لا ندري من أين، وكيف، ولماذا عثرت عائلة الأسد على رئيس الوزراء السوري الحالي محمد ناجي العطري؟ هذا الرجل الذي يبدي عكس ما هو معروف عن السوريين على العموم، من خفة وحيوية ونشاط وقدرة على تجاوز المحن. كلما استمعت إليه يخيل لي بأني امام موظف سوفياتي صغير من تاريخ الحقبة الستالينية، خلال مرحلة التجميع الزراعي السوداء التي تحولت فيها البيروقراطية إلى طبقة اجتماعية. يعوزه الخيال أكثر من الجرأة، وتوحي النظرة الأولى إليه بأن مظهرة العام يطابق هيئة خبير بلجيكي في التحري، على غرار تلك الشخصيات الفريدة التي صنعتها ريشة آغاتا كريستي، لكن الرجل الماثل أمامنا لا يصلح لا للنكتة، ولا حتى لتركيب المقالب. إنه عبارة عن شخصية محنطة في جميع المقاييس، ومثلما تستحق سوريا رئيسا من طراز يختلف عن بشار الأسد، فهي تحتاج لرئيس حكومة يقف ليس فقط في مواجهة حاضرها الأسود، وانما يعكس أيضا صورة ماضيها المشرق.
يعرف الحكم السوري ان العطري كالعطار الذي لايصلح ما أفسده الدهر، وهو بالتالي لا قدم له لا في الحاضر، ولا في الماضي . عدا عن أنه ليس من النوع الذي يصلح للعرض في صورة دائمة، لذا لا يظهر إلا مرة في كل عدة اشهر، ليرمي قنبلة دخانية كبيرة، ويختفي من المشهد.
حين وصل الاختناق الحراري في الأيام الأخيرة درجة قصوى، سمح النظام للعطري بالكلام، فأدلى بتصريح مجلجل ومفحم وصلت اصداؤه إلى آخر أصقاع الأرض، وفحواه أن “أزمة الكهرباء في سوريا سياسية”، وأن المسؤول عنها هو الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك ، الذي ضغط على شركة فرنسية لكي لا تنفذ محطات جديدة لانتاج الطاقة في سوريا. وقال العطري في تصريحات تناقلتها وكالات الأنباء، انه بين “غنج” شركة سيمنس الالمانية، و”مقاطعة” شركتي جنرال الكتريك الاميركية وميتسوبيشي اليابانية، و”خضوع” مجموعة الستون الفرنسية لضغوط الرئيس شيراك، تعقد واقع الانتاج الكهربائي السوري هذا الصيف. ياللعجب! هل من المعقول أن يصدر هذا الكلام عن مهندس؟
من المؤكد أن شيراك خرج من الإليزيه وفي نفسه غصة كبيرة، لأن نظيره السوري بشار الأسد ما يزال يجلس في قصر المهاجرين، ليس بدافع الغيرة، بل ندما على الخدمات الكبيرة التي أسداها إليه. تشبه العلاقة بين الرجلين قصص الغرام الشرقية التي تبدأ بالحب الجارف من أول نظرة، وتكون خاتمتها الكره الشديد. انتهى شيراك إلى رفض تام لأي علاقة مع الأسد الأبن، وحسب بعض مستشاريه فإنه كان ينظر إليه بإزدراء شديد، ويعتبره متهورا ويفتقر إلى النضج. والسبب الرئيسي في ذلك يعرفه الجميع وهو، تداعيات الموقف في لبنان، ولاسيما اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، الذي ربطته بشيراك علاقة صداقة حميمة. والحق يقال، فإن شيراك ساهم أكثر من غيره في تقديم بشار على المسرح السياسي الدولي، ومثله فعل الحريري. لقد راهن الرجلان في البداية على بشار، ودعماه بكل قوة ليصل الى الرئاسة، وبعد أن استقبل شيراك بشار بطلب من الحريري، على درج الأليزيه قبل رحيل والده، فقد ذهب شخصيا إلى دمشق ليس فقط للعزاء بموت الديكتاتور السابق، بل لتنصيب الديكتاتور الجديد. ولمن لا يعرف، فإنه لولا الدور الذي لعبه الذين كانوا محسوبين على الحريري من داخل الحكم السوري، لما تيسر موضوع وراثة بشار بالسلاسة التي حصل فيها، ولا سيما موضوع تعديل الدستور. وربما يكون سبب عقوق بشار تجاه خدمات شيراك نابعا من نزعته المضمرة في قتل الأب، الأمر الذي لم يتمكن منه فعليا في ظل والده الحقيقي، الذي كان من صنف الطغاة التاريخيين.
بقيت علاقة شيراك ببشار تسير على نحو حسن حتى بدايات سنة 2004، ومن ثم أخذت تسوء على خلفية عقد الغاز الذي حجبته سوريا عن شركة “توتال” الفرنسية، وفضلت منحه لشركة اميركية، بعد أيام قليلة من إصدار الكونغرس الاميركي قرار “قانون معاقبة سوريا، وتحرير لبنان”. ولن أعود إلى سرد ما حصل على هذا الصعيد، لأن الأمر تناوله كثيرون وصار معروفا للقاصي والداني، بما في ذلك التفاصيل الخاصة بصدور القرار 1559 في ايلول/سبتمبر سنة 2004، والذي يعتبر الشرارة التي اشعلت السهل، وسببت كل التطورات الدراماتيكية التي حصلت في لبنان منذ ذلك الحين، ومنها اغتيال الحريري، وكوكبة من قادة الرأي والعمل الاعلامي والسياسي، ومنهم في الخصوص سمير قصير ، جبران تويني ، جورج حاوي .
