“الشباب الأردني يُهاجم النظام”: تحت هذا العنوان تطرق لويس ليما في صحيفة “لوتون” الصادرة يوم 5 يونيو الجاري إلى التحركات الإحتجاجية غير المسبوقة التي نجحت بعد أسبوع في التعجيل باستقالة رئيس الوزراء الأردني. ونقلت عن حسين، أحد المسؤولين عن “الحراك الشبابي”، إحدى المجموعات النشطة المشاركة في الإعتصامات الليلية قوله: “إنه انتصار كبير لكنه ليس كافيا بعد. نحن نُطالب بإسقاط الحكومة بأكملها، ونريد بالخصوص، أن تأخذنا السلطة بعين الإعتبار”.
ولكن ما هو الحراك الشبابي؟ يُجيب الناشط الشاب عن سؤال الصحفي السويسري: “نحن رجال قانون ومهندسون وموظفون أو طلبة. ما يجمع بيننا هو أننا فهمنا جميعا أن النظام السياسي لا يُلقي بالا للمواطنين بالمرة. ولكن نحن هُمُ المواطنون!”
الصحيفة التي تصدر بالفرنسية في لوزان ذكّـرت بأن التحركات الشبابية سبق أن ظهرت في الأردن في سياق “مواسم الربيع العربية” لعام 2011، لكن التطورات المأساوية في جواره المباشر (حروب دموية في سوريا والعراق) والخشية من الإنزلاق في دوامة جهنمية وتدفق ملايين اللاجئين على المملكة إضافة إلى سطوة أجهزة الأمن الأردنية أدت إلى إسكات أي نوع من التململ أو المعارضة. في المقابل، تحولت إجراءات التقشف التي اشترطها صندوق النقد الدولي لمنح البلد قروضا جديدة والتي كانت ستؤدي إلى ترفيع كبير في الضرائب إلى إشعال فتيل الإحتجاجات.
الملك في وضع “غير مُريح”
ومع أن الشاب حسين وأصدقاءه يستشيطون غضبا إلا أنهم “ليسوا على استعداد للمخاطرة بتعريض استقرار الأردن للتهديد”، كما تقول الصحيفة التي تنقل عن حسين قوله: “نطلب من المشاركين تنظيف الشوارع بعد المظاهرات وأن يتصرفوا باحترام تجاه أفراد قوات الأمن. فهم أيضا أردنيون مثلنا وهم أيضا يرون أن ضرائبهم ترتفع وأن مستوى معيشتهم يتراجع”.
بصرف النظر عن الإحتجاجات التي تعصف بالمملكة، ومع أنه ليس مستهدفا بشكل مباشر من طرف المتظاهرين (الذين غابت عنهم الأحزاب السياسية والإسلاميون القريبون من جماعة الإخوان المسلمين)، إلا أن لويس ليما اعتبر أن “الملك عبد الله الثاني يجد نفسه في وضعية غير مريحة. فعلى الرغم من أن الأردن يُعتبر حليفا تقليديا مقربا جدا من الولايات المتحدة، إلا أن ترامب تجاهله تماما وخاصة لدى نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس… ومع أن الأردن يتمتع بمساعدة أمريكية بقيمة 900 مليون دولار في السنة إلا أن دونالد ترامب لم يُلمّح أصلا إلى الدور الذي تلعبه المملكة الهاشمية (بوصفها صاحبة الوصاية الدينية على الأماكن المقدسة الإسلامية في القدس)، وذلك على العكس من تعامله مع السعودية”.
أخيرا، ذكّرت “لوتون” أن 70% من سكان الأردن من أصول فلسطينية ولفتت إلى أن الطيف السياسي الأردني ظل لفترة طويلة مرآة عاكسة للإنقسام القائم بين الفلسطينيين والقبائل الأردنية (ذات الحظوة لدى العائلة المالكة)، إلا أنها أشارت إلى أن “الحراك الشبابي” يسعى أيضا إلى تجاوز هذا الإنقسام “حيث يضم في صفوفه شبانا فلسطينيين وأردنيين أصليين على حد السواء”.
جاهزية للحوار
في مقالة نشرتها نويه تسورخر تسايتونغ يوم 5 يونيو 2018 بعنوان “الملك الأردنيّ يضحّي برئيس حكومته”، عالج أولريش شميد مراسل الصحيفة في القدس الإحتجاجات والمظاهرات الّتي تشهدها الأردن منذ إجراءات التّقشّف الّتي أعلنت عنّها الحكومة في الأسبوع الأخير من شهر مايو المنصرم، أجرى فيها تحليلاً للوضع الإقتصاديّ للأردن، البلد الفقيرة الّتي يصعب عليها إلى اليوم إيجاد حلول عقلانيّة لمشاكلها الإقتصاديّة، إذ لا يتجاوز النّمو الإقتصاديّ فيها نسبة 2,5% وتصل نسبة البطالة في صفوف شبابها إلى 35% والتي “لا تزال غارقة منذ عشرات السّنين في الدّيون الّتي تساعدها بسخاء على سدادها المملكة العربيّة السّعوديّة والولايات المتّحدة ودول الخليج بشكل عام”، بحسب شميد.
بعد خروج عشرات آلاف النّاس إلى الشوارع ورفعهم لشعارات مندّدة بإجراءات التّقشف، من قبيل “لا تلمس مرتّبي”، جاء الرّد من طرف الملك الّذي حثّ رئيس الوزراء هاني الملقي على الإستقالة وحلّ الحكومة ونصّب عمر الرزّاز وزير التّعليم السابق على رأس الحكومة الجديدة. في هذا الصدد، يرى شميد أنّ ملك الأردن قد بعث بذلك بإشارة مزدوجة مفادها أولا، التّأكيد للشعب بأنّه يفكّر بهم ويهتم لأمرهم، ومن ناحية أخرى ومن خلال تنصيب الرزّاز رئيسا للوزراء، الرّغبة بإظهار وعيه بالواقع المرّ الّتي تمرّ به البلاد.
في مقالته، يشدّد شميد على صعوبة المهمة الّتي تنتظر رئيس الوزراء وعلى أنّ احتمال توصله لحلّ للوضع الإقتصاديّ الرّاهن للأردن ضئيل جدّاً، وأنّ الرزّاز لن يستطيع في نهاية المطاف التّراجع عن إجراءات التّقشّف تلك، إلّا أنّه يرى أن أهميّة هذا الرّد الملكيّ على غضب واحتجاجات النّاس وخروجهم إلى الشّوارع تكمُن في التّأكيد على أنّ “الرّغبة بالحوار قائمة” وقد تمثّل ذلك عمليّاً بطلب مجلس النواب من الملك السّماح بعقد اجتماع طارئ لمناقشة الأمر.
سويس أنفو