أيّاً كان المنتصر في سورية فإنّه خاسر بالضرورة. هذا ما خلص اليه مسؤول دولي انتقل قبل اشهر الى بيروت، لمتابعة الاوضاع السورية واللبنانية. ورغم تحفظه (منها اسباب وظيفية) عن اطلاق اي موقف حاسم لـ”البلد” في تقييم الاوضاع السورية ومستقبل الازمة في الآتي من الايام، اعتبر ان سورية “ستحتاج الى اكثر من خمس سنوات لتعيد بناء ما دمر، هذا اذا انتهت الأزمة اليوم”. فالنظام السوري لا يعاني من نقص في تدفق السلاح والمال ولا من نقص الدعم الدولي والاقليمي الفعلي، من روسيا وايران، ولا من التفاف داخلي تقوم به “الاقليات” وفّر له حداً من الشرعية الشعبية وقدرة على الصمود رغم انكفائه المتدرج وتصدّعه البطيء.
اما المعارضة وهي تواجه بطش “النظام الاقلوي والامني” بدأت تشهد صراعا في داخلها ذا بعد اجتماعي وجغرافي. فالثورة يقول المسؤول الدولي، هي ثورة مركزة في الارياف ولدى المهمشين، بينما النخبة الصناعية والتجارية وعائلات المدن التقليدية في دمشق وحلب عموما فلم تثبت بعد بنظر هؤلاء انخراطها في الثورة. ويراكم انعدام الثقة بينهما خوف لدى من يواجهون النظام في الميدان من ان تحصد النخبة هذه، ما سَقتهُ دماء الثوار في الارياف. ويضيف المسؤول الدولي: ثمة بعد آخر في عوامل تشتت المعارضة ايضاً يمثله تنافس نخب مدينتي دمشق وحلب.
ما يفاقم الأزمة هو ما يمكن وصفه بالترف الدولي حيال التفرج على عملية تدمير سورية، الذي ينطلق من ثابتة اميركية لا انزياح عنها، أكدها مصدر دبلوماسي أميركي كبير مقره في واشنطن لـ”البلد”، مفادها ان “الادارة الاميركية، ستشهد دينامية سياسية تجاه سورية بعد الانتخابات الرئاسية وفي معزل عن هوية الرئيس الجديد، لكنها لن تفضي الى تدخل عسكري اميركي او غربي في سورية، اذا لم تهدد الأزمة السورية المصالح والامن الدوليين”. والتهديد بالتعريف الاميركي هو ما يمس المصالح الاميركية المباشرة في المنطقة، ومنها استخدام السلاح الكيميائي من قبل النظام السوري او تسريبه إلى جهات ارهابية. والعنصر الاهم “تهديد أمن اسرائيل”.
وبما أن النظام السوري وحلفاءه ملتزمون هذه الثوابت، فلن تتجاوز الادارة الاميركية الدعم السياسي أو المعنوي للثورة السورية على ما يبدو. رغم ان الدبلوماسي الاميركي نفسه اتهم ايران وروسيا بالتدخل العسكري واللوجستي دعما للاسد في مواجهة مناوئيه، معتبرًا أن هاتين الدولتين تطيلان عمر الأزمة. لكن اللافت في كلام الدبلوماسي الاميركي هو نفيه ان تكون الادارة الاميركية في موقع الحؤول دون دعم اطراف المعارضة السورية بالمال والسلاح والعتاد من قبل دول خليجية وعربية وغير عربية، مشككا في كل ما قيل عن منع اميركي للمملكة العربية السعودية او دولة قطر بتفعيل الدعم للمعارضين السوريين بكل اشكاله.
الدبلوماسي الاميركي المتخصص بمنطقة الشرق الاوسط يستبعد ان تقوم الولايات المتحدة بالمشاركة او المساهمة في ايجاد منطقة حظر طيران او منطقة عازلة في سورية، معتبرا ان مثل هذه الخطوة يجب ان تتم على قاعدة قرار اميركي بالتدخل حتى النهاية. ولفت الى ان الادارة الاميركية لا يمكن أن تقوم بنصف تدخل او ربع تدخل، فإما تدخل عسكري يستبطن استعدادًا لتدخل كامل او لا تدخل. وهذا غير وارد اميركيا.
الدبلوماسي نفسه يشير الى جهد سياسي مضاعف سيتركز اميركيا في المرحلة المقبلة على جمع المعارضات السورية ومساعدتها على توحيد جهودها، معتبرا ان مؤتمر المعارضة السورية الذي تستضيفه قطر (للمجلس الوطني ثم لاجتماع معارض موسع قد يمهد الخميس لحكومة انتقالية) سيشكل اختبارا لجهود متنوعة على هذا الصعيد نافيا وجود موقف اميركي نابذاً للمجلس الوطني السوري، بل موقف داعم لتكامل المعارضات وتوحدها.
ما يمكن الخلوص اليه ان الادارة الاميركية لا تجد ما يفرض تدخلها عسكريا في سورية، كما ليس هناك ما جعلها تسارع الى جمع المعارضة السورية بشكل واضح خلال المرحلة الماضية من الثورة، كما فعلت مع المعارضات العراقية الموزعة آنذاك بين ايران وسورية والخليج واوروبا في العام 2001 وقبل غزوها العراق وبرعاية سفيرها الشهير خليل زادة.
لذا فالمؤتمر المنعقد في الدوحة للمعارضين السوريين وان كان اختباراً لوحدة المعارضة السورية هو بالضرورة سيترجم مدى نضوج موقف عربي ودولي للخروج من المراوحة السورية المدمرة. هو خروج الثابت فيه ان ليس فيه تدخل عسكري اميركي او اوروبي.
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
البلد