وأخيراً وبعد سنوات من التأزم والانشطار بين القوى المتصارعة في لبنان حُلت الإشكالات العالقة بين فريقي السلطة والمعارضة. حلت الإشكالات في خمسة أيام عندما قرر ذلك الممسكون بكل خيوطها، فما حالوا دون تحقيقه في سنوات قرروا حله في أيام معدودات، لكن بعد خراب مالطة كما يقال، خراب طال العقول وعلق بالقلوب وسكن في النفوس، قبل أن يتغلغل في بنية الوطن كله!!! توصل المختلفون إلى حل بعض الإشكالات العالقة برعاية قطرية مهدت لها دول الاعتدال منذ أشهر ولما استوت على سوقها كان لابد من قاطف يقطفها!! ليعود اللبنانيون المختلفون والمتنازعون إلى بلادهم فيستأنفوا حياتهم سلماً أو حرباً أخرى تأتي على البقية الباقية من أمنهم واستقرارهم ومستقبل أبنائهم. اتفاق الفرقاء جيد من حيث المبدأ، لكنه دون التوصل إلى حل صارم لمشكلة سلاح حزب الله جعله كالجبل الذي تمخض فجاء مولوده عكس ما كان يُرجى.
ما حدث في لبنان خلال الأعوام الخمسة الماضية لم يكن غريباً على بلد هو نسيج وحده في المنطقة العربية، بلد كان دائماً متفرداً، فكما تفرد لبنان بحمل شعلة التنوير في العالم العربي، وبجامعاته ومثقفيه وصحفه ومكتباته ودور نشره، وفي طبيعته الخلابة وآثاره، وبفنونه وبفيروز والرحابنة ونصري شمس الدين وصباح ومهرجانات بعلبك، تفرد أيضا في زعاماته وسياسييه وخلافاتهم وبنائه الطائفي الذي يشبه التكوينات القبلية، تفرد لبنان في عدم وجود انسجام داخلي بين أطياف مجتمعه بفعل تدخل قوى خارجية ما فتئت تذكي النعرات الطائفية، فترجمته النزاعات والتجاذبات والحروب الأهلية، تفرد لبنان بديموقراطيته العجيبة والغريبة التي أفرزت رئيس سلطة تشريعية صاحب ميليشيا قوامها فتية يجوبون شوارع العاصمة فيقتلون ويخربون، رئيس ينحاز للمعارضة فيغلق البرلمان أشهراً عدة حائلاً دون انتخاب رئيس للدولة، تفرد لبنان بوجود حزب يخزن ترسانة أسلحة ليقاوم وليس ثمة مقاومة، حزب يتلقى أموالاً ودعماً من الخارج ليخرب بلده ويشن حروباً عبثية ويقيم دويلة يقطّع بها أوصال الدولة الشرعية، تفرد لبنان بميليشيات الأحزاب التي تشن حرب شوارع على المواطنين العزل دفاعاً عن زعامات استوطنتها الشياطين فخطفت الوطن كله تحت تهديد سلاحها المقدس على نحو يعيد للأذهان هجوم المغول والتتار على عاصمة الخلافة العباسية، تفرد لبنان بكونه البلد العربي الوحيد الذي يختاره الآخرون ليجعلوه ساحة لتصفية حساباتهم مع القوى الكبرى، ودوما وجد من يعينهم على ذلك من اللبنانيين أنفسهم ممن يحسبون على النخب وليس على (زعران) الشوارع! تفرد لبنان ببطش معارضته وقوة بأسها وفجرها في الخصومة حدَّ خطف الوطن وعزله عن العالم وإشعاله ناراً، واحتلال قلب العاصمة أشهرا لتدمير الاقتصاد وشل عمل الحكومة، تفرد لبنان بوجود جيش يقف محايدا في حرب أهلية فيما الأبرياء يقتلون وتقتحم بيوتهم وتحرق ممتلكاتهم وهو