إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
بين فينة وأخرى أحبّ العودة إلى الصحف والمجلات العربية القديمة، إذ إنّي كثيرًا ما أعثر فيها على روايات وأخبار تُضيء أمورًا مُظلّلة في هذا الأوان. إنّها بمثابة مصباح فَتّاشٍ من الماضي يكشف لنا ما لم يفلح بصرنا في الوقوف عليه في هذه الأيام.
كما إنّي أحبّ أيضًا العودة بالذات إلى الصحف والمجلات العبرية القديمة لما تكشفه هذه لنا من أخبار لها علاقة بنا وبزعاماتنا العربية، دون أن يكون باستطاعتنا العثور على هذه الأخبار في الصحافة العربية لما تتضمّنه من حساسيات سياسية، ثقافية واجتماعية، وربّما كان من الصعب على الصحافة العربية مصارحة القارئ العربي بهذه الأمور لأسباب لا تخفى على ذوي البصيرة.
إضافة إلى ذلك، أحب العودة إلى تلك الكتابات والتقارير القديمة التي تكشف لنا جوانب شتّى من طبيعة البلاد وطبع سكّانها وعلاقتهم بها وببعضهم البعض في ذلك الزمان.
سأذهب هذه المرّة لتعقّب مغامرات الزعيم الصهيوني الكولونيل كيش في هذه الديار، وفي ضيافة العربان قبل قرن الزمان.
من هو الكولونيل كيش؟
فريدريك هرمان كيش (1888-1943): ضابط بريطاني وزعيم صهيوني. ولد لعائلة يهودية في الهند حيث عمل والده هناك رئيسًا لدائرة البريد. بعد العودة إلى بريطانيا دخل فريدريك الأكاديمية الملكية العسكرية، وانضم إلى القوات الهندسية. خلال الحرب الأولى رُقي لرتبة كولونيل، وفي العام 1919 كان عضوا في الوفد البريطاني بمؤتمر السلام في پاريس. في العام 1922 انضم الكولونيل كيش إلى الحركة الصهيونية وكان رئيسًا للدائرة السياسية.
في الحرب العالمية الثانية، عاد للخدمة في الجيش البريطاني في شمال أفريقيا وبعد تحرير بنغازي عُيّن حاكمًا عليها، ورُقّي لرتبة بريغادير. لقد لقي حتفه بلغم في تونس ودفن بالمقبرة العسكرية البريطانية في أنفيدافيل التي تبعد 100 كم جنوب مدينة تونس.
يشار إلى أنّ مستوطنة “كفار كيش”، وهي موشاڤ في الجليل الأسفل، هي على اسم الكولونيل، كما إنّ حفيده، يوآڤ كيش هو طيّار عسكري إسرائيلي وهو عضو كنيست ونائب وزير الصحّة في هذا الأوان.
***
أخبار يناير 1924
”الكولونيل كيش، مدير الدائرة السياسية في الإدارة الصهيونية في القدس، قام هذا الأسبوع بزيارة الناصرة (لم يكن بهذه المدينة حتى السنة المنصرمة أي استيطان عبري؛ مع بداية الاستيطان في المرج (ابن عامر) سكنت في الناصرة بعض العائلات). وفي مساء قدومه دُعي إلى وليمة في بيت توفيق بك الفاهوم، وهو أحد زعماء العرب في الناصرة. وفي صبيحة اليوم التالي دُعي السيد كيش إلى وليمة لدى الشيخ عبد الله الحسين، أحد رؤساء قبائل البدو في السجر (الشجرة؟؟؟)، والذي أرسل نجليه خصيصًا لتقديم الدعوة.
