اثار الكشف عن الاستراتيجية النووية الاميركية الجديدة العديد من ردود الفعل داخل مراكز القرار الايراني، وبالتحديد داخل المؤسسة العسكرية والقيادة المركزية لقوات حرس الثورة الاسلامية التي تعتبر نفسها رأس الحربة في اية حرب مقبلة ضد ايران، خصوصا بعد المواقف التي اطلقها الرئيس الاميركي باراك اوباما في المقابلة التي اجراها مع صحيفة “نيويورك تايمز” وهدد فيها ايران وكوريا الشمالية بشكل غير مباشر بهجوم نووي عندما قال: “لدينا نية في طمأنة الاخرين بأننا قادرون على التحرك من دون اللجوء للسلاح النووي، وقدرة الاسلحة التقليدية على الردع مؤثرة، باستثناء بعض الاوضاع المعقدة كثيرا”، واضاف مباشرة: “ان ايران وكوريا الشمالية لن تدخلا في اطار الاستراتيجية الجديدة”، أي التقليل من امكان استخدام الاسلحة النووية ضدهما.
وقد توقفت القيادة العسكرية للحرس الثوري امام تصريحات وزير الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون ووزير الدفاع روبرت غيتس الداعمة لمواقف اوباما. هذا اضافة الى الشرح والرؤية التي قدمها غيتس امام البنتاغون وتحدث فيها عن العقيدة النووية الجديدة لاوباما وميثاق “اعادة النظر في الحالة النووية NPR”، عندما قال بصراحة ان اميركا ستستخدم كل الخيارات في التعاطي مع إيران. واضاف ان ادارة اوباما تلتزم بعدم استخدام السلاح النووي ضد الدول التي لا تمتلك رؤوسا نووية باستثناء إيران.
وبناء على عقيدة اوباما النووية وخطاب غيتس، تعتقد الاوساط السياسية والعسكرية في طهران ان العقيدة النووية الجديدة لاميركا على علاقة بالتهديدات التي تطلقها اسرائيل ضد إيران، وأن ميثاق “اعادة النظر في الحالة النووية” قد كتب بتأثير من النظرة الامنية لاسرائيل. ويعتقد الايرانيون ان الاعلان عن الاستراتيجية النووية الاميركية الجديدة يكشف عن امكان ان تلجأ تل ابيب للبدء بهجوم ضد المنشآت النووية الإيرانية في حال رفضت الاخيرة وقف انشطة تخصيب الأورانيوم. وان الادارة الاميركية من خلال هذه المواقف تسعى لفرض معادلة رادعة لمواجهة أي رد فعل ايراني ضد اسرائيل او القوات الاميركية في حال وقع هذا الهجوم.
وتعليقا على ذلك تؤكد القيادة العسكرية الإيرانية بأن الردع الذي تبحثه اسرائيل واميركا، لا يمكنه ان يطلق العنان لاسرائيل بالهجوم على إيران ولا يمكن ان يمنع إيران من الرد على الاسرائيليين.
وتطرح القيادة الايرانية سؤالا مفاده: هل كان لاسرائيل دور في استثناء إيران من الحصانة التي تضمنتها الاستراتيجية النووية الجديدة لاميركا؟ وفي الرد على هذا السؤال تتوقف هذه القيادة الايرانية امام نقطتين:
1 – وجود امكان كبيرة بأن تكون اسرائيل قد لعبت دورا في صوغ هذه الاستراتيجية. فعلى الرغم من الجهود التي تبذلها تل ابيب لدفع مجموعة دول 5+1 لفرض المزيد من العقوبات المتشددة ضد إيران، الا ان الاسرائيليين يشككون بفاعلية وقدرة هذه العقوبات وامكان تأثيرها على الموقف النووي لإيران، اضافة الى عدم رغبتهم في حصر التصدي للانشطة الايرانية فقط في المجالين الاقتصادي والسياسي.
وترى هذه القيادة انه على الرغم من ان اسرائيل تلقت في السنوات الثلاث الاخيرة هزيمتين قاسيتين وغير مسبوقيتن من “حزب الله” في لبنان و”حماس”، وان موقعها العسكري تعرض لخطر حقيقي، لكن وبسبب الطبيعة العدائية لاسرائيل والجرائم التي ترتكبها بحق الشعب الفلسطيني واحتلال اراضيه، فانها تؤمن دائما بالعقيدة العسكرية وتعتقد بأنها قادرة على تحقيق ما تريد عبر اللجوء إلى العمل العسكري.
