إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
جاءت أحداث غزة لتسلط الأضواء على حجم العمالة الآسيوية في إسرائيل وأوضاعها هناك، بعيد مقتل عدد من العمالة التايلاندية وأسر حركة حماس لبعضهم ونقلهم إلى معقلها في غزة كرهائن ضمن 242 مواطنا اسرائيليا وأجنبيا من الجنسيات الأمريكية والروسية والألمانية والفرنسية والأرجنتينية وغيرها.
وعلى حين يعيش في إسرائيل نحو مائة ألف فلبيني، يعمل معظمهم في المدن الرئيسية كفنيين وممرضين، يعمل نحو 30 ألف تايلاندي في مهن زراعية وصناعية بسيطة في المناطق الصحراوية بالقرب من خطوط التماس مع قطاع غزة. ومن هنا، وجد هؤلاء التايلانديين انفسهم بين ضحايا عملية حماس الأخيرة في السابع من أكتوبر 2023، حيث قتل 34 تايلانديا وأصيب 19 آخرون وتم احتجاز 24 منهم من قبل حماس كرهائن، ليكونوا الجنسية الأكثر عددا لجهة الاحتجاز.
وعلى الفور بدأت بانكوك عملية دبلوماسية هادئة وجريئة لإطلاق سراحهم وتأمين عودتهم إلى بلادهم. هذه الدبلوماسية استرعت انتباه العديد من وسائل الإعلام الآسيوية وسط كيل المديح لها، خصوصا بعد نجاحها في إطلاق سراح ما لايقل عن 17 مواطنا من الرهائن المحتجزين في صفقة تبادل الرهائن بين اسرائيل وحماس، وهو ما فشلت فيه دول أخرى أكثر نفوذا.
فماذا فعلت تايلاند يا ترى؟
الحقيقة أن حكومة تايلاند استخدمت بحرفية ورقة الحياد، باعلان رئيس الوزراء “سريتا تافيسين” في التاسع والعشرين من أكتوبر أن تايلاند دولة محايدة ومسالمة وليست جزءا من الصراع في منطقة الشرق الأوسط. فيما دعت وزارة الخارجية التايلاندية أطراف النزاع في بيان رسمي إلى الامتناع عن التصعيد، مضيفة أن بانكوك تدين جميع أشكال العنف أيا كان مصدره. لاحقا أطلق رئيس مجلس النواب التايلاندي “وان محمد نور ماتا“، وهو من الأقلية المسلمة التي يربو عددها على سبعة ملايين نسمة، مبادرة لإرسال وفد من زعماء المسلمين في تايلاند إلى طهران للتفاوض حول مصير الرهائن التايلانديين مع إيران صاحبة الدالة على حركة حماس ومع ممثل الحركة في طهران. وكي تنجح المبادرة حرص التايلانديون على أن يضم الوفد الذي توجه إلى طهران في 27 أكتوبر الماضي ممثلا عن مسلمي تايلاند السنّة هو عضو البرلمان السابق عن مقاطعة ناريتوات الجنوبية ذات الأغلبية المسلمة “أريبين أوتارسين“، وممثلا عن مسلمي تايلاند الشيعة هو “ليربونغ سيد” كمندوب عن شقيقه “سيد سليمان الحسيني” الذي يقود الطائفة الشيعية التي يشكل أفرادها 1 بالمائة فقط من إجمالي مسلمي تايلاند، علاوة على شخصية مسلمة ثالثة كممثل شخصي لرئيس مجلس النواب.
عقدت هذه الشخصيات الثلاث مفاوضات معقدة في العاصمة الإيرانية استمرت لمدة ثلاث ساعات متواصلة مع دبلوماسيين ايرانيين كبار ومع ممثل حماس في طهران خالد قدومي، حيث أكدوا لهم مجددا أن تايلاند لا تعادي أي طرف من أطراف النزاع وأنها تحتفظ بعلاقات متوازنة مع الولايات المتحدة واسرائيل وإيران وكافة الدول العربية والإسلامية وكذلك مع ممثلي الشعب الفلسطيني، وأن ما يهمها فقط هو سلامة رعاياها الذين أجبرتهم ظروفهم المعيشية الصعبة على السفر إلى إسرائيل للعمل في منشآت مدنية بموجب عقود محددة.
لم تكتف بانكوك فقط بهذه المبادرة التي أعتبرت مفتاحا مهما لنجاح دبلوماسيتها، وانما أضافت إليها تحركا آخر تولاه وزير خارجيتها “بارنبري باهيديا نوكارا” الذي سافر على عجل إلى كل من مصر ودولة قطر لتوسيطهما في عملية الإفراج عن التايلانديين المحتجزين بحكم وجود قنوات اتصال لكلتا الدولتين مع حركة حماس. هذا ناهيك عن لقاء تم في الدوحة بين الوزير التايلاندي ونظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الذي كان في زيارة لقطر، حيث دعا الأول الثاني إلى استخدام مساعيه لدى حماس لإنهاء معضلة المواطنين التايلانديين مع استعداد بانكوك لتأمين وسيلة انتقالهم فورا إلى بلادهم.
ويبدو أن تحرك الوزير التايلاندي في مصر كان الأكثر نجاحا بدليل إطلاق سراح 14 رهينة تايلاندية ورهينة فلبينية واحدة كجزء من صفقة منفصلة بين حركة حماس والحكومة المصرية في 24 نوفمبر الماضي. وفي 26 نوفمبر تم إطلاق سراح ثلاث رهائن آخرين ليصبح مجموع من أطلق سراحهم 17 رهينة من أصل 24.
الغريب في الأمر، أنه في أعقاب هذه المساعي الدبلوماسية الناجحة، راح كل من وزارة الخارجية التايلاندية ومجلس النواب التايلاندي يعزي ما تحقق إلى جهوده وحده.
*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي