يقول الخبر الذي تناقلته الوكالات: “أصدرت المؤسسة القطرية العامة للبريد مؤخراً طابعا بريديا يجسد معاناة غزة ويحمل عنوان “قطر تبكي غزة” وتم توزيع آلاف النسخ منه ليخصص ريعه لدعم قطاع غزة المحاصر”.
طيّب. شكراً. ولكن قبل هذا الخبر بأيام قليلة، وتحديدا يوم الثاني عشر من آب (أغسطس) الجاري، نشرت صحيفة الفينانشيال تايمز (وهي الجريدة العمدة في عالم المال والأعمال) خبرا موسّعا يفيد بأن سلطة الاستثمار القطرية دخلت في شراكة مع نوخي دانكنر، وهو من أهم رجال الأعمال الإسرائيليين، لإنشاء صندوق للاستثمار بقيمة مليار دولار، وتشارك في الصندوق مجموعة استثمارية سعودية.
لا تعليق. نعود إلى رسالة على صفحات الجريدة نفسها كتبها المدير التنفيذي لملف استضافة قطر لمباريات المونديال في العام 2022. كتب المدير، واسمه حسن عبد الله الذوادي، محتجا على رسالة إخبارية نشرتها الجريدة بشأن المصاعب العملية التي تحول دون استضافة قطر للمونديال.
قبل الكلام عن رسالة الاحتجاج، فلننظر إلى ما جاء في الرسالة الإخبارية. يقول كاتبها إن المباريات تُجرى في شهري حزيران وتموز، وفي هذين الشهرين قد تصل درجة الحرارة في قطر إلى خمسين. ومن ناحية أخرى، يسأل الكاتب: لماذا تريد دولة لم تتأهل في يوم من الأيام لكأس العالم استضافة المونديال؟
السيد الذوادي قال في رسالة الاحتجاج إن اللجنة القطرية بالتعاون مع خبراء محليين ودوليين في التكنولوجيا والعلوم والبيئة ستحل مشكلة الحرارة بأجهزة تبريد في الملاعب المفتوحة، والطرقات المؤدية إليها، وأماكن تجمّع جمهور المشجعين، وبفضل هذه الأجهزة لن تزيد درجة الحرارة عن 27 درجة مئوية.
ومن اللافت للنظر أن السيد الذوّادي يعترف في رسالته بأن بعض الأطراف الدولية التي سمعت بالمسعى القطري علّقت عليه بالقول: هذا جنون. بينما سأل آخرون: هل أنتم جادون، هذه نكتة..!!
لا بأس. ولا تعليق. يريد القطريون بناء وتبريد الملاعب والشوارع ووسائط النقل، وأماكن إقامة واحتفال وتجمّعات جمهور من المشجعين، يقدّر بسبعمائة ألف شخص، سيأتي من أربعة أركان الأرض، كل هذا بتكلفة تصل إلى أربعة مليارات من الدولارات. هذه الأشياء لفتت انتباه المعلّقين في الفينانشيال تايمز، ومن بين التساؤلات: كيف سيتعامل المجتمع القطري المحافظ مع جمهور المشجعين الذين يستهلكون أنهارا من المشروبات الكحولية، وكيف ستتصرف قطر إذا أصبحت تحت المجهر، واتجهت الأنظار إلى طريقة تعاملها مع العمّال الأجانب، وكتب أحد المعلّقين: ربما تنجح في تبريد الملاعب، ولكن كيف ستنجح في إصابة كامل الشعب بالسخونة والبرودة في آن؟
لا تعليق. فلنوجه أنظارنا وجهة أخرى. في الثامن والعشرين من حزيران الماضي جاء في جريدة “القدس العربي” اللندنية، نقلا عن جريدة “الشروق” المصرية، أن قطر أوقفت تدخلها في جهود المصالحة الفلسطينية التي ترعاها مصر، مقابل حصول الدوحة على صوت مصر خلال التصويت في الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) على استضافة نهائيات كأس العالم في العام 2022. ولا أعرف ما إذا كان هذا الأمر صحيحا أم لا، يمكن “للجزيرة” أن تبحث في “ما وراء الخبر”.
على أية حال، كتب الدكتور محمد علي فخرو، وهو مثقف ووزير سابق للتعليم في البحرين، في مقالة نشرها في جريدة “القدس العربي” يوم الثاني عشر من آب الجاري: “ما يفعله أغنياء البترول العرب بثروة البترول من بطر وتبذير في بذخ أسطوري مبتذل لم يعد مقبولاً لا بمقاييس الأخلاق ولا الذوق الرفيع ولا أحكام الدين، وهي أفعال تتساوى في مساوئها وسقوطها في سلُّم القيم الإنسانية على مستوى الأفراد والمسؤولين في مؤسسات الحكم المختلفة”.
وقد أورد الدكتور فخرو الأمثلة التالية: “أن يسوق شباب خليجيون سيارات فارهة مطلية بالذهب وتصل أسعار بعضها إلى أكثر من مليون جنيه إسترليني، أو أن يفاخر أحدهم بأنه اشترى رقم سيارته في مزاد علني في بلاده بتسعة ملايين جنيه، أو أن يتبختر أحدهم بأنه نقل سيارته الأعجوبة من بلاده إلى لندن بواسطة طائرته الخاصة، أو أن يزور أحدهم متجر مجوهرات فلا يخرج منه إلاُ وقد صرف عشرين مليون جنيه، أو أن يدفع بعضهم مئة مليون جنيه لشراء شقًّة فاخرة تطلُّ على منتزه هايد بارك، فأن يحدث كل ذلك من قبل أناس لم يمارسوا قط الإنتاج أو الإبداع أو العمل المضني فانه بطر مجنون لا بد من طرح ألف سؤال وسؤال بشأنه كظاهرة فرضيُّة تثير الغثيان ولا بد أيضاً من مساءلة المجتمعات والأنظمة السياسية التي فرًّخت تلك الظاهرة العبثيًّة “. انتهى الاقتباس.
وربما جاء وقت التعليق بلا غثيان ولا مساءلة. فما ينبغي أن يُقال يتمثل في أمرين: كتب محمد حسنين هيكل منذ سنوات طويلة عن فسخ العلاقة بين النفط العربي وقضية فلسطين، وأعتقد أن ما يجري منذ وقت، لم يعد قصيرا، يتمثل في فسخ العلاقة بين المال والأخلاق.
عملية الفسخ هذه مزدوجة، فالذين ينقلون سياراتهم إلى لندن في طائرات خاصة، هم أنفسهم الذين يموّلون الأصولية في العالم العربي، في أيديهم أجهزة الإعلام والمصارف، وتحت أمرتهم ما لا يحصى من “المفكرين”، الذين تنفطر قلوبهم حبا في الأمة وخوفا عليها، وما لا يحصى من الخبراء العرب والأجانب في كل شيء.
وبما أن أغنياء النفط هؤلاء، لم يمارسوا “الإنتاج أو الإبداع أو العمل المضني” فإن كل ما في العالم يقبل البيع والشراء، بما في ذلك الذاكرة، والمجد، والنفوذ، والمقاومة والممانعة، والمشهد الكرنفالي باهظ الثمن. ومع هذا، وذاك، وقبله، وبعده، وفوقه، وتحته، فهم يعانون من الملل. أطنان من الملل.
أخيرا، من قال أن ثمة ما يشبه التناقض بين طابع البريد والشراكة مع الإسرائيليين، أو بين مقايضة الموقف من المصالحة بالتصويت في اجتماع الفيفا، أو بين تبريد الملاعب والشوارع وتسخين الكلام في السياسة؟ وبالمناسبة لن يجد بعض القرّاء العرب مشكلة في التناقض. سيقول هؤلاء: ولم لا، فالعالم تغيّر. وهنا يكمن معنى فسخ العلاقة بين المال والقيم.
وهذا غيض من فيض كتاب البطر في أخبار قطر.
Khaderhas1@hotmail.com
كاتب فلسطيني يقيم في برلين
جريدة الأيام
كتاب البَطَر في أخبار قطر..!!
وليد عداس — auzaina@yahoo.com
اتفق مع الكاتب في وجوب عدم البطر وعدم تبديد ثروات العرب على البذخ في وقت يرزح فيه الكثير من شعوب العرب تحت غائلة الفقر دول مثل مصر وغيرها ولكن…. ماذا فعل حكام الدول الغير النفطيه وبعض النفطيه كالعراق الصدامي باموال العرب؟ بدلا من ان ينفقوها بحكمة على شعوبهم الفقيره راحو يتناهبونها بينهم فزادو شعوبهم فقرا على فقرولو اعطيناهم اموال النفط فهل سينفقونها بشكل افضل؟ الحرامية كثر وسوف لن يعدم الحكام ايجاد المزيد من اقاربهم المستعدين لمشاركتهم نهب ثروات الامم فلا حول ولا قوة الا بالله.
كتاب البَطَر في أخبار قطر..!! * اعلان : لا تدعو قطار الوعي الحسي والعقلي يفوتكم .. شاهدوا (مسلسل الجماعة) ورمضان مبارك . * تنبيه “على الخفيف” : ما زالت خانة (سينما ومسرح) في محتويات هذا الموقع (فارغة؟!) .. هل من كاتب نبيه (هنا) ليتقلد (الريادة) .. كل ما يتطلب الامر : شاهد (مسلسل الجماعة) وخربش اي انطباع يتولد عندك … والنتيجة : قائد برتبة رائد . – كان آخر ما كتبه شيخ المدونين (soj) بعنوان (How to Parse Romanian Culture : كيف تمتدح الثقافة الرومانية) وذلك بتاريخ (16 سبتمبر 2007) .. ووصل عدد المشتركين في مدونة (امريكي في رومانيا) الى… قراءة المزيد ..