صورة المقال: أيقونة “شهداء ليبيا”
كعادتنا، صُدمنا، فجعنا، ثم شجبنا واستنكرنا الاعتداء الإرهابي على كنيستين في مصر، الذي راح ضحيته عشرات المصريين الأبرياء، وهم يحتفلون بأحد الشعانين في واحد من أكثر أيام الأقباط قداسة.
السؤال العصي على الإجابة: لماذا نعود ونفاجأ في كل مرة يقوم أحدهم بتفجير نفسه في كنيسة أو مسجد أو حسينية؟ لماذا نغضب عندما يقوم مسلم بدهس عشرات البشر بسيارة استعملها كأداة قتل لكل مختلف
عنه؟ لماذا نُصدم؟ أليس هذا ما علموه لنا؟!
ألم يقف إمام في أطهر بقاع الأرض، وهو يدعو وملايين البشر خلفه تقول آمين: «اللهم عليك بالرافضة واليهود والنصارى.. اللهم مكِّن إخواننا المجاهدين من رقابهم»؟ ألم يظهر العشرات من مشايخ الفضائيات، وهم يدعون للجهاد ضد كل مختلف؟ ألم يُعلَّم أطفالنا في المدارس أن العالم كله مقسم إلى قسمين (نحن) خير أمة، و(هم) الكفار الأعداء؟ ألم نربط كل القيم الأخلاقية بالإسلام وكل ما عداه ضلال وسوء خلق وانحدار أخلاقي؟ ألم نعظم ذواتنا ونحقر الآخر لاختلافه عنا؟
إن كان الأزهر بجلالة قدره، وهو يعتبر الإسلام الوسطي، يدرس في مناهجه أن – للمسلم- «قتل مرتد وأكله»، وأن «أكل الميت حلال إن كان مسيحياً أو يهودياً أو كافراً»، وأن «للمسلم ــ كفاية لشر الكافر أن يفقأ عينه، أو يقطع يديه ورجليه»، وأنه يجب «تمييز دورهم (المسيحيين) بعلامات حتى لا يمر السائل عليهم فيدعو لهم بالمغفرة»، وأنه «بما أن الإساءة تقطع عروق المحبة فيجب الإساءة لهم وعدم الميل
القلبي لهم، وقطع عروق المحبة معهم».
أبعد هذا كله نُصدم؟
الصدمة «الأولى» أن نُصدم بها هي أنه كيف لنا أن ندرس كل هذا العنف والقتل والذبح والسحل وأكل المسيحي واليهودي، ونتجاهل الوثيقة التي وضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنصارى نجران عهداً لهم ولكل المتدينين بالمسيحية: «لنجران وحاشيتها، وسائر من ينتحل دين النصرانية في أقطار الأرض جوار الله، وذمة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، على أموالهم وأنفسهم وملتهم وغائبهم وشاهدهم وعشيرتهم وبِيَعهم وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير.. أَن أحمي جانبهم وأذبّ عنهم وعن كنائسهم وبيَعهم وبيوت صلواتهم ومواضع الرهبان ومواطن السياح، وأن أحرس دينهم وملّتهم أين ما كانوا بما أحفظ به نفسي وخاصّتي وأهل الإسلام من ملتي؛ لأني أعطيتهم عهد الله على أن لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين، وعلى المسلمين ما عليهم، حتى يكونوا للمسلمين شركاء فيما لهم وفيما عليهم».
اتخذت بعض الدول الإسلامية خطوات للحد من الخطاب العنصري المتطرف وجرمته، لكن هذا لا يكفي، فبالإضافة إلى منع وتجريم التطرف يجب علينا إدراج منهج التسامح وقبول الآخر في مناهجنا التعليمية وفي خطابات دعاتنا، وزرع روح التعايش على أساس المواطنة وليس على أساس دين أو مذهب. والأهم إعادة نبش الخطاب الديني من أجل تجديده وتنقيته من الشوائب وإعادة الإنسانية له التي جرده منها بعض المتأسلمين.
يقول العريفي: «لا شك أن تعلق النفس بالجهاد في سبيل الله ورغبة النفس بسفك الدم وسحق الجماجم وتقطيع الأجزاء دفاعا عن دينه، لا شك أنه شرف للمؤمن».
ويقول عبدالرزاق الجيران «كاذب من صلى بدم أخيه}.
d.moufti@gmail.com