انطلاقا من هذا فإن اسرائيل تسعى دائما للابقاء على هذا الخيار مفتوحا، وبما انها غير قادرة على تنفيذه بمفردها، فانها تحاول فرض التزامات على الادارة الاميركية في اطار هذا الهدف.
2 – في حال لم يكن لاسرائيل دور مباشر في صوغ هذه الاستراتيجية، فإن ما جاء فيها يلبي مطالبها وارادتها، وقد ابدت رضى تاما عن كيفية صوغ هذه الاستراتيجية. لانها تركت الباب امامها مفتوحا لتحقيق ما تريد، وهي قادرة بالعودة اليها والتمسك بما جاء فيها، ان تمارس ضغوطا اكبر على الادارة الاميركية للتصدي لايران.
طمأنينة تفتقر لضمانات
وبناء على ما ورد، فان القيادة العسكرية الايرانية تعتقد ان توقيت الهجوم العسكري الاسرائيلي ضد ايران، سيحدث عندما تطمئن اسرائيل:
1 – بأن الردع الاميركي سيكون حائلا دون الرد العسكري الايراني ضدها.
2 – بأن تدخّل اميركا عسكريا حتمي بعد الرد الايراني على الهجوم الاسرائيلي.
وتعتقد هذه القيادة بان الردع الذي يدور الحديث عنه، ليس من المسائل التي تمتلكها اميركا مئة في المئة لكي يكون بقدورها طمأنة اسرائيل بشكل كامل. وفي افضل الحالات، أي في الوقت الذي تكون فيه كل الامور متطابقة مع الرغبات الاميركية، فإن قدرتهم على تقديم ضمانات رادعة لا تتعدى الخمسين في المئة بناء على رد فعلهم، ولن يكون بمقدورهم السيطرة على الخمسين المتبقية لانها ستكون في دائرة القرار والسيطرة الايرانية.
وعندما لا تكون ايران تحت السيطرة بناء على استراتيجية الردع هذه، فإن الخمسين في المئة من الردع التي تملكها اميركا ستكون بلا قيمة الى الحد الذي تفقد فيه استراتيجية الردع موضوعيتها. وان توزيع وتقسيم خيار الردع بين ايران واميركا لن يمنحا اسرائيل لا ببساطة ولا بصعوبة امكان اللجوء الى الخيار العسكري ضد ايران ومخاطره. بناء عليه فان امكان الثقة بخيار الردع من قبل اسرائيل غير ممكنة، وفي النتيجة فان ما جاء في الاستراتيجية النووية الجديدة غير مجد.
لكن امكان ان تقوم اسرائيل بهجوم عسكري ضد ايران يبقى قائماً، ويمكن متابعته من خلال فرضية اخرى، وهي ان تتجاوز اسرائيل موضوع الردع، وان تقوم بالهجوم على ايران على أمل ان تجبر اميركا على الاشتباك معها ايضا على الرغم من علمهما بالرد الايراني.
تدمير الذات
اذا عقدت اسرائيل الآمال على هجوم عسكري اميركي ضد ايران بعد الرد العسكري الإيراني على اسرائيل، فان ذلك يعني قيام اسرائيل بتدميرنفسها بسبب الخطأ الكبير الذي سترتكبه في حسابات الامر وتقديراته.
وترى هذه القيادة انه وبالعودة الى موضوع الردع يظهر ان الشيء المهم لاسرائيل هو صون نفسها مقابل أي رد ايراني، في حين ان مثل هذه الخطوة المفترضة أي – الهجوم على ايران مع العلم بالرد القطعي الايراني – تقع في الجهة المقابلة لموضوع الردع الذي يحظى بأهمية قصوى لدى اسرائيل اكثر من أي شيء آخر. وهنا فإن معظم الخبراء العسكريين يقرون بأن قدرة ايران العسكرية والتدميرية هي في اعلى مستوياتها واتساعها، بحيث انها تشمل وتطاول كل الاراضي المحتلة، ولن يكون أي مكان من جغرافية الاراضي المحتلة بعيدة عن الاستهداف الايراني، وان ايران بالاستفادة من حجم سلاحها البعيد المدى قادرة في مدة قصيرة ان تحول الاراضي المحتلة خرابا. ان قدرة ايران على القيام بمثل هذه العمليات متنوعة ومعقدة بحيث ان دخول الاميركيين في هذه المرحلة سيكون غير مجد ولن يساعد في تقليل الخسائر التي ستلحق بالاراضي المحتلة. ان نتائج مثل هذه الفرضية ستكون انهيار عوامل متعددة ومؤثرة.
واذا توقفنا عند كل واحد منها، فانها في النهاية ستكشف عن انهيار اسرائيل واضمحلالها، ويصبح من الصعب جدا العودة بها الى الوضع السابق. ولن يكون مهما بعد القضاء على اسرائيل ما سيحدث بين ايران واميركا، المهم هو القضاء على اسرائيل، وهو امر سيتحقق بالتأكيد.
ان مجرد التفكير بامكان تدمير اسرائيل هو تفكير مرعب ومرّ للاسرائيليين ولا يرغبون حتى بالتفكير فيه او الاقتراب منه كفرضية او احتمال. وعليه فان ” تدمير الذات” في الظروف الطبيعية والعادية لا يمكن ان يكون خيارا اسرائيليا، وهم يعرفون ان اللجوء الى هذا الخيار سيشكل النهاية التاريخية لدولتهم.
تأويل وتفسير مفهوم الردع
وتعتقد القيادة الايرانية ان العقيدة العسكرية الاسرائيلية حتى العقدين الماضيين كانت تقوم على تفوق قدراتها العسكرية على القدرات العسكرية لايران، وانه على الرغم من البعد الايديولوجي في التركيبة الايرانية، فان هذه القدرات اصيبت بخسائر كبرة وتعاني ضعفا بسبب ما لحق بها جراء الحرب.
اما اليوم فقد تغيرت العقيدة الاسرائيلية تجاه ايران، وقد ادرك القادة الاسرائيليون وبطرق مختلفة مدى ما وصلت اليه القدرات العسكرية الايرانية. ونتيجة هذه المعرفة، ادركوا انهم غير قادرين بمفردهم على مواجهتها عسكريا، وقد سعوا على مدى سنوات طويلة الى ربط انفسهم باميركا كمدافع عنهم وداعم لهم في أي مواجهة عسكرية محتملة مع ايران.
ان دخول الكيان اسرائيل في اطار منظومة الدعم العسكري الاميركي في اعتقاد القيادة الايرانية يأخذ بعدين؛ من جهة سيساهم ظاهريا في رفع قدراتها العسكرية، وتوظيف القدرات العسكرية الاميركية في اطار قوة الردع الخاصة باسرائيل، ومن جهة ثانية، سيؤدي الى خسارة الاستقلالية في القرار العسكري الاسرائيلي.
وتعتقد هذه القيادة ان الولايات المتحدة ستدخل الى جانب اسرائيل في أي حرب قد تشن ضدها من قبل أي دولة، لكن في المقابل فان امكان ان تنساق واشنطن الى أي حرب قد تشنها اسرائيل ضد أي من الدول هو امكان ضعيف، اذاً من الممكن ان لا تكون المصالح التكتيكية لاميركا مشتركة مع اسرائيل. وفي هذه الحالة فإن اسرائيل وبسبب ارتباطها بالجانب العسكري الاميركي لا يمكنها العمل باستقلالية وانفراد وان تتوقع دعما ومساعدة من اميركا.
عندها تكون قوة الردع الاميركية التي تعتمد عليها اسرائيل والتي برزت في الاستراتيجية النووية الجديدة، حسب القيادة العسكرية الايرانية، معرضة للتأويل والتفسير، أي ان هذه القوة ستشكل حائلا امام أي خطوة عسكرية فردية اسرائيلية، وقد لا تتطابق الاهداف الاسرائيلية بالهجوم مع ما تريده اميركا. وأي هجوم عسكري اسرائيلي ضد المنشآت النووية الايرانية قد يحقق الاهداف الاسرائيلية، لكن الرد الايراني ضد اسرائيل ودخول اميركا في حرب مفترضة او احتمالية سيعرض مواقعها في كثير من نقاط المنطقة للخطر، وفي حال لم تعطِ اسرائيل لهذا الموضوع أهمية كبيرة، واذا كان المهم لدى القيادة الاسرائيلية الهجوم على المنشآت النووية الايرانية بغض النظر عما سيلحق باميركا، فإن الردع الاميركي سيكون مركزا على منع اسرائيل من التحرك، وهذا سيعني ان تفقد اسرائيل حرية العمل العسكري.
عدم فائدة الحرب التقليدية
وتعتقد القيادة الايرانية انه بناء على ما تقدم، اذا لجأت اسرائيل لاعتماد خيار “تدمير الذات” وقبلت به، عليه يجب اجبار اميركا على الدخول في عداء مع ايران ولو كان ثمن ذلك زوال اسرائيل، عندها سنكون امام واحدة من الفرضيتين التاليتين:
أ- اما الدخول في حرب تقليدية.
ب – وإما الدخول في حرب غير تقليدية.
في الحرب التقليدية، سيكون الاميركيون مجبرين على اتباع اسلوب الحرب نفسه الذي اتبعوه في افغانستان والعراق. وبما ان الوضع الاميركي الحالي يختلف بالكامل عن الوضع السابق، وايران ليست العراق ولا افغانستان، ومع الأخذ في الاعتبار ان اميركا تعاني وضعا حرجا وغير مستقر بعد 7 – 8 سنوات حرب في العراق وافغانستان ولا تمتلك أي رؤية واضحة لمستقبل هذين البلدين، لذا يبدو من غير المنطقي الدخول في حرب جديدة تعلم اميركا ان نسبة النجاح فيها ضئيلة جدا بالمقارنة مع الحربين السابقتين، وان اثارها وتكاليفها ستكون اكبر بكثير. من ناحية اخرى قد يكون زوال اسرائيل خارج تحمل اميركا وقد يجبرها على اتخاذ رد فعل، وبما ان اللجوء الى الحرب التقليدية لا يضمن لاميركا النصر ولا باستطاعتها ذلك، فان الاحتمال الاكبر هو اعتماد الحرب غير التقليدية.
الحرب غير التقليدية
ليس مهما متى وفي أي مرحلة ستلجأ اميركا لاعتماد اسلوب الحرب غير التقليدية في سياق الحرب المحتملة بين إيران واسرائيل، اما المهم فهو التصرف الذي سيبدر منها في مواجهة مثل هذا الاحتمال والذي سيكون مؤثرا على مقولة الردع. وعندما يصل الاميركيون إلى نتيجة بأنه من خلال تهديد إيران بهجوم نووي فان إيران ستتنازل وتتراجع عن مواقفها، عندها يكونون قد حققوا انتصارا لحساب معادلة الردع التي اعلنوا عنها. اما اذا لم تتراجع إيران عن مواقفها على الرغم من التهديد بهجوم نووي، فسيكون امام اميركا احد طريقين: اما اللجوء إلى ضربة نووية او عدم اللجوء إلى ذلك. وفي هذه الحال سيكون لدى إيران ايضا احد خيارين: اما الاستسلام او عدم الاستسلام. والاختيار الإيراني سيحدد الاختيار الاميركي. ولكن من المتيقن ان خيار إيران سيكون مبنيا على المسار التاريخي وستكون عاشوراء والامام الحسين خلفية هذا الخيار. وبناء على الاختيار الإيراني فان اميركا ستكون مجبرة على التراجع، لان هجوما نوويا سيكون له انعكاسات على اميركا والعالم، وعليه يبدو ان اسرائيل وخصوصا اميركا غير راغبتين بان تصل الامور إلى هذا المستوى.
وهنا تقول القيادة العسكرية الإيرانية ان مستوى الاستعداد لدى القوات المسلحة الايرانية وقدراتها ستلعب دورا اساسيا في تحديد ابعاد أي صراع محتمل وتحديد آثاره.
(مراسل سابق لـ”الحياة” في طهرانوصحافي في قناة “العربية”)
كيف يفكر الحرس الثوري في المواجهة ؟
تركيا الى الان لم تصنع ولم تدعم الميليشيات الطائفية المسلحة او غيرها بعكس النظام الايراني الميليشي الطائفي الفارسي الذي يدعم الطائفية النتنة في العالم وخاصة العالم العربي فانشا الميليشيات الطائفية المسلحة باسم الغيبيات تارة كالمهدي اوال البيت او المقاومة او الممانعة تارة اخرى والتي ادت الى تدمير العراق ولبنان ثم ان النظام السوري تخلى عن لواء اسكندون في سبيل بقاء نظامه الشمولي المخابرتي الذي يستخدم قوانين الطوارىء من اجل سحق الشعب السوري وقبوله بكل شيء يملى عليه من قبل الحزب الحاكم اللاديمقراطي.