قبل شهرين كانت تركيا تدعم الجماعات المتطرفة لأن هذه الجماعات كانت الاقوى في ميادين القتال. ولكن تلك السياسة أثارت إنتقادات، وخصوصاً من واشنطن”.
أي أن تركيا كانت قد راهنت على القوة العسكرية الأكثر فعالية ميدانياً. وهذا ما أثار انتقادات أعرب عنها الأميركيون في شهر مارس الماضي، لمناسبة زيارة وزير خارجية تركيا أحمد داوود أوغلو إلى واشنطن.
ويقول السيد “أولغن” أن تركيا “قامت بتغيير سياستها خوفاً من الإساءة لعلاقاتها مع حلفائها، ولكن أيضاً لأنها انتبهت إلى المخاطر التي يمثّلها الجهاديون على أمنها”.
غيّوم بيرييه
مراسل جريدة “لوموند” الفرنسية