لمن سيهدي “حزب الله” انتصاره الجديد؟ في العام 2006، انتقل “حزب الله” من حرب ذلك الصيف التي افتعلها مع إسرائيل ليحتل وسط بيروت متابعا عملية تدمير البنية التحتية للبلد بغية نشر الفقر والبؤس وتهجير اكبر عدد من الشباب اللبناني من البلد.
كان الهدف من حرب صيف 2006 واضحا كلّ الوضوح. أراد “حزب الله” وقتذاك التغطية على جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه عبر افتعال حدث كبير في حجم الحرب مع إسرائيل. استغلت إسرائيل تلك الحرب ودمرت جزءا لا بأس به من البنية التحتية للبلد. حدث ذلك في وقت كان لبنان يستعيد أنفاسه بعد الضربة التي تلقاها في الرابع عشر من شباط – فبراير 2005 عندما فُجّر موقف رفيق الحريري من اجل تأكيد انّه لن تقوم قيامة لبيروت وللبنان وانّ الوصاية السورية ـ الايرانية باقية الى الابد.
تخلّص اللبنانيون الذين نزلوا الى الشارع، ردّا على اغتيال الرجل الذي أعاد الحياة الى بيروت وأعاد وضع لبنان على خريطة الشرق، من الوصاية السورية. لكنّ الوصاية الايرانية بقيت وترسّخت، خصوصا بعد غزوة بيروت والجبل في ايّار – مايو من العام 2008.
ما يحصل حاليا في جرود عرسال تكرار لسيناريو مملّ ولاحداث سابقة سيعلن بعدها “حزب الله”، الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الايراني عن “انتصار الهي” جديد. كانت نتيجة حرب صيف 2006 انتصارا حقيقيا لـ”حزب الله” على لبنان وليس على إسرائيل. في صيف 2017، هناك رغبة واضحة في تحقيق انتصار جديد على لبنان من اجل تكريس الوصاية الايرانية عليه وتحويله مجرّد مستعمرة وارضا تعتبرها ايران “ساحة.
زادت الرغبة الايرانية في تحويل لبنان مجرّد مستعمرة إيرانية في ضوء التطورات الأخيرة في سوريا. لا يمكن لإيران القبول بان تكون خارج اتفاق أميركي – روسي – اردني في شأن الجنوب السوري يشمل جبهة الجولان. من الواضح ان ايران مستعدة لكلّ شيء، بما في ذلك التضحية بعشرات المقاتلين المنتمين الى “حزب الله” لتأكيد انّها ما زالت لاعبا في سوريا، بل لاعبا أساسيا لا يمكن تجاوزه وانّ “حزب الله” ليس مجرد حزب لبناني لديه نوّابه في البرلمان ووزراؤه في الحكومة. تبدو الرسالة التي تريد ايران ايصالها لكلّ من يعنيه الامر ان “حزب الله” يتحكّم بلبنان، أي انّها تتحكّم بلبنان عبر الحزب وان ما تحقّق من نسف للسيادة الوطنية اللبنانية عن طريق إزالة “حزب الله” الحدود المعترف بها مع سوريا صار امرا دائما. حلّت فكرة الرابط المذهبي مكان فكرة السيادة اللبنانية. ذهب “حزب الله” الى سوريا بحجة حماية أماكن مقدّسة شيعية في البداية. انّه موجود هناك الآن بحجة انّ النظام السوري وجد ليبقى وان التغييرات ذات الطابع الديموغرافي في دمشق وكل المنطقة المحيطة بها صارت امرا واقعا وذلك بغض النظر عن دخول اميركا وروسيا في اتفاقات يمكن ان تمهّد، في المدى الطويل، لصفقة بينهما في شأن مستقبل سوريا.