ما لم يفعله أي جيش نظامي في العالم، إذ الجيش هو المؤتمن على حماية العزّل من المواطنين ! تفرد لبنان بوجود سفارة أجنبية تقوم بتمويل خصوم الدولة وتحريضهم ضد مواطنيهم وتشجيعهم على الانفصال عن محيطهم العربي، وتخوين جميع أهل المنطقة واتهامهم بالعمالة لإسرائيل أفراداً ودولاً، ومهاجمة دولة شقيقة لم تكف يوما عن مد يد العون لهم دون منة أو ابتزاز !! تفرد لبنان بقوى تمارس اللعبة الديموقراطية بمنطق السلاح ومفردات العنف والتهديد بقطع الأيدي، مما ينذر بقدرتها على إشعال الحرائق ليس في لبنان وحده بل في أكثر من جبهة في المنطقة مادامت الأجندة قائمة ومدعومة بسيل الأموال النظيفة والشريفة، ما حدث في لبنان لم يكن بعيدا عما قام به جيش المهدي في العراق والحوثيون في اليمن، فتدفق الأموال كفيل باستقطاب كثير ممن لا يقيمون وزنا لأمن أوطانهم ولا يتوانون عن بيع أنفسهم في سوق النخاسة السياسية.
لقد تفرد بعض المسيطرين على الشأن اللبناني باختراع مقولة لا غالب ولا مغلوب فجعلوها قاعدة ونتيجة حتمية للصراع على الرغم من كل ما حدث، وهو قول ضد المنطق وضد طبيعة الأمور، فدائما هنالك غالب في مواجهة مغلوب، إذ ليس ثمة غالب – حسب القاعدة المعروفة – سوى من يملك ترسانة أسلحة يستخدمها عندما يُستفز أو يشعر بتهديد وجوده،، وليس ثمة مغلوب سوى الوطن والأبرياء وذوي الضحايا وأصحاب الممتلكات المدمرة والاقتصاد المنهار وغير ذلك مما خدش كرامة الدولة وعزتها. لكننا إذا اعتبرنا بخواتيم الأمور فإن من حرّض ومن اقتحم الشوارع فروّع وكسّر وحرّق وقتّل هو مغلوب لا محالة، لأنه أزال الأقنعة فظهر على حقيقته!!
وبالقياس نفسه فإن المغلوب أيضا هو الحزب الذي انكفأ إلى الداخل فتحول من مقاوم لعدو خارجي إلى محتل لعاصمة الوطن وعابث في النسيج الاجتماعي ومتورط في الصراعات السياسية والإقليمية، المغلوب هو من أصبح تابعاً ومنفذاً أجندة خارجية ظلت تحرض أتباعها على تخريب وطنهم وتكسيره على رؤوس كل الذين شقوا عصا طاعتها، فانقادوا طائعين لتنفيذ أوامرها حتى أوصلوا وطنهم إلى ما وصل إليه، المغلوب هو الذي ينصاع لتعليمات مخرب وحاقد عليهم قبل غيرهم فاستجابوا له ضاربين عرض الحائط بكل القيم العربية التي تأبى الاعتداء على الوطن وعلى الأبرياء وذوي القربى، وتقر بالمعروف لأهله، وتحترم الأخوة فلا تسلط نيران حقدها على سفارتهم وتهدد أبناءهم، وتصمهم بالخيانة والعمالة لا لشيء سوى أنهم قرروا أن يقفوا في وجه الظلم والعدوان، وأن يمنعوا المعتدين من مواصلة اعتدائهم حتى لا يتمددوا في طول المنطقة وعرضها، فلا كرامة ولا عزة لأمة لا تمنع الظالم عن مواصلة ظلمه. ما الذي جعل صداما يعتدي على الكويت فيحتلها بين عشية وضحاها سوى عدم التنبه لطغيانه وجبروته والسكوت عما كان يفعله في بلاده وبمواطنيه؟ الأمة التي لا تقول للظالم يا ظالم فقد تبرأ منها!!!.