لقد كانت السفرة إلى ناحية الشيخ رائعة. برفقة وجهاء العرب والنصارى خرج السيّد كيش في الأوتوموبيل إلى مستوطنة عين حارود – وهي من المستوطنات العبرية الجديدة في عيمق يزرعئيل – (= مرج ابن عامر)، ومن هناك إلى محطة القطار. كان في المحطة بانتظاره بعض الخَيّالة اليهود من عين حارود، وحوالي ستّين خَيّالًا بدويًّا، وجميعهم يحملون أنواعًا شتّى من الأسلحة. لقد اصطفّ الخيّالة على جانبي الطريق واستقبلوه بكلّ حفاوة وفرح. عندما نزل من الأوتوموبيل استقبله المشايخ بتحيّاتهم، ومن هناك اعتلى مع رجاله خيولًا أصيلة، أحضرها زعماء البدو خصيصًا له، وانطلقوا نحو قرية كومة، وهو موقع كبير به مضارب لقبائل البدو، وعلى طول الطريق كان البدو ينشدون أغانيهم ويُطاردون بخيولوهم. في كومة كان في استقبال السيد كيش كلّ مشايخ القرية، وكثيرون من وجهاء بيسان، بمن فيهم مختارا المدينة من العرب. لقد كانت الوليمة بدوية بكلّ تفاصيلها. لقد ذُبحت أكباش كثيرة وطُبخت مع الأرز. وبهذا الاحتفال قدّم زعماء قبائل البدو بيانًا ذكروا فيه أنّ سيرة حياتهم، حاضرًا وماضيًا، تشهد على حياة الاطمئنان والأخوّة السائدة بينهم وبين جيرانهم اليهود، كما إنّهم يطمحون الآن مثلما كانوا دومًا – إلى حياة الصداقة والجيرة الحسنة مع إخوتهم اليهود، وفقط في الآونة الأخيرة ظهر بعض المتذمّرين من العرب، يهدفون إلى إثارة النزاع بين المواطنين وإلى زرع بذور الكراهية بين الجيران، غير أنّ هؤلاء لن يفلحوا بمساعيهم.
لقد ردّ السيد كيش على أقوال المُضيف، وأكّد على أنّه جاء إلى أرض إسرائيل ليس فقط للعمل لمصلحة اليهود فقط، وإنّما لمصلحة كلّ البلاد، ولمصلحة العرب، دون فرق بين شعب أو طائفة.
لقد حضر إلى قرية كومة لاستقبال السيد كيش الشيخ محمد الزناتي برفقة ثمانية أشقائه، وحثّوه على زيارتهم في عشيرة النزوية، شرقيّ بيسان. لقد استجاب السيد كيش للدعوة وسار إلى عشيرة النزوية لاحتساء القهوة، واستُقبل هناك بحفاوة كبرى.
إلى وليمة العشاء في اليوم ذاته دُعي الشيخ يوسف العرسان، زعيم قبائل البدو في منطقة الحمرا، إلى الجنوب من بيسان. بعد الوليمة دعا الشيوخ الضيف للمبيت عندهم في خيامهم. لقد قبل السيد كيش دعوتهم، فعقد البدو ”سهرة سمر“ تكريمًا لضيفهم. وهي حفلة بدوية تقليدية: عزفوا فيها على آلاتهم الموسيقية، غنّوا وألقوا قصائد وسردوا الحكايات والخرافات، كما اصطفّوا للدبكة وعلى رأس الحلقة كان الشيخ العرسان بنفسه، وهكذا أمضوا تلك الليلة بالأفراح والغناء وبإطلاق النار في الهواء.
في اليوم التالي دُعي السيد كيش إلى مضافة الشيخ مطلق لاحتساء القهوة. وفي الطريق رافقه سبعون فارسًا، قدّموا عروضًا ميدانية ولعبًا بالسيوف. ومن هناك عاد السيد كيش إلى الناصرة.“ ( ”هعولام“، 11 يناير 1924)
***
الكولونيل كيش في عمّان :
”وفد مؤلف من الحاخام الأكبر يعقوب ماير، الكولونيل كيش ممثّل الهستدروت الصهيونية، والسيد داڤيد يلين، ممثل عن اللجنة القومية ليهود أرض إسرائيل، زار عمّان في الـ 27 من يناير، وفور وصول الوفد في الساعة الـ 12:30 استقبلهم الأمير عبد الله، بعد ذلك زار الوفد بيت السيد فيلبي، ممثّل حكومة إنكلترا، وهناك تناولوا طعام الغداء.
في المساء حظي الوفد بوليمة عشاء في ضيافة الملك حسين، وبعد العشاء بقي الوفد لمحادثة ودّية مع جلالته، ومع سمو الأمير استمرّت ساعة كاملة.لقد كرّم جلالة الملك حسين الحاخام الأكبر بوسام شرف من الدرجة الأولى. (”هبوعيل هتسعير“، 30 يناير 1924)
مقالة فلسفية خارج عن نطاق العقل ، و غير دقيقة بسبب عدم تركيب الأحداث والأشخاص وقفز من فترة زمنية طويلة إلى فترة زمنية قصيرة وبعدها تنسج القصة أو مقالة بطريق صهيوني ملعونه من أجل الفوضى في النسيج العربي والأمة الإسلامية
شكرا لك على نفض الغبار من احداث تاريخية تعكس العلاقات الودية بين ابناء المنطقة اذ تبدو في هذا التوقيت بالذات وكأنها قصة من الف ليلة وليلة. اذا صفت النيات فالطريق الى السلام ستكون سالكة بعيدا عن الافكار الارهابية