سقط نائب رابع من كتلة قوى 14 آذار النيابية اللبنانية شهيداً أمس، وهو النائب الكتائبي أنطوان غانم لينضم الى رفيقه في الحزب الوزير والنائب بيار أمين الجميل والنائبين عن بيروت جبران تويني والقاضي وليد عيدو من الأكثرية النيابية.
وقضى النائب عن دائرة عاليه – بعبدا في جبل لبنان انطوان غانم بانفجار عبوة ناسفة وضعت في سيارة رُكنت الى يمين الطريق التي كان يسلكها في منطقة سن الفيل – حرج ثابت في ضاحية بيروت الشرقية، واستشهد معه إثنان من مرافقيه. وحصل التفجير الذي حطم مقدم سيارة النائب من نوع «شوفروليه» سوداء اللون وفصل أجزاء منها، في ساعة الذروة في ازدحام السير وبين أبنية سكنية ومكاتب تجارية في الشارع.
وبالاغتيال المأسوي لغانم، انخفض عدد نواب الأكثرية من 69 الى 68 نائباً، من أصل 128 نائباً هم أعضاء البرلمان، وبعد توقعات باستهداف نواب الأكثرية عبر سلسلة الجرائم السياسية التي بدأت في العام 2004.
ووجّه عدد من رموز الأكثرية الاتهام الى سورية في العملية، ومنهم النواب سعد الحريري ووليد جنبلاط ووزير الشباب والرياضة أحمد فتفت والنائب وائل أبو فاعور. وركّز نواب ورموز من المعارضة على ان هدف الجريمة هو ضرب الأجواء الوفاقية المرافقة لمبادرة رئيس البرلمان نبيه بري حول الاستحقاق الرئاسي والدعوات الى توافق الفرقاء على رئيس جديد للجمهورية.
وكان النائب المغدور عاد الى بيروت قبل يومين من دولة الامارات العربية المتحدة حيث أمضى أسابيع لأسباب أمنية، مثل العديد من نواب الأكثرية الذين طلب اليهم التزام الحذر والحيطة بقضاء بعض الوقت خارج لبنان، بعد اغتيال النائب عيدو في 13 حزيران (يونيو) الماضي، على ان يعودوا لحضور الجلسة النيابية التي دعا اليها رئيس البرلمان نبيه بري الثلثاء المقبل في 25 أيلول (سبتمبر).
واستشهد النائب غانم في جريمة الاغتيال الـ15 التي استهدفت لبنان منذ محاولة اغتيال النائب مروان حمادة في 1 تشرين الاول (أكتوبر) 2004، في ذروة السجال الدائر منذ أسابيع بين بعض أقطاب الأكثرية حول حقها في انتخاب رئيس جديد للجمهورية بأكثرية النصف +1 في الدورة الثانية من الانتخاب. تفادياً لحصول الفراغ في نهاية ولاية الرئيس اميل لحود في 23 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، وبين أقطاب المعارضة بالإصرار على الحاجة الى نصاب الثلثين لانتخاب الرئيس. كما جاءت الجريمة في الخامسة والثلث عصراً، بعد زهاء خمس ساعات على صدور نداء المطارنة الموارنة برئاسة البطريرك نصرالله صفير الذي اعتبر أن «الوضع العام الذي لا يبعث على الاطمئنان يحمل كثيرين من اللبنانيين، وبينهم نواب ومسؤولون، على مغادرة لبنان الى أوروبا، او الى بعض البلدان العربية سعياً الى الطمأنينة وخوفاً من اغتيال تناول اقراناً لهم من دون شفقة. ويكفي ان نعلم انه منذ سنة 2004 جرت في لبنان أربع عشرة حادثة اغتيال نجا منها أربعة اشخاص مستهدفون، وهذا أمر لم يعرفه لبنان طوال الثلاثين سنة التي مرت عليه، على رغم مما جرى على أرضه من اقتتال ومآس وفواجع، وفي الفترة الاخيرة، سلك كثير من النواب الطريق عينها، متخلياً عن دوره، ولو لوقت محدّد تلافياً للاغتيال».
واعتبر بيان المطارنة الذي صيغ بلغة «النداء الثامن» ان «من واجب النواب المحترمين ان يحضروا جلسة الانتخاب قياماً بما عليهم من مسؤولية تجاه وطنهم ومواطنيهم»، مشدداً على ان «الاستنكاف في هذا المجال يعتبر مقاطعة للوطن، وما من أحد مهما علا قدره وعظم شأنه باستطاعته ان يقاطع وطنه، ويساهم في عرقلة أموره».
