(الصورة: اليمين العميد “نور علي ششتري”، نائب قائد القوة البرية للباسدراران، وفي اليسار قائد الباسداران في محافظة سيستان بالوشستان وقائد “وحدة أمير المؤمنين”، الجنرال “رجب علي محمد زاده)
مروان طاهر بيروت الشفاف – خاص
إفادت وكالة “إرنا” الرسمية أن أبرز ضحايا عملية بالوشستان هم العميد “نور علي ششتري”، نائب قائد القوة البرية للباسدراران، وقائد الباسداران في محافظة سيسيتان بالوشستان وقائد “وحدة أمير المؤمنين”، الجنرال “رجب علي محمد زاده”، ومعهما قادة الباسداران في مناطق “إيران شهر”، و”سرباز” و”بيشين”. أي أن العملية الإنتحارية أسفرت عن إستئصال قيادة الباسداران في منطقة بالوشستان! (بالوشستان تضم مدينة “بام” المنكوبة التي ما يزال أهلها يعيشون في الخيام رغم مرور 5 سنوات على الهزة الأرضية العنيفة التي دمّرتها كلها).
ويبدو أن قادة الباسداران كانوا داخل سيارة متوجّهة إلى مكان إجتماع كان مقررا بين زعماء القبائل الشيعية والسنية في منطقة “بيشين” (قرب حدود إيران مع باكستان)، حينما هاجم قافلة السيارات إنتحاري شاب فجّر نفسه بما يحمل من متفجرات.
وأفادت وكالة “برس تي في” شبه الرسمية أنه وقع إنفجاران في وقت واحد: إنفجار في مركز الإجتماع، وانفجار ثانٍ استهدف قافلة كانت تضم وفداً من قادة الباسداران كان متوجهاً إلى الإجتماع.
وذكرت “رجا نيوز” أن الإنتحاري كان شاباً ربما كان عمره 21 سنة كان يقف على مدخل مركز الإجتماع، حيث كان العميد “ششتري” يعقد مثل هذه الإجتماعات كل بضعة أسابيع. كما ذكرت أن “الباسداران” كان قد تسلّم حديثاً أمن الأنحاء الشرقية من البلاد بصورة كاملة”.
*
ثمة اسئلة تثيرها عملية التفجير ، انتحارية – تفجيرية مزدوجة ، التي ضربت قادة من الحرس الثوري الايراني في سيستان بلوشستان حيث اشارت الانباء الاولية الى ان انتحاريا اسمه عبدالواحد محمدي سراواني فجر نفسه في اجتماع كان قادة من الحرس الثوري رعته لتعزيز المصالحات السنية الشيعية في الاقليم .في حين أشارت معلومات لم يتم تداولها إلى عبوة اخرى انفجر في نفس المكان والزمان .
وفي غياب المعلومات سوى تلك التي اصدرتها السلطات الايرانية الرسمية يتبادر الى الذهن مجموعة من الاسئلة.
1 – ما هي طبيعة العملية الانتحارية التي حصدت اكثر من اربعين قتيلا وعلى رأسهم ستة من قادة الحرس الثوري الكبار ؟ خصوصا ان انتحاريا مهما علا شأن تفخيخه والتمويه الذي يخفيه لاقتحام مقر لقادة القبائل والحرس فهو لن يستطيع ان يقتل اربعين ويصيب ستين آخرين فلم نشهد منذ بداية هذه العمليات الارهابية اي حصيلة مشابهة لانتحاري منفردا من دون سيارة ملغومة او اي وسيلة اخرى قادرا على حصد هذا العدد الكبير من الارواح . وهذا ما يعزز احتمالية ان يكون التفجير مزدوجا بهدف الحاق اكبر حجم من الخسائر في صفوف الحاضرين .
2 – ان اجتماعا على هذا القدر من الاهمية ويستوجب مشاركة قادة كبار من الحرس الثوري رعاية وحضورا في اقل تقدير وفي منطقة ما يعرف بمثلث الموت بديهي ان يحظى بتدابير امن استثنائية وحيطة وحذر، ما يحول دون ان تتمكن جماعة ارهابية مكشوفة على غرار الجماعة المتهمة والتي تبنت العملية دون ان تتمكن من ايصال انتحاري الى مكان الاجتماع . وهو ما يدفع إلى الاعتقاد ان هذه الجماعة قد استطاعت تحقيق اخراق امني ، ليس فقط في عملية تأمين مكان الاحتفال ، بل أيضا في الشخص المنفذ . وفي حال تم الكشف او تسريب تفاصيل اكثر دقة حول العملية ، فمن غير المستبعد ان تكون العملية تشكل مؤشرا على صراعات داخل هذه المؤسسة العسكرية التي يراهن النظام الإيراني عليها في تأمين استمراريته .
