تمر ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هذه السنة على سوريا وهي للمرة الثانية في عين الإهتمامات لإنها تشهد أكبر انتهاكات حقوق الإنسان وأوسعها نطاقا.
فعدد ضحاياها من المدنيين فاق الأربعين ألفا، أكثر من خمسة آلاف منهم من النساء والأطفال. وحجم الدمار للمنازل والمناطق السكنية المدنية نتيجة القصف بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة بلغ نسبة مرعبة تتجاوز 50% في بعض المناطق بين دمار كلي وجزئي. وعدد الجرحى والمعاقين يتعدى المئة ألف في ظروف تفتقر لتقديم الرعاية الطبية اللازمة واستهداف للأطباء والمسعفين الذين يقدمون هذه المساعدة.
وأعداد المهجرين داخليا تجاوز ثلاثة ملايين والمهجرين خارجيا تقارب المليون، وجميعهم بحاجة لدعم إنساني للسكن ولحاجاتهم اليومية من ملبس وطعام وبحاجة لرعاية صحية قلما يجدوه.
ونقدر عدد المعتقلين تعسفيا بأكثر من ستين ألفا في ظروف إنسانية وصحية بالغة السوء ويتعرضون لمختلف أنواع التعذيب التي تصل لحد الوصف بالوحشي وأدت إلى وفاة أكثر من ألف بالمعتقلات نتيجة التعذيب أو الوضع غير الصحي, ومعظمهم محتجز قسريا لفترات تصل إلى أكثر من سنة للبعض دون أن يعلم أهله عن مكانه أو يقدم للقضاء أو يسمح للمحامين بالدفاع عنه . وتستخدم أماكن احتجاز غير قانونية وغير شرعية ولا تتوفر فيها الحدود الدنيا للظروف الإنسانية كالقطعات العسكرية كمطار المزة العسكري ومقر قيادة الفرقة الرابعة ومطار النيرب العسكري ومركز نجها العسكري ومركز الشرطة العسكرية بالقابون وأقبية الفروع الأمنية بمختلف أنواعها , ونخص بالذكر حالات الأطفال والنساء واعتقال المحامين الذين ما زال منهم قيد الاعتقال أكثر من أربعين محاميا وحالات اعتقال الأطباء وعناصر الإغاثة من الهلال الأحمر والمسعفين بتهم تقديم المساعدة الطبية للمصابين والنشطاء السلميين والمدافعين عن حقوق الإنسان والإعلاميين.
وأصدرت السلطة قانونا للإرهاب وأنشئت محكمة خاصة بذلك تفتقر لمعايير العدالة والحيادية أحيل إليها موقوفا أكثر من خمسة آلاف متهم وحركت الدعوى أمامها بحق عشرات الألوف من الملاحقين وتتعامل مع المتهمين والمحامين كمقر فرع أمني بامتياز وليس كمحكمة تحترم العدالة وحقوق المتهم .
هذا إذا تجاوزنا حقوق حرية التعبير والرأي التي وصلت إلى أدنى مستوى ممكن حيث أحيل إلى المحاكم موقوفين لأكثر من شهرين بتهمة متابعة “القنوات المغرضة كالجزيرة والعربية”، أو التفكير بالإنشقاق للعسكريين أو محاولة تغيير الدستور والنظم الأساسية للدولة لمجرد الإشارة للأخطاء أو النقد أو رصد الانتهاكات. واعتقال نشطاء سياسيين ينادون بالسلمية والحوار . ونشطاء تقديم إغاثة ودعم للمهجرين.
أمام ما يجري في سوريا اليوم من انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان فإن العالم بأجمعه وخاصة مجتمعه المدني ومنظماته الحقوقية والإنسانية المحلية والدولية مدعو للعمل الجاد والسريع والمسؤول لوقف هذه الانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها وتقديم الدعم والإغاثة للشعب السوري ومساعدته لتجاوز هذه المرحلة السوداء.
إن صرخة المواطن محمد عبد الوهاب التي ما زالت تدوي (أنا إنسان ولست حيوان) هي لب المشكلة
إن الشعب السوري يستحق من العالم الاعتراف بإنسانيته وحقه الأكيد بالتمتع بهذه الإنسانية بكل حقوقها.
لتكن ذكرى حقوق الإنسان هذا العام مخصصة للشعب السوري وكل الجهود يجب أن تكون موجهة ليكون هذا الشعب متمتعا بكل حقوقه أسوة بكل شعوب العالم المتحضر
دمشق 10/12/2012
المحامي أنور البني
رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية