بيان
منذ بداية الانتفاضة السورية عام 2011، ثمة محاولات حثيثة لدفع المسيحيين إلى تأييد النظام السوري؛ وذلك بذريعة مفادُها أن سقوط هذا النظام من شأنه ان يُسقِط سوريا في ايدي متطرّفين إسلاميين. إن أصحاب هذه الدعوة يتجاهلون تماماً الدور الرئيس الذي لعبه النظام السوري في اندلاع الحرب اللبنانية وتأجيجها، كما يتستّرون على مسؤوليته عن المأساة السورية الراهنة، والتي ذهبَ ضحيّتها حتى الآن ما يزيد عن 200 ألف مواطن، وأدّت إلى نزوح ستة ملايين شخص داخل سوريا وفي اتجاه لبنان والأردن وتركيا.
إن هذه الدعوة تشكل تهديداً خطيراً لمستقبل المسيحيين، لأنها تجعلهم شركاء في جريمة ضد الإنسانية، أدانتها الأسرة العربية والمجتمعُ الدولي بأشدّ العبارات، كما من شأن هذه الدعوة ان تطعن في تاريخهم المشرّف دفاعاً عن الحرية وكرامة الإنسان، حين يجدون أنفسهم اليوم مدفوعين إلى مناصرة الجلاّدين ضد الضحايا!
وهذه الدعوة تعرّضهم إيضاً لمجازفة التحوّل من جماعة معنيّة بمستقبل لبنان والمنطقة باسرها، إلى مجرّد أقليّة تحصر اهتمامها في الدفاع عن “حقوق” خاصة، الأمر الذي سيدفع بهم إلى هامش التاريخ الذي تُعادُ صياغتُه اليوم في المنطقة العربية، علماُ أنهم كانوا – بربيع بيروت 2005 – طليعةَ العالم العربي في كسر شوكة الاستبداد وفي الانتصار لقضية الحرية وكرامة الانسان.
كيف يحمي المسيحيون أنفسَهم من الأخطار المُحدِقة؟
إن طريق الخلاص الوحيد، للمسيحيين كما للمسلمين في لبنان، هو في أن يخوضوا معاً معركة سلام لبنان الدائم.
وفي هذا السبيل عليهم أن يتحركوا قبل فوات الأوان، من أجل:
أولاً: أن يضعوا حداً لاستخدام الدين لمآرب سياسية، وأن يفرضوا الاعتراف بهم كمواطنين في دولةٍ محرّرة من الإكراهات الطائفية، دولةٍ مدنية قائمة على الفصل بين الدين والدولة كما نصّ على ذلك اتفاق الطائف، توفّر لمواطنيها حقوقاً متساوية.
ثانياً: أن يفرضوا حقّهم في العيش بسلام، في بلدٍ لا يتعرّض باستمرار للتهديد من قبل الدول المجاورة؛ وذلك بإعلان حياد لبنان – كما أشار “إعلان بعبدا” – وبتطبيق القرارات الدولية التي تردُّ للدولة اللبنانية حقّها الحصري في استخدام القوة المسلّحة على أراضيها، هذا الحقّ الذي فقدته منذ العام 1969 مع “اتفاقية القاهرة”.
ثالثاً: أن ينهضوا معاً لمواجهة المتطرّفين على اختلاف مشاربهم، أكان هؤلاء من دعاة العنف في بلادنا باسم الإسلام أو داعمين في الغرب للديكتاتورية السورية ذُعراً من الإسلام والمسلمين… وأن يعملوا معاً، مسيحيين ومسلمين لبنانيين، لتعزيز ثقافة السلام والعيش المشترك في مواجهة ثقافة العنف والإقصاء التي ما تزال تُلقي بثقلها الفادح على مجتمعنا.
رابعاً: أن نقوم جميعاً بمراجعةٍ في العمق لتجربة الحرب، من أجل استخلاص دروسها، وتنقية الذاكرة، كي نعانق مستقبلنا الواحد بثقة وطمأنينة، ونتمكن من التنعُّم بحلاوة العيش التي يُتيحها التنوّع الفذّ في مجتمعنا، وقدرةُ هذا المجتمع الاستثنائية على احتضان التفاعل الإنساني بين مكوّناته، كما على التواصل مع العالم.
خامساً: أن نبادر إلى حوارٍ وتفاعلٍ وتفاهم مع السوريين المكافحين على درب الحرية والكرامة، لتصحيح العلاقة مع سوريا، سوريا المستقبل، وللسعي معاً نحو مشرقٍ جديد، “مشرق العيش معاً”، المعافى من عنفٍ استوطنه سحابةَ ستين سنة، والقادر على الوصل مع تراث “النهضة العربية الحديثة”، ليشكّل قطب تجدُّدٍ وتنوير لمجمل العالم العربي.
بيان
بيروت في 13-9-2013