استيقظت فزعا على صرخات الرجل وهي تمزق أنفاس الصبح الأولى, استطعت أن أميز بعض الكلمات من بينها, كان الرجل يصرخ: يا للمصيبة.. يا لغبائي.. يا لحظي التعس..
خرجت على الفور بملابس النوم عاري القدمين, أبقيت باب الشقة مفتوحا ووقفت أمامه لحظة إلى أن تبينت مصدر الصراخ, كان يأتي من أعلى, صعدت السلم ثلاثة طوابق قفزا, وقفت أمام باب الشقة مصدر الصيحات, أخذت أدق الباب بشدة إلى أن فتح لي صاحب الشقة الباب, كان ممسكا بسكين مطبخ, السكين كان ملوثا بالدماء, تناثرت أيضا على ملابسه بقع دماء.. ترى هل ذبح الرجل زوجته؟
تنبهت إلى أنه كان أعزب ويعيش بمفرده, لم يكن يحتل وظيفة ما غير أنه كان يعيش عيشة مستورة ربما من معاش كبير من وظيفة سابقة أو لعله كان من ذوي الأملاك.
صرخت فيه: (إرمي السكينة على الأرض).
ألقى بالسكين على الأرض غير أنه استمر في الصراخ فأمسكت به من كتفيه بقوة وقلت له بصوت آمر: كف عن الصراخ يا رجل وقل لي .. من ذبحت بهذه السكين؟ هل هاجمك لص فقتلته.. أم قتلت أحد الجيران؟
فرد وقد استولت عليه نوبة بكاء حادة: لأ.. لقد قتلت ولية نعمتي ومصدر الخير في حياتي وأملي في الدنيا.. نعم ذبحتها.. لقد ذبحت الأوزة.
ـ نعم.. الإيه؟ الوزة.. لك صديقة اسمها وزة ؟
لأ.. هي وزة.. أو أوزة كما تسمونها بالفصحى.
ـ آه فهمت.. هل اكتشفت أنها مصابة بإنفلونزا الطيور؟
– لأ لقد كانت صحيحة الجسم لم تشك من أمراض في حياتها.. إنها وزّة فريدة ليس لها مثيل في الكون كله.. لقد كانت تبيض ذهبا.. كل صباح كانت تبيض بيضة من الذهب الخالص ومدموغ أيضا.
ـ وماذا كنت تفعل بهذا البيض؟
– عندي خزينة في البنك كنت أضع فيها البيض كل صباح, وفي حالة احتياجي لسيولة مالية كنت أبيع بيضة أو بيضتين.. سنوات طويلة وهي تعطيني البيض الذهبي ولكن الشيطان لم يتركني في حالي.. أخذ يهمس لي في أذني ويوسوس لي في صدري..
ــ نعم.. إحك لي ماذا قال لك هذا الشيطان السافل.
= قال لي.. ياراجل.. كل يوم تضيع وقتك في الحصول علي بيضة واحدة ذهبية.. ثم تتعذب في المواصلات لكي تودعها في خزينة البنك.. لماذا لا تحصل علي البيض كله بضربة واحدة وبذلك يتوفر لك رأسمال عظيم تستطيع أن تفعل به ما تشاء.. تستطيع في شهر واحد أن تنشئ أعظم مصنع حديد في العالم وتقضي علي كل منافسيك في شهر وتجعلهم جميعا علي الحديدة.. تستطيع أن تبني مدينة كاملة في الصحراء.. تستطيع أن تشتري كل شواطئ البحار التي لم يستول عليها أحد حتى الآن وتقيم عليها مشاريع تكسب منها ما تعجز كل أوزات العالم الذهبية عن بيضه.
استفزني غباء الرجل فصحت فيه: فذبحتها يا غبي.. لماذا لم تجر لها عملية جراحية تخرج بها الكنز من أحشائها وتعيد خياطة الجرح مرة أخري لكي تواصل عملها كمنجم ذهب بعد ذلك؟
أجاب في تعاسة: فكرت في ذلك ولكن الأمر كان يتطلب اللجوء لجراح بيطري متخصص في الدواجن ولكني خفت من أن ينكشف سري فتسرق الأوزة مني أو تأخذها مني الحكومة.. آه .. يا للمصيبة.. ماذا أفعل الآن؟
فقلت له: تسألني أنا ماذا تفعل؟ هل تعتقد أنه يوجد سوق للطيور تستطيع أن تشتري منها أوزة تبيض ذهبا أو حتى فضة كل يوم.. إنها أوزة واحدة ظهرت مرة واحدة في طول التاريخ وعرضه تصادف أن كانت من نصيب سيادتك.. تصادف أن صاحبها هو أنت.. أنت صاحب الأوزة وأنت صاحب الذهب وأنت الذي ذبحتها.. أعترف أنك أكثر الناس تعاسة على وجه الأرض.. ولكن تأكد أن تعاستك من صنعك أنت.. كل من سيعرف حكايتك سيكون تفسيره الوحيد هو أنك شخص غبي وطماع, أما أنا فلدي تفسير مختلف.. أنت لست طماعا ولست غبيا, أنت تشعر بذنب عظيم يدفعك بقوة لعقاب نفسك.. أنت لست مختل العقل بل مختل النفس.. هناك رغبة قوية راقدة في أعمق الأعماق عندك تدفعك دفعا لكي تكون فقيرا وتعسا.. ولذلك أنا أراهن إنك الآن تشعر براحة كبرى بالرغم من صرخاتك الملتاعة لفقد هذا الكنز الذي كان يتجدد كل صباح.
تركت الرجل ليستمتع بالتعاسة التي حرص على الحصول عليها وعدت إلى شقتي غير إني كنت حريصا بعد ذلك على متابعة هذا المسكين. لقد اضطر إلى العمل بعد أن أضاع رصيده من البيض الذهبي في مشاريع خاسرة. يبدو أن الرجل كان له أقارب من أصحاب النفوذ ألحقوه بعدة مناصب في مجالات مختلفة بعيدة كل البعد عن بعضها البعض, وفي كل موقع تولاه كان حريصا على أن يذبح كل ما فيه من إوز ذهبي. وعندما عين في شركة مقاولات كبرى, دخل مع مستثمر عربي في مشروع كبير للبناء والتعمير فذبح المشروع بعد عدة أيام من توقيع العقد. هو الآن رئيس مجلس إدارة لشركة مهمتها ضمان ألا تهبط على أرض مصر أي أوزة طائرة قادمة من الخارج. هم يقفون على الحدود يحدقون طول الوقت في السماء وعند ظهور أي نوع من الإوز المهاجر يطلقون عليه النار لكي يضمنوا ألا يتسرب إلى أرض الوادي. من الشائع لدي الناس أن الإنسان يبحث عن السعادة, ولكن ذلك لا ينطبق على الناس جميعا, هناك من يبحث عن أقصر الطرق التي تجلب له ولأهله الفقر والتعاسة.
أنا فرح أحب الفرحة والفرحين وأكره التعاسة وأشعر بالخوف من التعساء. ودعني أعترف لك بسر, أنا أيضا عندي أوزة تبيض ذهبا كل طلعة نهار, وأنت أيضا عندك واحدة بداخل قلبك ربما لم تتنبه لوجودها, ابحث عنها وتعامل معها برقة وقناعة وعفة.. كن غنيا.. كن فرحا.