وفيما عقد المكتب السياسي لـ حزب «الكتائب» الذي ينتمي اليه المغدور منذ أكثر من 44 سنة، اجتماعاً استثنائياً، صدر نعي رسمي من الحزب جاء فيه: «مرة اخرى يدفع حزب الكتائب اللبنانية الثمن غالياً، فبعد عشرة اشهر على اغتيال النائب والوزير بيار الجميل، وأيام معدودة على الذكرى الـ25 لاستشهاد فخامة الرئيس بشير الجميل، امتدت يد الغدر لتسقط الرفيق انطوان غانم في سن الفيل شهيداً على طريق من تقدمه من الكتائبيين الذين سقطوا على مذبح لبنان وضرجوا ارزه الشامخ بدمائهم الذكية، ليبقى رمز الصمود والاستمرار في وجه كل طامع باستقلاله وحريته».
وأكد نعي «الكتائب» ان غانم «اختصر بشخصه سيرة نضالية طويلة وصفت بالعصامية والاخلاق والتفاني في خدمة الناس والالتحاق بمعاناتهم. ان اغتيال الرفيق انطوان غانم في مثل هذه الظروف المفصلية التي يجتازها لبنان هو حلقة في مسلسل الاغتيالات لرموز ثورة الأرز، وذلك امعاناً في ضرب مقومات السلم الاهلي والاجهاز على المؤسسات الدستورية».
وكان من أبرز ردود الفعل المحلية على الاغتيال قول زعيم تيار «المستقبل» النائب سعد الحريري ان «ستة نواب استشهدوا خلال سنتين ونصف سنة بدءاً بالرئيس رفيق الحريري وباسل فليحان وصولاً الى أنطوان غانم، بالتفجير أو بالرصاص، قتلتهم يد الارهاب والحقد، لكننا لسنا خائفين ولن نخاف ولم نخف يوماً إلا من الله سبحانه تعالى. اننا مستمرون بنظامنا البرلماني ولن يثنينا أحد عن ذلك، وسنحافظ على الدستور ونحافظ على اتفاق الطائف».
وأضاف: «منذ أيام وأنا أدعو الى اللقاء والحوار والى التوافق في ما بيننا، والى ان نجتمع نحن وزملاؤنا في المجلس النيابي وزملاء النائب أنطوان غانم أيضاً». وزاد ان «جميع النواب الذين استشهدوا بدءاً من الرئيس الحريري هم من قوى 14 آذار وممن يطالبون بالسيادة والحرية والاستقلال والعروبة. فمن القاتل؟ القاتل والمجرم واحد والسفاح واحد وبعدما قصفت الطائرات الاسرائيلية سورية ردوا عليهم بقتل اللبنانيين. هكذا ترد سورية».
وأكد الحريري ان «الرئاسة ليست ملكاً لسعد الحريري أو حسن نصر الله أو لنبيه بري أو لميشال عون أو لأي حزب بل هي ملك للبنانيين فاتقوا الله. أؤكد لكم بإذن الله ان المحكمة الدولية ستحاسب هؤلاء القتلة المجرمين، هؤلاء الذين يعطلون رئاسة الجمهورية».
الى ذلك، قال رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط ان «انطوان غانم ليس فقط في حزب الكتائب بل هو في اللقاء الديموقراطي، هو صديق ومواطن لبناني حر، ناضل في الكتائب ومعنا من اجل السيادة والاستقلال في ثورة 14 آذار». واستدرك «اضع هذه الجريمة في خانة النظام السوري وفي الرسائل المعهودة للنظام السوري الذي يريد على مشارف الانتخابات الرئاسية ان يضرب الغالبية النيابية وان يطوّع ارادة الشعب اللبناني في ارادة الحياة الحرة والاستقلال والسيادة، وفي محاولة تعطيل ارادة الشعب اللبناني في الحياة الحرة».
وعن جلسة الانتخابات قال: «فوق الجراح والآلام، وفوق الألم الكبير الشخصي الذي أصابنا وفوق كل شيء، سنقوم بواجبنا الانتخابي ولن نرضخ لتهديد بشار الاسد وحلفائه. ظننا فقط ان الشر المستطير سيأتي فقط في آخر 10 أيام. يبدو اننا أخطأنا الحساب أو كالعادة الغدر يضرب مجدداً، لكن عهدنا الغدر على طريقة بشار ومن خلال بشار، لكننا نقول لبشار لن نركع ولن يركع الشعب اللبناني».
