شهد لبنان في 2015 سلسلة من الأحداث الخطيرة شملت الإعتداء على معالم وسط بيروت على يد مجموعة من شذاذ الآفاق بهدف تدمير المدينة وما بقي منها. هناك حقد ليس بعده حقد على بيروت وعلى كلّ ما تمثّله، خصوصا انّها مدينة يلتقي في وسطها جميع اللبنانيين من كل الطوائف والمذاهب والمناطق. لذلك، من يعتدي على بيروت تحت اي حجة او ذريعة انّما يسعى الى تدمير صيغة العيش المشترك بين اللبنانيين في وقت لا مكان فيه في المنطقة سوى للغرائز المذهبية بكلّ ما تمثّله من وحشية وعودة الى كلّ ما هو بدائي في التعاطي اليومي بين البشر عموما، والمواطنين الذين ينتمون الى بلد واحد خصوصا.
استُخدمت لتحقيق هذا الغرض، اي للإنتقام من بيروت، ذرائع عدّة من بينها الفساد المستشري في اوساط الطبقة السياسية اللبنانية والعجز الحكومي عن اتخاذ اي قرارات فعالة بما في ذلك معالجة مشكلة النفايات التي غرقت فيها شوارع العاصمة اللبنانية ومدن وبلدات اخرى. طفح الكيل لدى قسم كبير من اللبنانيين العاديين ووجد هؤلاء ان عليهم التعبير عن رغبتهم في التغيير والإنتفاض في وجه سياسيين ليس لديهم اي حلّ لأيّ مشكلة مطروحة، مهما كانت بسيطة وعادية.
كان قسم كبير من اللبنانيين الذين نزلوا الى الشارع في 2015 من ذوي النيات الحسنة. كانوا مواطنين عاديين ضاقت بهم سبل العيش واستفزّهم فساد الطبقة السياسية. كان معظم الذين في الشارع مواطنين عاديين لا تجربة سياسية لديهم.
عرفت كيف تستغلّ هؤلاء عناصر مدرّبة تدريبا جيدا على نشر الغوغاء والإستثمار فيه بهدف تغطية المشكلة الأساسية التي يعاني منها لبنان وهي مشكلة السلاح غير الشرعي في يد ميليشيا مذهبية تابعة لإيران تسمّي نفسها “حزب الله”.
انتهى موسم التظاهرات في بيروت. ذاب الثلج وبان المرج. تبيّن في النهاية ان كلّ المشاكل التي يعاني منها لبنان مشاكل حقيقية، لكنّ المهمّ ان ينزل اللبنانيون الى الشارع ليقولوا ان المطلوب قبل كلّ شيء المحافظة على مؤسسات الجمهورية بدل الرضوخ للإرادة الإيرانية التي تعمل من اجل تفتيت البلد واعادة تشكيل السلطة فيه. هذا ما غاب عن بال اولئك الذين نزلوا الى الشارع خدمة لبعض الذين كانوا يريدون الإنتقام من المدينة التي يمكن الإنطلاق منها لتعميم الخير على كلّ لبنان.
هناك ما يستأهل التظاهر من اجله في لبنان، خصوصا بعد انكشاف لعبة “حزب الله”. ما يستأهل ان يتظاهر اللبنانيون من اجله هو انتخاب رئيس للجمهورية لا اكثر ولا اقلّ.
ما ساهمت فيه احداث السنة 2015 هو انكشاف اللعبة الإيرانية في لبنان. من لديه ادنى شكّ في ما تريده ايران، يستطيع العودة الى اللقاء الذي عقده في الإسبوع الأخير من السنة المنصرمة وفد من “حزب الله” مع البطريرك الماروني بشارة الراعي.
