انور ابراهام يهودي، لم يرد السائل ان يعرف دين ابراهام لكن زياد الرحباني اجاب هكذا. انه يهودي ولم يزد. لعل زياد يحسب ان هذا يكفي للاحاطة بأنور ابراهام. انه يهودي فحسب، وليس بعد اليهودية ما يستحق الذكر. ان يكون انور ابراهام تونسيا او موسيقيا فهذا لا يعني شيئا مع يهوديته. ليس له اذ ذاك الا هذه الصفة، انه واحد بها وهي واحدة به. ليس سوى اليهودي.
نثقل على زياد اذا قلنا له ان ماركسه الحبيب آنذاك لن يكون الا يهودياً وكذلك آنشتين وكذلك فرويد وكذلك… وكذلك… تشومسكي الحبيب وآلن غريش. نثقل على زياد بهذه العظة فالارجح انه لم يفكر بها. ونثقل عليه حتى اذا قلنا ان ليلى مراد لن تكون اذ ذاك سوى يهودية وكذلك العراقية سليمة مراد.
سنقول ان زياد لم يفكر بكل ذلك، ليس بالتأكيد معادياً منظماً للسامية بالطبع ولا متعصباً دينياً. سنقول انه التقط هذه الاجابة من الشارع، من الدارج الشعبي، انه قال من غير تفكير، ما قال.
ذلك لا ينقص من سقطة الشيوعي القديم الذي جاء الوقت لينسى مصادره ولينخرط في حملة “خيبر، خيبر يا يهود”. ربما نتساءل عن العقل السياسي للرجل الذي يكتب مقالة سياسية اسبوعية او نصف اسبوعية، اما النصف الاكثر ابتذالاً من الحكاية فهو ان »انور ابراهام« الذي يمكن ان يلفظ ايضا »انور ابراهيم« ليس يهودياً، انه مسلم حنيف ولا يختلف ايمانه السياسي كثيراً فيما اعتقد، عن ايمان زياد الرحباني، وقد سارع بعد ان توقفت حرب تموز الى بيروت ليكون قريبا مما جرى ونتج عن لقاءاته فيلم عرض في بيروت، عدا عن ان الرجل احيا على مدار سنوات في مهرجانات بعلبك وسواها عدداً من الحفلات الموسيقية.
ابراهام هو ابراهيم في لهجه تونسية ولم يهم زياد الرحباني من زميله الموسيقي المعروف سوى هذه اللكنة وسوى ذلك الاسم، هل يعرف الرحباني عن انور ابراهيم غير ذلك. هل سبق ان استمع الى موسيقاه. لم يجد بعد يهودية انور المزعومة ما تنبغي معرفته، هل هذا هو كل علم زياد لموسيقى انور ابراهام، وهل مثل انور في جدية عمله وقربه بالزمالة والروح من زياد يجوز جهله من موسيقي حصيف حريص على ان يكون في لحظته وعالمه الا يلقي جهله اقرب المعاصرين ظلاً على علم زياد وجديته.