التزم الجيش اللبناني حماية اهل عرسال ومخيّمات النازحين السوريين. يقاتل “حزب الله” في أراض لبنانية وفي الداخل السوري مجموعات إرهابية كان النظام السوري في أساس قيامها. لدى ايران عنوانان تعمل في ظلّهما. الاوّل انّها شريك في “الحرب على الإرهاب”. امّا العنوان الآخر، فهو الدفاع عن الوجود الايراني في سوريا ولبنان والارتباط المباشر بين الأراضي اللبنانية والأراضي السورية التي تتم عملية طرد سكانها السنّة بغية تحقيق اهداف استراتيجية محدّدة باتت اكثر من معروفة. في مقدّم هذه الأهداف تغيير طبيعة دمشق وذلك بعد تدمير حلب وحمص وحماة.
ما الثمن الذي سيطلبه “حزب الله” بعد انتهاء معركة جرود عرسال وقوله انّه رفع العلم اللبناني فوق تلال ذات اهمّية عسكرية، وانّه قضى على ” جبهة النصرة” وفلول “داعش” في تلك المنطقة؟
ثمّة مؤشرات خطيرة الى رغبة الحزب في دور اكبر على الصعيد اللبناني، بما في ذلك تغيير النظام القائم منذ اتفاق الطائف. هذا الاتفاق لا يزال، الى اشعار آخر، خير ضمانة لبقاء لبنان في ظلّ توازن معيّن بين طوائفه. لا شكّ ان اتفاق الطائف ليس اتفاقا مثاليا. لكن المفترض انّ أي تعديل للطائف يجب ان يتمّ في ظل حوار بين اللبنانيين من دون وجود مسدس، اسمه سلاح “حزب الله” موجّه الى رؤوس المتحاورين الآخرين.
يُخشى دخول لبنان، بعد “الانتصار الإلهي” الجديد لـ”حزب الله” مرحلة في غاية الخطورة، خصوصا ان الحزب تصرّف بمعزل عن الدولة اللبنانية ومؤسساتها ووضع هذه المؤسسات امام امر واقع وذلك في وقت يوجد فيه رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري في واشنطن. الهدف من زيارة سعد الحريري معروف ويتلخّص في المساعدة في عملية نهوض مؤسسات الدولة اللبنانية من جهة والسعي الى تجنيب لبنان وقطاعه الخاص ايّ انعكاسات سلبية لقوانين وعقوبات يمكن ان يقرّها مجلسا الكونغرس.
لا يحتاج لبنان الى “انتصار الهي” آخر، يكون بمثابة انتصارا جديدا عليه. انّه في غنى عن مثل هذا النوع من الانتصارات. لا يحتاج بالتأكيد الى انتصار من هذا النوع بحجة “مكافحة الإرهاب” و”الحرب على الارهاب”… في حين انّ لا فارق بين إرهاب سنّي وإرهاب شيعي.
هناك احداث كبيرة تدور على الصعيد الإقليمي. ليس صدفة ان العملية العسكرية لـ”حزب الله” في جرود عرسال في أراض ليس معروفا هل هي سورية او لبنانية، لاسباب مرتبطة في الرفض الدائم للنظام السوري لترسيم كامل الحدود بين البلدين، جاءت بعد الانتصار الذي تحقّق في الموصل. لم يكن الانتصار في الموصل على “داعش” بمقدار ما انّه كان انتصارا على المدينة الثانية في العراق التي تحوّلت شوارعها الى شاهد حيّ على كيف يكون تدمير المدن العربية الواحدة تلو الأخرى.
مرّة أخرى، لمن سيهدي “حزب الله” انتصاره الجديد؟ ستكون لهذا “الانتصار” ارتدادات على الداخل اللبناني.
الخوف الكبير ان تكون الحاجة الايرانية الى مزيد من الإمساك بالورقة اللبنانية، لا اكثر ولا اقلّ. تبدو كلّ الحجج صالحة لتبرير ذلك. هل آن أوان الانتقال الى مرحلة جديدة من منطلق انّ الاحداث كشفت ان لا خيار لبنانيا آخر غير خيار “الشعب والجيش والمقاومة” وانّ لا بدّ من ترجمة هذا الشعار الى واقع بدءا بإدخال تعديلات جذرية على اتفاق الطائف؟