ستدخل الهيئة الكردية العليا وهي الإطار السياسي الكردي الأكبر والأوسع تمثيلاً لكرد سوريا إلى مؤتمر جنيف 2 في حال انعقاده من البوابة الروسية، إذا ما وجهت إليها الحكومة الروسية كأحد منظمي المؤتمر دعوة رسمية. هذا ما أسفرت عنه زيارة وفد من الهيئة الكردية إلى العاصمة الروسية موسكو قبل أيام، حيث التقت بنائب وزير الخارجية الروسي والمبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف، وأعربت عن ترحيبها بالحل السياسي للأزمة السورية, وعن استعدادها لحضور أعمال جنيف 2 في حال
توجيه دعوة رسمية للهيئة الكردية العليا.
زيارة وفد الهيئة الكردية إلى موسكو جاء كجولة أولى في العمل الدبلوماسي المفتقد لدى الهيئة منذ تأسيسها قبل سنة. إذ لا يزال هذا الإطار السياسي الكردي المشكل من المجلس الوطني الكردي في سوريا (15 حزباً ومستقلين وتنسيقيات) ومجلس شعب غرب كردستان (تيار عبد الله أوجلان في سوريا) أسير خلافاته البينية والمراوحة في المكان، ولم يتقدم خطوة تذكر، رغم تشكيله العديد من لجان العمل للداخل والخارج، مضافاً إليها العديد من اللجان الخدمية في كل منطقة كردية سورية. ولكن الخلافات الحزبية أدخلت الهيئة وأي دور مفترض لها في عنق القارورة. وجاءت زيارة موسكو بمثابة كسر للجليد بين أطراف الهيئة ومحاولة لإعادة الروح إليها.
وقد تسببت زيارة وفد الهيئة الكردية العليا إلى موسكو، بترتيب من رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني، بموجة من الانتقادات الكردية للهيئة والزيارة على حد سواء. إذ انتقد تيار المستقبل الكردي والذي كان يقوده الراحل مشعل التمو قبل استشهاده، من خلال تصريح لمكتبه الإعلامي الزيارة، معبراً عن عدم تمثيل الهيئة لموقف الشعب الكردي في سوريا. واختتم التيار تصريحه بالقول: ” ن محاولات الروس تطمح الى وضع الكورد في خانة النظام لدعم موقفهم في مؤتمر جنيف 2 لا أكثر ولا أقل، ولأن الروس تاريخياً لم يقفوا إلى جانب الكورد ولا إلى جانب قضية الشعوب في المنطقة بل دعموا الأنظمة الديكتاتورية والمستبدة في العالم”.
كما أنتقد الزيارة العديد من النشطاء والكتاب الكرد في مقالات أو منشورات على صفحاتهم في الفيسبوك. وكان محور الانتقادات عدم الثقة بالموقف الروسي المنحاز والداعم لنظام الأسد, وإضرار الروس تاريخياً بالقضية الكردية في المنطقة من خلال تسببهم بانهيار “جمهورية مهاباد” الكردية في إيران 1946، ووقوفهم مع الأنظمة العراقية المتعاقبة ضد الثورة الكردية بقيادة الملا مصطفى البارزاني, وإزالتهم جمهورية كردستان الحمراء 1929 التي تأسست في القفقاس عام 1923.
لكن العقلانية والمعقولية السياسية تفترض عدم وجود صداقات أو عداوات دائمة، سيما وأن روسيا – ورغم إدراك الكرد السوريين أنها طرف في المعادلة السورية اليوم، وأنها تلقي بكامل ثقلها السياسي والعسكري إلى جانب النظام الدموي في دمشق – لا يمكن الشطب عليها أو إلغاء دورها, كونها دولة مؤثرة في الملف السوري، وكونها دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي, وكونها أحد منظمي وراعيي مؤتمر جنيف 2. وكون الكرد السوريين وعلى المستوى السياسي يُعدون الحلقة الأضعف في المعارضة السورية ضد النظام ظل دعم دول الخليج والجامعة العربية وتركيا والأوروبيين والولايات المتحدة منقطع النظير للشق العربي في المعارضة السورية. وقد جاءت الاجتماعات الماراتونية الأخيرة للائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة من أجل البحث في جنيف 2 والتوسعة ضربة قاصمة للكرد السوريين مع عدم تجاوب القائمين على أمور الائتلاف مع طموح الكرد ومطالبهم في سوريا الغد وعدم شمولهم بالتوسعة، ما شكل أحد دوافع توجه الهيئة الكردية العليا إلى روسيا كردة فعل على موقف الائتلاف, ومحاولة للقول: نحن أقوياء في منطقتنا الجغرافية وأكثر تنظيماً ونعرف من أين تؤكل الكتف. وهنا لا بد من إيراد بداهة مفادها إن فصم الائتلاف الوطني السوري العرى مع ممثلي المكون الكردي السوري لا يخدم الموقف المعارض من النظام والهدف المشترك للسوريين في إسقاط النظام. وينبغي في هذا الصدد على الائتلاف الذي نال شرعية تمثيل تطلعات السوريين عربياً وإقليمياً ودولياً طمأنة المكونات السورية كافة، والتعامل بجدية مع مطالبها الحقة والمشروعة. فكل شقاق في الوسط المعارض السوري مخفوراً بعدم جدية المجتمع الدولي في الأزمة السورية سيطيل من عمر النظام وأمد
محنة ملايين السوريين, ويحيل 185 ألف كم2 إلى خرائب وأنقاض وذكرى بلاد.
لم يحدد أرباب جنيف 2 موعداً له بعد, خلال ذلك تتطلع الهيئة الكردية العليا إذن إلى تمثيل الشعب الكردي في سويا في أعمال المؤتمر في حال توجيه الدعوة له, ليمثل إلى جانب الكتلتين المعارضتين : الائتلاف الوطني السوري وهيئة التنسيق الوطنية, وفي حال عدم توجيه الدعوة إليه,،يتوقع أن يشارك حزب الاتحاد الديمقراطي PYD والحزب الديمقراطي الكردي السوري في المؤتمر من خلال وفد هيئة التنسيق الوطنية كون الحزبين عضوين في هيئة التنسيق الوطنية, ولا شك أن الكتلة الكردية في المجلس الوطني السوري ستمثل في المؤتمر من خلال عضويتها في الائتلاف, وهذا يعني في الحالتين تشتت التمثيل الكردي في المؤتمر، وإن كانت الكتلة الكردية في المجلس الوطني السوري لا تحظى بنسبة تمثيل مقبولة في الشارع الكردي السوري قياساً إلى حجم الهيئة الكردية العليا وتمثيلها.
mbismail2@gmail.com
كاتب سوري