أتوجّهُ من خلال هذا الكتاب المفتوح إلى أهلي، مسيحيي لبنان، الذين بذلوا جهوداً جبّارة في الماضي ولا يزالون، من أجل الدفاع عن فكرة العيش المشترك في لبنان والعالم العربي، ومن أجل عروبةٍ حضارية تنتمي إلى “حضارة الوجه” – بحسب تعبير بطاركة الشرق الكاثوليك – أي حضارة التلاقي الودّي والتحاور المباشر.
وبذلك كانوا يؤكدون رفضهم فكرة الأقليات الباحثة عن حمايات مشبوهة، متمسكين بكونهم جماعات متجذرةً في أرضها وساعيةً إلى التناغم مع محيطها الإنساني المتنوّع. وبذلك كانوا أقوياء وسبّاقين.
• نعم كانوا أقوياء وسبّاقين في طرحهم فكرة تقدّمية حديثة قادرة على الإجابة عن هواجسهم الديموغرافية والثقافية والحياتية، إذ رفضوا فكرة كيانٍ مسيحي صغير في العام 1920 وسعوا إلى إنشاء لبنان الكبير بالشراكة مع المسلمين.
• نعم كانوا أقوياء وسبّاقين عندما قادوا معركة الثقافة العربية في مواجهة التتريك.
• نعم كانوا أقوياء وسبّاقين عندما شكلوا جسر تواصل بين الشرق والغرب، من خلال مدارسهم وجامعاتهم ودور نشرهم ومستشفياهم وعقولهم النيّرة في مختلف الحقول.
• نعم كانوا أقوياء وسبّاقين عندما أسسوا دولة الإستقلال مع شركائهم المسلمين في العام 1943 وأكّدوا هوية لبنان العربية رافضين فكرتين: إبقاء الإنتداب الفرنسي والوحدة مع سوريا.
• نعم كانوا أقوياء وسبّاقين عندما تعاطفوا مع قضية فلسطين قولاً وفعلاً واحتضنوا إخوانهم الفلسطينيين في ربوع لبنان إلى أن يعودوا إلى أرضهم.
• نعم كانوا أقوياء في الدفاع عن لبنان عندما انهارت الدولة اللبنانية تحت ضريات الحرب الأهلية وحروب الآخرين.
• نعم كانوا أقوياء عندما رفضوا استمرار الحرب الداخلية إلى ما لا نهاية واقتنصوا فرصةً دولية أتت باتفاق الطائف لوضع حدٍّ للإقتتال الداخلي.
• نعم كانوا أقوياء وسبّاقين عندما دعموا المقاومة ضدّ الإحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان حتى العام 2000 وتحوّلوا إلى رأس حربة في النضال السلمي ضدّ الوجود السوري حتى العام 2005.
• نعم كانوا أقوياء عندما رفضوا تحقيق مكاسب على حساب شركائهم في الوطن في مقابل تخلّيهم عن المطالبة بخروج الجيش السوري من لبنان وأكّدوا من خلال “قرنة شهوان” والكنيسة أنهم يطالبون بالإستقلال بإسم كل اللبنانيين ويتمسّكون بالإصلاحات الدستورية التي أُقِرَّت في إتفاق الطائف.
• نعم كانوا أقوياء وسبّاقين عندما قادوا مع إخوانهم المسلمين أكبر إنتفاضة سلمية في تاريخ المنطقة العربية في 14 آذار 2005، فأسقطوا نظاماً أمنياً كان من أعتى الأنظمة الإستبدادية في المنطقة.
وإذا كانوا كذلك أقوياء وسبّاقين وهم بالتأكيد كذلك فما بالهم يخافون اليوم وممن يخافون؟
لقد قدّموا مؤخراً صوراً تتناقضُ مع شجاعتهم ورؤيتهم التقدّمية فبدوا وكأنهم يرفضون إصلاح قانون الإنتخابات وتخفيض سن الإقتراع لأنهم يخافون “غول”الديموغرافيا.
كذلك بدَوا وكأنهم يرفضون إدخال إصلاحات دستورية تقضي بتجاوز الطائفية السياسية في النظام اللبناني لأنهم يخافون إلغاء “الذات الطائفية”.
وها هم اليوم يبدون وكأنهم يرفضون إعطاء اللاجئين الفلسطسنيين في لبنان حقوقهم الإنسانية لأنهم يخافون “التوطين”.
تلك صورٌ مخادعة وغشّاشة. صحيحٌ أنهم اليوم ضحية مزايداتٍ وهرطقات من الجانب الآخر، تدفع بهم إلى التخندق في هواجس قديمة، كي يسهُل على الوصاية السابقة أن تستعيد لعبتها التي لا تعرف غيرها. ولكنهم أيضاً وخصوصاً ضحية أعيانهم ووجهائهم السياسيين الذين سقطوا في “فخ اللعبة”.
فما بالهم لا يدخلون معترك النقاش داخل مجلس النواب قاطعين بذلك الطريق أمام المزايدين والهراطقة؟
ما بالهم يقدّمون صورةً متخلّفة عن تاريخهم وشجاعتهم!
ما بالهم لا يناقشون قضايا المنطقة التي تُشرف على متغيّراتٍ هائلة، فينظرون إلى الضغط الخارجي على ايران ورفع الحصار عن غزة ودخول تركيا إلى الشرق الأوسط وتخبُّط النظام سوريا في خياراته المتناقضة!
نريد منهم ألاّ يفوّتوا فرصة النهوض بلبنان لأنهم أسرى ثقافةٍ بالية.
نريد منهم أن يُطِلّوا مجدّداً على تحديث الدولة والنظام وأن يشاركوا في رسم شرقٍ جديد حديث ديموقراطي متصالح مع ذاته ومع العالم.
نعم لدى المسيحيين هواجس وهي محقّةٌ في غالبية الأحيان. لقد خرجنا جميعاً من الحرب الأهلية وتسارعت الأحداث ولم يتسنّى لنا الوقت الكافي لاستيعاب ما جرى من متغيراتٍ سياسية واجتماعية أصبتنا كما أصابت كافة الطوائف، ولأننا نظلُّ نعيش في ذاكرة الماضي الأليم، ولكنني على ثقة بأننا سنقوم كما قام مسيحنا في اليوم الثالث على فرحٍ وأملٍ ورجاء بتجديد العيش المشترك وقيام الدولة الواحدة القادرة.
* الدكتور فارس سعيد هو منسّق الأمانة العامة لـ14 آذار
كتابٌ مفتوح إلى مسيحيي لبنان
Dr.Hassan Hammoud — halalyli@hotmail.com
je considère que cette lettre est nécessaire pour les musulmans . Merci Dr. Fares
.DR.Hassan Hammoud . -Canada