لا أحد ينكر أهمية النظام الديموقراطي القائم على أحزاب ومؤسسات ديموقراطية، كما لا ينكر أحد حق الأفراد في اختيار ممثليهم وانتماءاتهم الحزبية، لكن لا أحد لديه قدر من الشعور الوطني والإنساني يقر بما تفعله الأحزاب المؤدلجة وأفرادها من حروب وزعزعة لأمن الأوطان أكثر بكثير مما يفعله أعداؤها، أحزاب وتنظيمات ينفلت عقالها لدن أي أزمة حتى لو تناهت في الصغر!!
والأمثلة على هذا أكثر من أن تحصى في العالم العربي إذ تقطّعوا(أمرهم بينهم زبرا، كل حزب بما لديهم فرحون).
إن السؤال الذي يطرح هنا وبقوة هو كيف قرر الطامعون بلبنان الموافقة بهذه السرعة فأعطوا الضوء الأخضر لأتباعهم للاستمرار في الحوار وصولا للاتفاق؟ فهل ثمة أثمان دُفعت ووعود قُطعت؟ أما وقد حدث الاتفاق فما الذي يضمن استئصال السرطان الذي استوطن الجسد اللبناني؟
من يضمن أن من أشعلوا لبنان نارا طوال السنوات الخمس الماضية ألا يعيدوا سيرتهم الأولى، فينقلوا ساحة الصراع إلى مكان آخر في المنطقة؟ وما الذي يمنع أن يكون ذلك في أي دولة عربية اخرى ماداموا يتكئون على مفهوم المقاومة التي صفق لها قوميو العرب وسلفيوهم عام 2006وصدقوها في غاية السذاجة؟ الآن وقد انكشف الغطاء وسقط القناع حري بهم أن يُسكتوا أبواقهم الناعقة بمفردات الكذب والتخوين، وأن يعيدوا قراءة الأحداث السابقة بتجرد، فما كل بيضاء شحمة ولا كل سوداء تمرة !!!
وأخيرا من يعوض الخاسرين، من يداوي جراح المصابين والمكلومين، من يمسح دموع اليتامى والثكالى والأرامل؟
alhassnaa_2000@yahoo.com
* الرياض
الى السيد الجرباوي يبدو من حديث السيد الجرباوي انه لا يرى الا النصف الفارغة من الكأس و غير مطلع للبته على نشاطات النشطاء و الاصلاحيين السعوديين ومن ضمنهم الدكتورة حسناء وبالتالي نحن لا نلومه شخصيا و لاكن نلوم جهله الفاضح بالنضال الذي يقوم به النشطاء و الاصلاحيين السعوديين على كافة الصعد والمهتم بشكل جدي يستطيع البحث و المعرفة، لاكن السيد و امثاله غير مهتم اساسا الا من باب اقصاء المثقفين السعوديين عن الاهتمام بالشأن العام وقول اراءهم عن اي موضوع و في اي مكان. للمثقف السعودي المتنور الحق في ان يتكلم و يقول رأيه في ما يحيط به سواء في… قراءة المزيد ..
لبنانُ كم أنتَ نسيجُ وحدكَالحري بالسعوديين والسعوديات من الليبراليين (أو هكذا يظنون ) أن ينكبوا على تخلف وظلامية وتأخر وبداوة ورجعية ومظالم وسودواوية وبدائية أكثر المجتمعات تخلفا وظلامية على وجه الأرض اليوم . نريد من السعوديين الذين يسمون أنفسهم بالتقدميين أن يكافحوا من أجل تصفية الجهاز الفضيحة (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وأن يخوضوا معارك المرأة لكي تقود السيارة وتسافر للخارج بمفردها وتشغل كل (مرة أخري : كل ) المناصب العامة وأن تتعلم مع الرجل فى فصول واحدة وليس فى ظل النظام الغبي الحالي … وأن تكون شهادتها فى المحاكم مماثلة ومساوية لشهادة الرجل ( هل يمكن أن يزعم… قراءة المزيد ..