تسود الساحة اللبنانية هذه الايام، وبعد استفحال الاستعلاء الحزب الهي وملحقاته في التيار العوني، حالة ذهول ناجمة عن محاولة ادعياء الحق الالهي في كل شيء استغباء ذكاء اللبنانيين واستغباء ذاكرتهم واحالتهم الى مجرد متلقين لاوامر وهواجس قيادات الحق الالهي.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، عندما اوقف قائد القوات اللبنانية سمير جعجع بتهمة تفجير كنيسة سيدة النجاة ، اكتشف القاضي عدنان عضوم يومها ان لا علاقة لجعجع بالتفجير الا انه اصر على الاحتفاظ به في السجن، ونشطت الاجهزة الامنية اللبنانية والتحقيقات لكشف آلية اصدار وتنفيذ الاوامر في القوات اللبنانية، ليخلص عضوم حينها، الى ان جعجع مسؤول عن تفجير الكنيسة حتى لو لو يكن هو من اعطى الامر،(مع التحفظ على تحقيقات تلك الحقبة الحالكة من تاريخ القضاء اللبناني). وهذا استدعى اعادة فتح ملف الاعمال التي قالوا ان جعجع وقواته ارتكبوها، ما مثّل حينها انتهاكا لمندرجات قانون العفو، وتم حل حزب القوات اللبنانية وباقي القصة معروفة.
اليوم وبعد ان اطلق عنصر من حزب الله النار على قائد مروحية للجيش اللبناني، لا نطالب بأقل من معرفة كيفية انتقال واصدار الاوامر في حزب الله. وفي القضاء اللبناني سابقة وهناك اجتهادات قانونية جمة تضم آلاف الصفحات من وضع محامين ومدعين عامين افضت الى حل حزب القوات اللبنانية. وللعلم هذه الاجتهادات صدرت من حلفاء الحزب الالهي وهي بالتالي لا تحتاج الى مصادقة من احد، خصوصا من الحليف السوري الذي شكروه على كل شيء حتى واقعة حل حزب القوات اللبنانية.
ولان الشيء بالشيء يذكر، وان كانت واقعة حل حزب القوات اللبنانية قد اوغلت في الزمن القريب، نعود بالذاكرة الى احداث مار مخايل عين الرمانة، وهي اقرب، منذ اقل من سنتين، حين كان المقاومون الشرفاء يعيثون فسادا في الشوارع والاحياء، لان الكهرباء التي لا يدفعون ثمنها مقطوعة عنهم اسوة بسائر اللبنايين. علما ان وزير الطاقة يومها كان المقاوم الشريف محمد فنيش. وعندما استدرج المقاومون عناصر الجيش اللبناني باستفزازاتهم التي لم تنته يومها، وحاولوا الاستيلاء على سلاح عناصر الجيش، فاطلقوا النار على العابثين بالامن فسقط منهم قتلى (شرفاء)، ثارت ثائرة اصحاب الحق الالهي وراحو يطالبون بتحميل المسؤوليات وصولا الى قائد الجيش الرئيس الحالي. وطبعا لم تغب عن بالهم التوصيفات، من ان العملاء والمندسين قتلوا المقاومين الشرفاء البسطاء المحرومين من الكهرباء، وطالبوا بمحاسبة جميع عناصر الجيش في الواقعة وكان لهم ما ارادوا.
وحين اطلق مقاوم شريف، عنده من العمر عشرون سنة، النار عن طرق الخطأ على الطوافة، اصبح الحادث عرضيا، وممكن الحصول مع اي جيش، ولماذا هذه الضجة فهذا المقاوم الشريف تصرف من بنات عقله، وكان مستنفرا لوحده في براري “سجد”، يتظر المروحيات الاسرائيلية ليطلق عليها رصاصتين ترديان قائدها فقط. انه حقا لمقاوم شجاع تُحترم جرأته، وكم هو ضنين بالذخيرة التي بحوزته، ليطلق على مروحيةاسرائيلية طلقتين فقط، كانتا كافيتين لاختراق قلب قائد المروحية، الذي تبين لاحقا انه لبناني، وان المقاوم الشريف التبس عليه الامر ووجد نفسه في السجن بدلا من ان يكون في جنة سمير القنطار وعلى خشبات المسارح في الضاحية الجنوبية يحتفلون ببطولته.
وبالمناسبة، نعيد اصحاب الحق الالهي الى تصريحاتهم ونحن كلبنانيين نصدقهم لا بل ونثق بشفافية مقاومتهم وسيدها وقادتها بالجملة والمفرق. لا نطلب منهم اكثر من التزامهم بتصريحاتهم و‘حالة مطلق النار ومن كان في الموقع ومن اصدر اليه الامر وصولا الى اعلى المراتب. هم قالوا ذلك، الا يريدون منا ان نبقى اوفياء لهم، فالوفاء لا يحتمل ازدواجية معايير.
ولان الشيء بالشيء يذكر، كان لافتا حديث الرئيس السوري بشار الاسد عن الرئيس اللبناني ميشال سليمان وطريقة توجيهه اليه بالامر لنشر مزيد من عناصر الجيش اللبناني في طرابلس شمال لبنان، وسكوت العماد سليمان عن هذا الامر، والقصر الجمهوري اللبناني. هذا الامر اعادنا بالذكرة الى الزيارة الاولى للرئيس اللبناني الاسبق اميل لحود الى سوريا ، مع ما صاحب تلك الزيارة من آمال لبنانية كانت معقودة على لحود، وخطاب قسمه الذي تهدد وتوعد من خلاله من قطع ايادي وما سوى ذلك.
في هذه الزيارة، كانت حركة واحدة من الرئيس السوري حافظ الاسد يومها كافية للقضاء على آمال اللبنانيين وهي عندما احتضن على ارض المطار في دمشق نظيره اللبناني وربت على وجنتيه كانه احد ابنائه وليس نظيرا له.
ان اكثر ما يخشاه اللبنانيون حاليا ان تكون اوامر بشار لرئيسهم الحالي شبيهة بتلك الحركة من والده مع ما استجرت وراءها من سنوات تسع عجاف لا يأملون في ان تكوت السنوات اللاحقة من العهد الحالي على شاكلتها!
kricha@radiosawa.ae
• كاتب لبناني – دبي