وعن خطط تحرك الاكثرية قال جنبلاط: «كل شيء في الوقت المناسب، لكن فقط أوجه رسالة، أعلم ان الألم كبير وأن الخسارة فادحة ولكن كنا في غنى فقط من البعض في السلطة، ولست هنا لأدخل في سجال، من ان نرحّل عائلات شاكر العبسي وعصابته او تبرئة شاكر العبسي من علاقته بالمخابرات السورية، وتصنيفه فقط بخانة القاعدة. أذكّر فقط بأن القاعدة لم تتبن شاكر العبسي، كنا بغنى عن تبرئة العبسي».
ودان الرئيس لحود الجريمة، فيما نعى الرئيس بري النائب غانم الذي «استهدفته يد الجريمة والغدر التي سبق ان استهدفت عدداً من القادة والزملاء البرلمانيين والإعلاميين ورجال السياسة والفكر والمناضلين، في سياق المسلسل نفسه الذي يستهدف لبنان ونظامه السياسي والاقتصادي، وحريته ووحدته والعيش المشترك». واعتبر بري ان «هذه الجريمة يجب ان تشكل محطة تحدٍ في مواجهة الإرهاب والجريمة المنظمة التي تستهدف شعبنا وتستهدف لبنان في وجوده كما تستهدف مستقبله، وتستهدف الشعور الوفاقي المتنامي والمتزايد الذي عبرت عنه القيادات اللبنانية بكل طوائفها وأطيافها لمواجهة الاستحقاقات والتحديات المفروضة على لبنان».
ورأى ان الشعب اللبناني «سيكون بمستوى هذا الحدث الخطير، وسيخرج لبنان من هذه المحنة ومشاريع الفتنة أقوى من أي وقت مضى».
واتصل بري بكل من الرئيس أمين الجميل، البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير، ورئيس حزب «الكتائب» كريم بقرادوني معزياً.
وصدرت بيانات من كتلة التنمية والتحرير التي يرأسها بري ومن حركة «أمل»، اعتبرت ان الجريمة تستهدف استعادة عناصر الوحدة الوطنية. ودعت «أمل» الى الحذر وإفشال أهداف المجرمين في إيقاع الفتن وإحداث التوترات.
استنكار دولي
وأثارت الجريمة ردود فعل دولية، اذ دان البيت الابيض «نمط الاغتيالات السياسية ومحاولات الاغتيال التي تهدف الى «تهريب العاملين لاحلال الديموقراطية في لبنان». كما دان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الاعتداء الذي ادى الى استشهاد غانم، وتلقى بري اتصالاً من الموفد الفرنسي جان كلود كوسران قدم له خلاله التعازي باستشهاد غانم. وأكد ان فرنسا «على رغم فداحة الخسارة، تعلق اهمية بالغة على التحرك الذي يقوم به بري، والاستمرار فيه من اجل انجاز الاستحقاق الرئاسي ووضع لبنان على طريق الخلاص».
وقال رئيس مجلس الأمن لهذا الشهر سفير فرنسا جان موريس ريبير ان المجلس «يدين التفجير الجديد ويعتبره محاولة لزعزعة استقرار لبنان في هذه الفترة الحرجة جداً. وندد وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند باقوى تعابير الاستنكار التفجير الذي ادى الى اغتيال غانم، وأكد ان بلاده والمجتمع الدولي سيستمران في دعم حكومة لبنان، وأن بريطانيا «ستساند جهود الأمم المتحدة لجلب الذين ارتكبوا الجرائم المماثلة الى العدالة».
وأفادت وكالة «فرانس برس» ان وكالة «سانا» نقلت عن مصدر اعلامي سوري استنكاره بشدة الانفجار الذي أودى بحياة غانم، ووصفه بأنه «عمل اجرامي»، مشدداً على حرص سورية على «أمن لبنان واستقراره ووحدته».
وبالعودة الى التحقيقات الأولية حول الجريمة وعدد الضحايا، افاد رئيس عمليات الصليب الاحمر اللبناني جورج كتانة ان الانفجار الذي أودى بحياة غانم، أدى الى استشهاد سبعة مواطنين، معظم جثثهم مشوهة ومقطعة وسقوط أكثر من عشرين جريحاً توزعوا على خمسة مستشفيات. وأفادت معلومات اخرى عن سقوط 40 جريحاً وتعرض الابنية المجاورة لموقع الانفجار الى اضرار كبيرة وبعضها احترق.
(الحياة)
وأشارت المعلومات الأولية بعدما قامت العناصر الأمنية بمسح لمكان الحادث الى ان التفجير حصل لاسلكياً بواسطة عبوة وضعت داخل سيارة «مرسيدس» مركونة الى جانب الطريق قدر وزنها بنحو 25 كلغ من المواد المتفجرة.