الإرهاب، ثمرة الكراهية، كراهية الحياة، كراهية الحضارة والعصر، كراهية المجتمع والدولة، كراهية الاحياء.
هؤلاء الشباب الذين تحولوا الي ادوات فتك وقنابل بشرية، هم ابناء ثقافة الكراهية هم نتاج ثقافة متزمتة وايدلوجية متعصبة لاتقيم وزناً للحياة ومباهجها وزينتها والتي هي عطية الخالق عز وجل.
ومهما تحدث المنظرون عن العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية التي تدفع هؤلاء لتفجير انفسهم الا انها في النهاية ترجع الي عامل رئيسي واحد هو ثقافة الكراهية .
هؤلاء الشباب الذين هم في عمر الزهور، الذين انقلبوا علي مجتمعاتهم ناقمين كارهين مفجرين، هم ابناؤنا الارهابيون، تربوا في احضاننا، ورضعوا من ثقافتنا، وتعلموا في مدارسنا وتفقهوا في رحاب منابرنا الدينية وفتاوي مشايخنا وعلمائنا، فما الذي جعلهم يفضلون الموت علي الحياة؟! لاجواب عندي سوي اننا اخفقنا في تحببيهم في الحياة علمناهم ان يموتوا في سبيل الله ولم نعلمهم ان يحبوا ويعمروا وينتجوا ويسعدوا مجتمعاتهم في سبيل الله.
علمناهم ان الوطنية منازلة امريكا ومقاومة الاستعمار ولم نعلمهم ان الوطنية حب وولاء وانتماء للوطن هؤلاء ضحايا ثقافة الكراهية ولذلك فهم من مسؤولياتنا الدينية والاخلاقية والوطنية ولايعفينا ان نرد انهم فئة ضالة او منحرفة انها مسؤولية مناهجنا التي لم تحصنهم ومنابرنا الدينية التي لم تقو مناعتهم امام فيروسات الكراهية نتساءل ويتساءل كثيرون: لماذا معظم الارهابيين مسلمون؟! ولماذا يرهب هؤلاء مجتمعاتهم والعالم باسم الاسلام؟! وننسي ان ينابيع ثقافة الكراهية المسمومة لازالت تسقي شجرة التعصب والتحامل كما قال راشد المبارك في فلسفة الكراهية كيف لايتطرف هذا المخلوق البائس المسمي بالانسان العربي والمسلم وهو محاط بمناخ عام من الغلو والتشدد ومكبل بسلسلة من قيود القمع والمنع وحلقات من مفاهيم التخويف والترهيب من عذابات لاتكاد تنتهي تلاحق هذا المخلوق من مولده حتي مماته بدءا بعذاب القبر وتحذيرات مشددة من مكائد الاعداء المتربصين بالاسلام والمسلمين وقائمة طويلة من المحرمات التي جعلت هذه الحياة الرحبة والتي هي نعمة الخالق سجنا كئيبا يود المرء ان يفر منه الي الجنة وحورها وكأن كل هذا غير كاف حتي نعمد الي شرطة دينية تلاحق الناس وتقيد حرياتهم وتتجسس عليهم وتتدخل في خصوصياتهم فكيف لاتشيع مظاهر التوتر والقلق في النفوس؟! اسلامنا مع اشاعة البهجة ومظاهر السرور واسعاد الانسان ورسولنا رحمة مهداة وما خير الا اختار الأيسر والأوفق للناس وقرآننا مع رفع الحرج والضيق والعنت ويقول (وقولوا للناس حسني)، (قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق) فما بال بعض الفقهاء فقهاء الكراهية والهم – يريدونها كآبة وبؤسا؟! تدخل للاستماع للموعظة الحسنة لخطيب الجمعة تجد خطيباً غاضبا علي الدنيا ناقماً علي الحضارة يبث سموم الكراهية والبغضاء فتخرج متوتراً حانقاً!! تجهد دولنا من اجل تعميق ثقافة الحوار والتسامح ونبذ الكراهية بين اتباع الاديان وتعقد مؤتمرات لاجل حوار الاديان وآخرها كان مؤتمر الدوحة الخامس لحوار الاديان وافرز انشاء مركز دائم للحوار بالدوحة فاذا بخطيب جمعة غاضب يهاجم المؤتمر ويكيل الاتهام للمؤتمرين وتنقل الاذاعة الرسمية خطبته!! لقد قال غازي القصيبي في امسية شعرية هلا فبراير 2004: منذ سقوط الحضارة العباسية لم تعرف الامة مواسم فرح حقيقية وتساءل عبدالمنعم سعيد: متي يكون العرب بشراً سعداء؟ ويقول فريدون هويدا: العرب اكثر الشعوب تعاسة وكآبة ويعلق صلاح منتصر علي تصريح احد الاطباء ان 80% من المصريين يعانون الاكتئاب بأن ذلك يصدق علي معظم المسلمين وعند الدكتور البغدادي ان بنو يعرب امة الكآبة بامتياز لدرجة انها تتعوذ من الشيطان اذا ساد الجو الاجتماعي موجة من الضحك خوفا من ان ينقلب الي حزن!! ومن سخائفهم ان الواحد منهم لايعيش حياة الفرحة الا في الاماكن المغلقة لان الضحك في المكان العام مزرٍ بالمروءة!!
ولاحظ بغدادي الخوف عند طلبته من الضحك فسألهم فيماذا تفكرون بشكل شبه دائم؟ فقالوا: الآخرة. وسألوه: الا تخاف الله يادكتور؟ قال: لا أخاف الله لكن اخاف عذابه وارجو رحمته وكيف اخاف ممن وصف نفسه بالرحمة. قالوا: لكنه شديد العقاب فقال: للظالمين ويرجع بغدادي السبب في قتل الفرح الي نشر مفاهيم التخويف واشغال الناس بالحلال والحرام والفكر التعصبي، ويفسر انطلاق الروح العربية حين يصبح الواحد منا في الخارج بأنه هناك يتم كسر القيود الخانقة.
شباب العالم ينشغل بالموسيقي والفنون والاستمتاع بمباهج الحياة وهم يبدعون ويكتشفون ويساهمون في صنع القوة والحضارة لمجتمعاتهم وشبابنا اما نشغله بالخلافات الفقهية حول النقاب واللحية وطول الثوب وتحية النصاري او نشغله بخلافات الكبار السياسية والايدلوجية او ندفعه للذهاب للعراق وافغانستان لينتحر!! اطلق متطرفون النار علي حفل مدرسي بزعم انه يفسد الاخلاق وقتلوا احد قيادي فتح في غزة. وفجر متطرفون عشرات المتاجر الموسيقية في باكستان ولفت مدير مدرسة سعودية بماليزيا نظر معلم لانه استمع للنشيد الوطني ملحناً!! وفي الكويت في العام الماضي قام ملتح باضرام النار في مسرح المعهد العالي للفنون هذه بعض تجليات ثقافة الكراهية والتي تجيب علي: لماذا يستمر الارهاب؟!.
الكراهية ثقافة حجز ومحصلة تصورنا للعالم عدوا متربصا ساهم فيها روافد عديدة منها الخطاب الديني المسكون بالهواجس التآمرية والخطاب التعليمي الذي خرج شبابا يعانون غربة عن العصر وكم هائل من ادبيات الاخوان والقوميين علي امتداد نصف قرن روجت لكراهية الآخر ونظرية التآمر.
نحن بحاجة الي ثقافة تعيد الاعتبار للحياة ولقيمة الانسان، تحبب الشباب في الفنون والاداب هناك كتب تحببنا في الحياة وتنمي قيم التسامح وتضئ العقل سعدت بكتابين مشوقين كتبا بأسلوب جذاب لتركي الدخيل الاعلامي المعروف وهما الاكثر رواجاً بين الكتب العربية وهذا امر مفرح وقد حظيا بتعليقات كثيرة.
الكتاب الاول (ذكريات سمين سابق) حول معاناة البدناء في مجتمعاتنا في شتي تصرفاتهم وسخرية المجتمع منهم، وقد فهم البعض ان المؤلف يسخر من نفسه كبدين سابق والصحيح انه يريد كشف العنصرية الكامنة في المجتمع تجاه البدناء وصولاً الي نظرة انسانية محبة للذات وللاخر، وليس الكتاب روشتة للتخسيس ولكنه يتضمن اسمي معاني الابوة عندما نعلم ان دافع تركي للتخسيس شفقته علي ابنه عبدالله ان يكون بدينا مثله، وهذا دافع فريد لم نسمع به من قبل.
اما الكتاب الثاني سعوديون في امريكا حول اقامته في الفترة 2000 -2002 مع اسرته في مدينة يوجين بأوريجون للدراسة قيمة الكتاب في نظرته المتصالحة مع الاخر الامريكي في وقت عصيب عقب كارثة 11-9 وتداعياتها العصيبة علي العرب في امريكا.
يتحدث الكتاب انطلاقا من(ولايجرمنكم شنآن قوم علي الا تعدلوا) كيف ان مجموعات من الشباب الامريكي كانوا يشكلون دروعاً لحماية المسجد والمصلين فيه من اية ردة فعل وكذلك كيف كانوا يحمون المحجبات وزوجته والعناية التي لقتها والدته عندما احضرها للعلاج عام 2006 من قبل ملاك الرحمة. دافع الكتابين دافع انساني واحد في الأول تصحيح النظر للآخر المحلي وفي الثاني تجاه الآخر الخارجي.
الرايه
* كاتب قطري