ولدتُ في كوباني، وأعيشُ فيها، وسأموتُ فيها يوماً، وأرجو ألا أُبْعَثَ فيها حيَّاً تارةً أخرى.
طيلةَ ثلاثة عقود ونيف فيها، لم أجعلْ أصابعي في أذني، حذرَ الموت، أو العشائرية المفرطة، أو التأخر الاجتماعي الأعمى، أو الفوّات الثقافي, أو الجغرافية القاحلة، أو أسلاك حدود سايكس – بيكو، أو الألغام التركية التي تصطادُ شباباً في سفر الورد.
لكني، ومُذْ شببتُ عن الطوق فيها، أجعلُ أصابعي في أذني وأنفي وعيني، فلا يُعقلُ أن تتحول مدينةٌ كاملةٌ إلى مكبِّ نفايات، وإلى ( شرشوحة ) مدن، قد يقولُ من لا يعرفها عن قرب، أنها مجرَّدُ مدينةٍ تُجيدُ ارتداءَ الثياب التنكرية، ولكن ما يعلمه عشراتُ الألوفِ من الغرباء / سكانها الأصليين، أنَّ مدينتهم تحولتْ إلى مصرفٍ مركزي للقُمامة والمزابل المنتشرة، وإلى مواطنةٍ مجردة من البهاء والثياب والمستقبل والتنمية.
فلماذا تطورت المدنُ الأخرى في الجوار (نضربُ مثلاً مدينة منبج)، فيما كوباني تهرولُ غارقةً أكثر في القمامة والروائح الكريهة؟
في كوباني – كما في غيرها من المدن والبلدات السورية العديدة – شوارعٌ، وأزقةٌ، وأرصفةٌ، وأحياءٌ سكنية، ومناطقُ عشوائيات.
في كوباني: طرقاتٌ تحِنُّ إلى فنجان إسفلت، وحدائقٌ مُعلقةٌ على المُخطط التنظيمي للبلدية، وحاوياتُ قمامة تحتاجُ إلى تغليفها بحاويات قمامة، وأرصفةٌ تحتاجُ إلى لافتات مكتوبٍ عليها ” هذا رصيف “، وبحيراتٌ اصطناعية ومستنقعات عديدة في رحلتي الشتاء والصيف، منتشرة بين الدور السكنية في أحياء المدينة، وتحتاج تلكم البحيرات فقط إلى قرارات جريئة من مجلس الوزراء، لإقامة السدود عليها، لاستغلالها في مشاريع الري وتوليد الطاقة الكهربائية.
في كوباني: مجلسُ مدينةٍ لا يشبهُ أيما مجلس مدينة على وجه الأرض، فهو المجلسُ الأوَّلُ في سياسة ترقيع الطرقات، وتطويقُ المدينةِ بأكوام القمامة والمزابل المفتوحة على مصاريعها، وأنا واثقٌ أنَّ أيَّ تدهورٍ للعلاقات بين سوريا وتركيا سيكون مسببه مجلس مدينة كوباني، فللصبر حدود، ولا أتوقعُ أن يطيلَ جارنا الشمالي المكوثَ في مرحاض الصبر طويلاً، وهو يرقبُ مجلس مدينة في جنوبه متورطاً في إنتاج المزابل الشاملة وتكديس القمامة الشاملة على حدوده، مُخلاً بالتوازن البيئي وبالسلام في الشرق الأوسط، أمنيتي القصوى – أيُّها الأعزاء والعزيزات – هي ألا يقعَ المحظورُ وتحالَ إضبارةُ مدينتي كوباني إلى وكالة الطاقة الذرية، فهذه المدينة المحجوبةُ على أمرها منذ كانت روح الإله تُحلِّقُ فوقَ سهلِ سروج، والمخنوقةُ اقتصادياً وسياسياً وثقافياً ( وزادَ المرسوم 49 في تضييق الخناق حبلاً مضفوراً آخر)، لا تحتملُ رؤية مفتشين دوليين وقرراتٍ من مجلس الأمن الدولي.
يمكنُ لمجلس المدينة أن يتحركَ إذا أراد، يمكنه أنْ يشتري حذاءً جديداً، يمكنه أنْ يهزَّ كتفيه، كما ويمكنُ لرئيس مجلس المدينة أن يتحركَ إذا أرادَ، يمكنه مثلاً أنْ يدور بكرسيه حول نفسه، وحول الطاولة، ويُعيدَ الانتشارَ في أزقة وأحياء المدينة، بدلاً من إعادته الانتشار خلال كل أربع سنوات عجاف في غرفته، يمكنه أنْ يواظبَ على التدرُّبِ في مكتب رئيس مجلس مدينة منبج، ويتعلمَ في خمسة أيام، كيف يُمسكُ بيدي مدينته، ويُغادرَ بها منطقة الحضيض.
يمكنُ لمجلس المدينة ورئيسها أن يثبتوا لسكان المدينة أن بمقدورهم وإن كانوا قد هبطوا على كراسي المجلس ورئاسة البلدية بالباراشوت، أن يغيروا الآراء المسبقة القبلية والبعدية غير المتفائلة بهم وغير المتوقعة منهم خيراً.
كوباني مدينةٌ ممتلئةٌ بدمى من القش يُغطيها الغبارُ، لهذا فهي مطرودةٌ حتى إشعار آخر من حقل المدن.
كوباني مدينةٌ فيها أحزابٌ ونشطاء : حزبان أو ثلاثة من جبهة ممنوع اللمس (الجبهة الوطنية التقدمية)، وأحزابٌ كوردية عديدة تتنفسُ اصطناعياً في البلاد، والقاسمُ المشترك بين قسم منها، أنها كلَّما أرادت تلميعَ صورة المنطقة، دشنت حملة تبرعات شعبية، مرةً لحزب الله، ومرةً لقطاع غزة، ومرةً لطلائع البعث، ولم تفكر كلها يوماً بإطلاق حملة تبرعات للنهوض بالمدينة وريفها، وإذا ما هيَّجتهم الحماسةُ وشبَّتْ فيهم من بعدُ، وألهبتْ أكفهم، سنراهم يطلقونَ حملات تبرع شعبية أخرى، وهذه المرَّة من أجل : سكان وادي سوات، وقطاع قندهار، وقطاع صعدة، وسكان حارة الضبع (مسلسل باب الحارة).
لا نطلبُ من مجلس المدينة القيامَ بغسل كوباني بالماءِ والصابونِ والديتولْ.
وهو أمرٌ سيكونُ من أضعف الأيمان لو فعلوه، إذْ أنَّهم أصحابُ سوابقَ جميلة في هذا الصدد!!! فهم يغسلونَ طرقات المدينة، وينظفون أطرافها من القمامة الباسقة، كلما جاءَ مسؤول رفيع المستوى من مرتبة محافظ فما دون إلى المدينة، وبمجرد مغادرة ذلكم المسؤول من مرتبة محافظ فما دون للمدينةِ تعودُ إلى سالف العصر والأوان.
غايةُ ما نطلبه، هوَ أن يمتلكَ مجلسُ المدينة ورئيسه كلمة السر للدخول إلى شوارع وأحياء المدينة. ألا يعلمون أن اسم المستخدم غير كافٍ وحده لأجل تقديم الخدمات؟
مجلس مدينة كوباني، بصورته الراهنة المُترهلة، يحتاجُ إلى إجازةِ نقاهةٍ مفتوحة، وسريرِ عناية مشددة، أو إلى تقاعدٍ مُبكرْ، فلا يمكن لسكان المدينة تحمل وزر مجلسٍ متكىء على العكازات.
إذن، فإن الدورة الدموية لمدينتنا خَرِبَةٌ منذ زمنٍ آخر، وإلى إشعارٍ غابرٍ آخر..
إذن، فإن مدينتنا مُسجلة في قائمة الموتى منذُ زمنٍ آخر، وإلى إشعارٍ غابرٍ آخر..
ملاحظة : ” كوباني ” (عين العرب): مدينة كوردية سورية تتبع إدارياً لمحافظة حلب.
mbismail2@hotmail.com
• سوريا
لوحة فنان مبدع
أولاً أنا متأكد تماماً بأن كل ماكتبه مصطفى صحيح ،وأن مالم يكتبه أكثر بكثير ،فدرجة الإهمال وتدني مستوى الخدمات في جميع
أنحاء القطر الصامد معروفة للقاصي والداني ،وفضل الأخ مصطفى
ليس في كشفها وتعريتها ،بل في تصويرها بهذه الطريقة الساخرة
الرائعة ،فقد رسمها لوحة فريدة بطريقة الكوميديا السوداء،
لقد ضحكت بحزن وأيما حزن يُضحك ،عندما قرأت عبارته اللاذعة
(وأرجو الاّ ابعث فيها حياً تارة أخرى ).
وللكلام بقية.
كوباني : “عن مدينة سورية تعرض السلم الدولي للخطر”
The article is not worth reading or publishing. It does not introduce the place, its people, its geography or histrical bachground. The problem is not presented well and not supported by statistics, comparisons or evidence.
What efforts does ME Transparent make to ensure the authenticity of published materials
كوباني : “عن مدينة سورية تعرض السلم الدولي للخطر”
عيب عليك هذه الطريقة بالكلام
الصحافة مسوولية ولم تشعرني مقالتك سوا بانك معبا ومستاء من الوضع لدرجة افقدتك الموضوعية بالسرد والرؤية
العنوان طنان ويشوق القارئ لمعرفة عمق المشكلة الا ان طرحك الغير موضوعي اضاع لب الموضوع