الشمس مازالت تشرق من الشرق،ـ قالها قبل أن يُحيّيني ـ، وقد عطفت على كلامه بقولي “أستطيع أن أُخاطر وأُؤكّد لكَ وأنها مازالت تغيب بنفس المكان”.
هكذا بدأ أحد أصدقائي المقيمين في إحدى دول الشتات السوري حديثه التليفوني، وأسرع بطرح الأسئلة التي لم تكن كلها بريئة.
لا يستطيع الإنسان الهروب من الجواب ولا يجب الهروب منه عندما يتعرض لأسئلة عن قرارات اتخذها في حياته، وهو أمرٌ طبيعي بدون تلوين ولا تزيين أن نتخذ في حياتنا مواقف عديدة، لكن طرح السؤال يجعل الفرد أن يحاول الجواب عليه مربوطاً ببعض التصورات الفلسفية وفهمه للحياة التي يعيش.
وكما يقال لا يوجد سؤال سخيف بل يوجد جواب غبيّ، وهذا يعني أنني منذ البداية أعلن عن احترامي للآراء التي سمعتها وقرأتها عن المؤتمر الثاني لجبهة الخلاص الوطني في سورية وهذا لا يعني أنني أتفق مع كل الانتقادات والأحكام المسبقة القطعية.
يمشي رجلٌ مع طفلته في شارع ويتوقف أمام محل لبيع الحلويات، تسأل الطفلة والدها إن كان يريد قطعة بقلاوة، فيكون الردّ بلا، ثم تسأل والدها إن كان يرغب بأكل البوظة(أيس كريم) ويكون جواب الوالد بالنفي، وبعد عدة أسئلة كان الوالد يجيب بأنه لا يريد أكل أو شرب شيئاً، وأخيراً دعت الطفلة والدها أن يبدأ هو بطرح الأسئلة عليها!
رغم عدم براءة أجوبة الأب إلاّ أنني كنت أتمنى لو كانت بعض ردود أفعال المهتمين بالشأن السوري على مؤتمر الجبهة أن يكون فيها الوضوح والدقة ومناقشة ومحاكاة نقاطٍ موّثقةٍ وحقيقيةٍ وعدم الحكم المسبق.
ولننطلق أولاً من أن الجبهة ليست حزباً بل هي تجمع يضم مجموعة أحزاب واتجاهات ومستقلين، من المسلم إلى المسيحي ومن الشيعي إلى العلوي واليزيدي والدرزي …، من المتدين واللاديني إلى العلماني والليبرالي، من اليساري إلى اليميني ومن القومي العربي والقومي السوري إلى القومي الكردي ومن السرياني ومن الأرمني..، فيها شباب ونساء، فيها من قضى سنوات طويلة في سجون النظام السوري، وفيها المشرّد والممنوع من العودة للوطن… والقاسم المشترك هو حب الوطن والعمل على تخليصه من القمع والفقر بإقامة البديل الديمقراطي السلمي.
إنها تشبه مجموعة من عمليات الكسور الحسابية والتي تحتاج إلى قاسم مشترك لتتم عملية جمعها، وهناك من يصعب عليه ـ أو من لا يريد ـ جمع الكسور حتى بعد إيجاد المخرج المشترك لها.
والمشكلة عند البعض هي الإخوان المسلمين والسيد عبد الحليم خدام. وهي مشكلة للبعض وغير قابلة للنقاش ولمحاكاة موضوعية وبدون حججٍ ومنطق، حكماً قاطعاً مسبقاً وغير قابل للطعن، وحتى غير مسموحٍ “للمتهمين” بطرح آرائهم! وينكر هذا البعض اعتناق الوطنية بدون ترخيصٍ منه!
المتابع لحركة الأخوان المسلمين خلال العشرين عاماً الماضية يلاحظ تحولا كبيرا في مواقفهم، تحولا يدعو للترحيب، ولا أعرف سبب أن البعض لا يريد الاعتراف بهذا التحوّل ويحكم على الأخوان وسياستهم كما كانت قبل ثلاثين سنةً. وهذا البعض يفسّر سياسة جبهة الخلاص الوطني وكأنها سياسة الأخوان قبل ثلاثين عاماً، ويقوم البعض بتقييم مؤتمر الجبهة ودون الاستشهاد بأية فقرة أو جملة من وثائق المؤتمر، وحتى دون الاستشهاد بوثائق الأخوان المسلمين للمرحلة الحالية والمقبلة.