اذا جاز ان ننسب كلام زياد عن يهودية انور الى الجهل افلا يجوز ان ننسب عدم كلامه عن موسيقاه الى جهل من نوع اخر. كلام زياد الرحباني في حديثه الى الصحيفة السورية يوحي بأن له نظرية في التواصل الرحباني. يقول ان تجديداته تقابل التجديدات الرحبانية الأولى وتماثلها وان في اطار زمني آخر، وقال ان ما فعله كان فعله عاصي لو طال به العمر. وبكلمة، فإن تجديد زياد يقع في نطاق المدرسة الرحبانية وان منطق التجديد هو نفسه. لست أهلا لانه اتحرى كلام زياد موسيقيا واترك هذا لمن يسهم علمهم وخبرتهم في ان يفعلوه، غير ان زياد هذه المرة لا يلقي كلامه جزافاً، انه متبحر بالتفاصيل والامثلة والمقابلات بحيث يمكننا ان نجد فيه لا مقدمة لايجاد نظرية للمدرسة الرحبانية ولكن للتاريخ الموسيقي في لبنان، هذه الحصافة تعوزه تماما حين يتكلم عن انور ابراهام وعن ربيع ابو خليل. الاول، بحسبه، يهودي والاثنان (كما يقول) تروج لهما الصهيونية. هنا من جانب الحصافة والاجتهاد والتحري، وهناك من جانب آخر شيء كالجهل والاستخفاف والسذاجة ولا اقول البراءة، يرتسم زياد ناقداً ممتازاً لموسيقاه وموسيقى ابيه، وليست المدرسة الرحبانية (بحسبه) سواهما. ولا يبالي بنصف فليس بموسيقى انور ابراهام وربيع ابي خليل. لا كلمة عن موسيقاهما فهذه لم تعد شيئا امام »يهودية« انور ابراهام والترويج لصهيوني لربيع ابي خليل وانور ايضا. اذا كانت يهودية ابراهام مزعومة فإن الترويج الصهيوني لربيع ابي خليل ليس اقل زعماً. اما لماذا تروج الصهيونية لموسيقى ربيع ابي خليل ولانور ابراهام فأمر لا يحتاج الى حجة ولا الى برهان. من يقعد مقعد زياد الرحباني لا يطاليه احد ببرهان ولا حجة. لقد صفقت له الجماهير خمس ليال طوال فما حاجته الى اكثر من ان يملي ويقرر. لن يسأله (ولم يسأله) احد ان يجد صلة سببية بين موسيقى انور وربيع والترويج الصهيوني. وكيف يكون التجديد الرحباني مخيفا للصهيونية والغرب ورائدا قوميا ووطنيا فيما ان التجديد الابراهامي والابي خليلي موصوم مشبوه.
لا حاجة حتى الى المرور بالموسيقى لتبيان ذلك، يكفي ان صاحبه يقعد
هذا المقعد ليكون له ان يقول ما قال. كانت فترة مظلمة وظلامية هذه التي كان فيها حزب كالحزب الشيوعي يضم من كان وبأي تهمة لمجرد انه لم يسايره بالحرف والنقطة لا لشيء الا لان الحزب الشيوعي يقعد ذلك المقعد وله وحده ان يشتبه وان يصم، فلا بد من ان من لا يساير من هو في مقعده سيكون عميلا او مشبوها. لا حاجة الى التمعن في آراء رئيف خوري آنذاك. وليس من يقعد مقعد زياد محتاجاً الى ان يراجع موسيقى ابراهام وربيع ابي خليل. انهما مقعدان لا واحد على كل حال، المقعد الموسيقي الرحباني والمقعد السياسي والاثنان يجتمعان في كلمة واحدة، فلأن زياد في المقعدين فستكون المدرسة الرحبانية (التي طالما وصمت بالخروج والتغرب والعمالة) هي الآن بالرغم من كل شيء مدرسة الأمة والعقيدة والشرع وسيكون كل خارج عنها ولو بالدم والجسد مشبوهاً عميلاً. لقد وصلنا الى هنا. سيكون غرب انور ابراهام وربيع خليل غرباً استعمارياً قذراً وغرب الرحبانية هذه المرة شيئاً آخر. وستتحول المدرسة الرحبانية الى تكية تحاكم الآخرين، وتتهمهم بما سبق ان اتهمت به. أليس هذا، على مستوى الخطاب الزيادي، انتكاسة للمدرسة من الوارث الوحيد الجدير ومن الموسيقي الرائد في التجديد. أليس جهله بزملائه، فضلا عن وصمهم، انتكاسة على الصعيد الموسيقى ايضا، ام ان الواقع هو الذي انتكس.
في يوم تحدث زياد الرحباني عن الحاجة الى ديكتاتور، الى عسكري يفرض القانون، ومهما كان الأمر، فإن هذا غدا الآن طموح الكثيرين، اخشى ان يربح زياد هذه المرة ايضا، وان يكسب ضد كل مأمل. فالواضح ان الواقع يتحمل اكثر من ذلك، والواضح ان تردي الواقع سيكون ثانية حجته الكبرى.
* كاتب لبناني
السفير
http://www.assafir.com/WeeklyArticle.aspx?EditionId=1039&WeeklyArticleId=46379&ChannelId=6064&Author=عباس-بيضون