3 – على فرض ان المؤشرات المستقبلية اظهرت وجود صراع داخل هذه المؤسسة ، فهل هي على علاقة التغييرات التي اجراها المرشد الاعلى للثورة الاسلامية علي خامنئي في قيادات وضباط الحرس ، او على علاقة بكل هذه التغييرات وتوقيت العملية الارهابيية والهدف الذي ضربته ؟ خصوصا في ظل معلومات غير واضحة عن ان نائب قائد القوات البرية في الحرس الذي سقط في هذا الانفجار الجنرال نورعلي شوشتري كان يتولى مهمة مسؤول العمليات الاقتصادية التابعة للحرس في هذه المنطقة ، وهذا ما يعزز مساعي الحرس الثوري الايراني إلى تعزيز سيطرته وقبضته على الاقتصاد الإيراني من خلال سيطرته على الشركات والمصانع والبنوك وصناعة النفط والغاز والبنى التحتية واخيرا الاتصالات . ، يضاف اليها ان التغييرات الاخيرة في مهام الحرس الامنية تجعل منه المسؤول المباشر عن الامن بعد ان اتخذ قرار بتحويل شعبة الامن والاستخبارات فيه إلى مؤسسة مستقلة تكون موازية لوزارة الاستخبارات وتحل محلها . ما يجعل منه الحاكم الفعلي للبلاد وما يعني تاليا منافع اقتصادية للقادة ؟
4 – بالاضافة إلى قراءة ابعاد وهداف وتوظيفات هذه العملية الارهابية ، الا ان حجمها يدفع إلى التدقيق اكثر وراء المستفيد منها ، خصوصا وانها تشكل صفعة قوية امنية وسياسية وعسكرية لنظام الإيراني وجيشه العقائدي الذي من المفترض ان يحميه ويحمي قادته .
هل فعلا جماعة جند الله الاسلامية السنية بقيادة عبدالمالك ريغي او البلوشي كما يطلق على نفسه ، هي المستفيد من هذه العملية في هذه المرحلة انطلاقا من الاراضي الباكستانية ؟ وهل الحكومة الباكستانية او مخابراتها متورطة في هذا العمل مع معرفتها بان ايران التزمت بتقديم نحو 350 مليون دولار لمساعدة باكستان في الاجتماع الذي عقد في موسكو بمشاركة دولية وامريكية بالتحديد ، وهو ما يفسر الاصوات التي تعالت داخل ايران مطالبة بوقف هذه المساعدات حتى تقوم حكومة اسلام اباد بتسليم المطلوبين ، وذلك بناء على تجربة سابقة بعد عملية اعدام 11 عنصرا من الحرس الثوري اختطفتهم هذه الجماعة عام 2008 وقامت الحكومة الباكستانية بعدها بتسليم شقيق عبدالمالك ريغي لطهران وهو ينتظر تنفيذ حكم الاعدام بحقه .
ام ان هذه العملية مدبرة ، وجاءت عشية اللقاء بين ايران وامريكا في فيينا بمشاركة روسية وفرنسية لبحث تزويد طهران بوقود لمفاعل طهران المخصص للابحاث العلمية ، وان طهران تريد فتح الحوار مع واشنطن على مختلف القضايا وعدم قصره على الجانب التقني النووي ، وان تحاول فرض التزام امريكي بامن ايران واستقرار النظام فيها مقابل تعاون مستقبلي اقليمي ودولي بينهما ، وهو ما يفسر التصعيد الايراني السريع ضد امريكا وبريطانيا على خلفية المعرفة الايرانية بالنفوذ والتواجد الامريكي في الجهة المقابل للاقليم الايراني في الاراضي الباكستانية .
ومع ذلك إن الجواب على هذا التساؤل السابق متشعب وهناك اكثر من رأي واحتمال.
الاحتمال الاول ان يكون التفجير على الحدود الايرانية الباكستانية يشكل ردا على العمليات العسكرية اليمنية في صعده حيث التفجير والتوتر الامني شيعي على حدود المملكة العربية السعودية السنية .
وتاليا هناك من يقول ان المجتمع الدولي يريد إفهام ايران ان بامكانه بيعها من بضاعتها وان الارهاب يمكن ان يطاول ابرز مفاصلها الامنية – قيادات الحرس – طبعا من دون ان تتضح خيوط التدخل الخارجي.
الاحتمال الثاني ان تكون قيادات الحرس تأكل بعضها البعض في ضوء التغييرات التي اجراها المرشد الاعلى علما ان الحرس الثوري يفقد بين الحين والآخر قيادات في حوادث ملتبسة على غرار سقوط مروحية عسكرية وعلى متنها ستة من الحرس الثوري بسبب مشكلة تقنية كما اعلنت قيادة الحرس يومها وبسبب سوء الاحوال الجوية بينما كانت تشارك في مناورة في بيرانشهر قرب الحدود العراقية في الثامن عشر من شهر تموز من العام 2007 ، وقبلها في العام 2005 سقوط طائرة فالكون تابعة لسلاح الجو في الحرس الثوري وعلى متنها قائد القوات البرية والشخصية الاكثر استقلالية في قيادة الحرس الجنرال احمد كاظمي وكل اركان القيادة البرية الامنيين واللوجستيين والعسكريين .
اما الاحتمال الثالث وهو ما نقل عن الاستخبارات الروسية التي يزور نائب وزير خارجيتها الكسندر سلطانوف المنطقة محذرا من حرب قادمة .