بعد هذا اللقاء، الذي اعلن فيه قيادي في الحزب التمسّك بترشيح النائب ميشال عون للرئاسة من زاوية “اخلاقية”، صارت الأوراق مكشوفة. الحديث عن الأخلاق امر جيّد، بل جيّد جدا. ولكن ماذا عن الواقع الذي يسعى “حزب الله” الى الهرب منه؟
يتمثّل هذا الواقع في انتخاب مجلس النوّاب اللبناني لرئيس للجمهورية في مرحلة ما قبل نهاية ولاية الرئيس. هذا امر بديهي وطبيعي في بلد يحترم فيه الجميع الدستور المعمول به. تبيّن ان “حزب الله” لا يريد رئيسا للجمهورية. اعترض الحزب الذي يمثّل ايران، ولا شيء آخر غير ايران، على قبول الرئيس السابق لمجلس الوزراء سعد الحريري بالنائب سليمان فرنجيه رئيسا للجمهورية. ما الذي يمكن ان يحصل عليه “حزب الله” اكثر من ان يكون سليمان فرنجيه “صديق” بشّار الاسد رئيسا للجمهورية. هل من سياسي لبناني منحاز للحزب وللنظام السوري اكثر من سليمان فرنجيه الذي لم يوفّر كلمة وقالها في حقّ رفيق الحريري في الأسابيع القليلة التي سبقت اغتياله؟
كان سليمان فرنجيه وقتذاك وزيرا للداخلية. لم يتردّد في توجيه كلّ نوع من انواع الكلام البذيء الى رفيق الحريري. على الرغم من كلّ ذلك، توصّل سعد الحريري الى تفاهم مع الرجل من اجل انقاذ موقع رئاسة الجمهورية ومؤسسات الجمهورية والجمهورية نفسها. في النهاية كان سليمان فرنجيه بين الموارنة الأربعة الذين اتفق الزعماء المسيحيون على ان يكون احدهم رئيسا للجمهورية في اجتماع انعقد في بكركي برعاية البطريرك. الثلاثة الآخرون هم الرئيس امين الجميّل والنائب ميشال عون والدكتور سمير جعجع.
لا شكّ ان الإتفاق الذي تمّ التوصّل اليه بين سعد الحريري وسليمان فرنجيه يشكّل مفاجأة، ولكن كان لا بدّ من تلك المفاجأة من اجل كشف ما تريده ايران. هل تريد المساعدة في انتخاب رئيس للبنان ام انّها تريد نسف النظام اللبناني كي تؤمن لنفسها موقعا يسمح لها بان تكون سلطة الوصاية الجديدة على لبنان؟
كان لدى بشّار الأسد من الغباء السياسي ما جعله يدخل في لعبة اغتيال رفيق الحريري التي نفّذتها ايران عبر ادواتها اللبنانية.
بعد اغتيال رفيق الحريري، خرج النظام السوري من لبنان وبقيت ايران وادواتها فيه. لم يعد ذلك سرّا بعد كلّ ما شهدته مداولات المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري وبعد رفض “حزب الله” تسليم المتهمين بالجريمة الى تلك المحكمة الدولية.
لم تعد من اسرار في لبنان. عندما يتمسّك “حزب الله” بترشيح ميشال عون لرئاسة الجمهورية، معنى ذلك انه لم يضع “فيتو” على سليمان فرنجيه فقط. ما حصل ان ايران، عبر “حزب الله” وضعت “فيتو” على انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان وليس على شخص سليمان فرنجيه وحده.
ماذا تريد ايران؟ تريد تغيير النظام في لبنان من جهة وتريد التفاوض مع الإدارة الأميركية في شأن مستقبل لبنان من جهة أخرى.
كانت السنة 2015 مفيدة للبنان من هذه الناحية. وضعت احداث تلك السنة البلد امام تحدّيات جديدة. هل آن استبدال الوصاية الإيرانية بالوصاية السورية بشكل رسمي وبرعاية دولية؟
هذا السؤال يواجه لبنان واللبنانيين في 2016. لا اسئلة مهمّة اخرى. ربّما كان هذا السؤال الإيجابية الوحيدة، لبنانيا، بعد مرور سنة 2015 التي لم تكشف النيات الإيرانية فحسب، بل كشفت ايضا قدرة اللبنانيين على الصمود في وقت يبدو البلد مهدّدا يوميا بامتداد النار السورية ونار ارهاب “داعش” السنّية والدواعش الشيعية اليه.