وفي سياق العلاقة بين الطرفين، يتوجب التوقف عند ثلاث نقاط في غاية الأهمية، تتعلق بموقف فرنسا الرسمي حيال سوريا منذ صدور القرار المذكور، وحتى رحيل شيراك عن الاليزيه. أولا، التزم شيراك الرؤية التي اعتمدتها حتى اليوم “حركة 14 آذار” من النظام السوري، أي الضغط على النظام فقط في ما يتعلق بالشأن اللبناني، وعدم أخذ رجع الصدى السوري الداخلي في عين الاعتبار. ثانيا، بقيت الاتفاقات الموقعة بين البلدين سارية المفعول، بما في ذلك عمل بعثات الاصلاح الاداري والاقتصادي والتعليمي، التي اوفدتها فرنسا لمساعدة سوريا. كما استمرت الشركات الفرنسية تعمل في سوريا، ولم يعلن حتى اليوم عن الغاء أي عقد أو اتفاق لأسباب سياسية، وحتى غير سياسية، ولو حصل شيء من هذا القبيل، لأعلن عنه النظام السوري في حينه، لأنه كان سيوظفه لصالحه. ثالثا، أوقفت باريس اتصالاتها بدمشق على المستويات السياسية العليا بعد اغتيال الحريري، ولم تحدث أدنى تغيير في علاقاتها الديبلوماسية، حتى أن واشنطن تجاوزتها في ذلك حين سحبت السفيرة الاميركية من دمشق احتجاجا على اغتيال الحريري، في حين بقي السفير الفرنسي في دمشق، والسفيرة السورية في باريس، كما استمرت زيارات الكثير من المسؤولين السوريين الى فرنسا، وخصوصا من المستويات الأمنية.
لست في صدد الدفاع عن شيراك، فقد يكون الرجل ألحق أذى بالحكم الحالي، لكن أن تلصق به مسؤولية العجز في انتاج الكهرباء في سوريا، فذلك امر في منتهى الغرابة. ولا أعتقد ان هذه التصريحات تنطلي على الشارع السوري، الذي يعرف طول باع النظام في ميدان الشطارة السياسية، وتلفيق التهم. إن الأمر بحاجة إلى مقاربة مختلفة. فهل يعقل أن يعجز بلد “الممانعة”، و صاحب مشروع “التوازن الاستراتيجي” مع العدو الصهيوني عن حل مشكلة من هذا النوع؟
إن الوقائع تكذب التصريحات. فبعد أن كانت سوريا تصدر الكهرباء إلى لبنان، وقامت بمفاوضات منذ عدة أشهر لتزويد بعض مناطق العراق بالتيار الكهربائي، ها هي تعيش اليوم عجزا كبيرا، لا يمكن تلافيه قبل نهاية 2008. هناك اسئلة كثيرة يمكن طرحها: كيف وصل الموقف إلى هنا بهذه السرعة؟ ومن هو المسؤول عن التلاعب بالبلد على هذا النحو، وهل يمتلك النظام مشروعية حكم السوريين، في حين انه يقودهم من مأساة إلى أخرى تحت أعذار ملفقة؟ في ظل غياب الشفافية، لا يحتمل الأمر اكثر من تفسيرين: الأول، هو ان تكون هناك عملية فساد كبيرة تحيط بقضية الكهرباء. والثاني، هو أن يكون النظام لعب هذه الورقة لاغراق السوريين اكثر فأكثر في مشاكلهم الحياتية، ومنعهم من التفكير أبعد من ذلك، بعد أن اشتم رائحة خطر كبير من المقاطعة.
bpacha@gmail. Com
* كاتب سوري- باريس
كل الحق على شيراك!
اما ذكي ……… طيب خليك بلبنان ومشاكلكم بلبنان قرفتونا …….. كل الشعب السوري بيتمنى تحلقوا عن سمانا لاتتفذلك لانو كتير منكم بيحمل جينات وراثيه سوريه الموضوع سوري بحت واحدا الو دخل فيه سلام علينا يوم ولدنا ويوم نموت ويوم نبعث احياء السوريين …………. smartevil
أنا حزرت اسم الوزيرة!
إسمها بَثبَث شَعبَن، ومعزوفتها الأبدية السرمدية “بَشبَر أسأد/ أرنب جَولَن”، والإستوديو الفني الذي يروّج لمنتجات هذه البهلوانة الفذة، هو… صحيفة “الشرق الأوسط”!.. نعم! “الشرق الأوسط” منبر “عفاف المحاضِرة في العفّة”، كما نقول في لبنان. ومن باب إعلام القارئ، فعفاف كانت سيّدة صاحبة فضيلة معتدلة (بالمقارنة مع فضيلة بَثبَث شَعبَن، الإشعاعية)، وأميرة ما كان يُعرف في بيروت أيام العزّ بـ”سوق الشّ…يط”. وبالمقارنة، أيضاً، مع بَثبَث شَعبَن، فهذا السوق كان معلناً، لا متستراً بتسمية “وزارة”.
لا شكر على واجب.
كل الحق على شيراك!
قلنالكن في تعليق على التقنين انو الامبرياليه هيي السبب شفتوا انو انا بعرف معناها ياجماعه المسؤولين عم يقروا موقعكم احزروا مين اكتر مسؤول بينفض تصريحات عن الامبرياليه والرجعيه والاستعمار العالمي واذا ماتصريحات مقالات شبه اسبوعيه ………. عجزتوا ؟؟؟ اول حرف من اسمها وزيرة المغتربين ( ملاحظه : ماخايف لاني ماراجع ملزق بره )