يؤمن الأخوان ببناء دولة مدنية ـ وهم للآن لا يستطيعون هضم تعبير دولة علمانية ـ ويؤمنون بالتعددية السياسية والانتخابات الحرة الديمقراطية وحرية المعتقد. وبالمقابل آخرون يؤكدون أن الأخوان هم ورثة وحملة فكر ابن تيمية وعند وصولهم السلطة سيعيدوننا للوراء 14 قرناً.
وبعض محاربي موقف السيد خدام بعد انسلاخه عن النظام كان يتمنى زيارة مكتب السيد خدام ـ أيام زمان ـ ولو لمدة خمس دقائق.
هذا البعض يصف نفسه بالـ”علماني” أو الـ”ليبرالي” أحياناً أو “لا ديني”…
كان البعث وعبد الناصر وكل القوميين العرب يؤمنون برمي اليهود في البحر والقضاء على دولة إسرائيل، ماذا يطرحون الآن؟
كان بعض “العلمانيين الليبراليين” يرددون شعارات الروح والدم والبيعة والدلعة، وعمل بعضهم عند رفعت الأسد وبدون مقابل حسب زعمهم ـ وهو أسوأ مما لو عملوا بأجرة ـ، ولم يكن صدام حسين بعيداً عن البعض، وما زال البعض ينظر إلى حزب الله ونصره الإلهي كما نظرنا نحن اليساريين يوماً إلى فشل عدوان 5 حزيران!
لا أدري إن كان حسن نصر الله وأحمد نجادي أكثر علمانية وديمقراطية من غيرهم؟
لماذا لا يريد البعض الاقتناع أن جبهة الخلاص تحمل مكونات الطيف السوري بكل تنوعاته؟
لماذا لا يساعدونا في دعم الاتجاه العلماني في داخلها، ويساعدونا على تشجيع الأخوان المسلمين ودفعهم للاقتراب أكثر من فلسفة الإسلام في تركيا أو التخندق مع الإخوان مما يقويّ الاتجاه الآخر!
إن الذين أعلنوا الحرب على إعلان دمشق يوم ولادته ووصفوه بإعلان قندهار يتابعون حملتهم على جبهة الخالص، على هؤلاء التأمل قليلاً في الجغرافيا لأن قندهار أقرب إلى طهران من برلين!
يعيشون (يحلمون) بالمستقبل ويفكرون بالماضي، ويبقى الحاضر ضباباً لهم رغم أننا في يومٍ مشمس، أو ظلاً في ليلٍ قمريٍ.
إن جبهة الخالص لا تريد التفريط ولا بأي سوري سواء اتفق معها بالرأي أم لا ـ باستثناء من تلطخت يده بالدم ـ.
إن مستقبل سوريا الحضاري يرتبط بالنظر والتطلع نحو الضفة الأخرى للبحر المتوسط وليس للضفة الأخرى لجبال زاغاروس، وشتان بين السفوح الشمالية لطوروس والسفوح الشرقية لزاغاروس!
شيءٌ جميلٌ وحضاريٌ أن نتحاور وتتصارع حججنا وأسئلتنا وردودنا بدقةٍ، وشيءٌ صغيرٌ أن نعطي أحكاماً مسبقة على غيرنا. أحياناً لا يستطيع الشخص أن يحكم سلفاً على عمله ونشاطه فكيف يقوم بالتنجيم المطلق على غيره، الحكم يكون غالباً على أساس قرائن وحقائق.
كان العلمانيون والليبراليون أول من وقف ضد العقلية المكارثية، ثم أريد أن أسأل البعض “ماذا يقترحون؟ ننتظر حتى يصبح الإخوان المسلمين كلهم علمانيين، أو يتخلوا عن دينهم!
ويقول البعض “يجب الاعتذار من الشعب عن السياسات السابقة”، وللحقيقة أنا أتمنى ذلك، لكن هل يستطيع شخصٌ أن يخبرنا خلال التاريخ الطويل لشعوب المنطقة عن حالة فيها اعتذار واضح وصريح، عشرات ومئات الأمثلة التي تحتاج للاعتذار ومن أطياف ورموز كبيرة وغير كبيرة في تاريخنا القديم والجديد، لم نتعود على الاعتراف بالخطأ بكل صراحة وبالتالي يصبح الاعتذار هو الموقف الإيجابي والممارسة الجديدة.
أكبر ثمنٌ ندفعه في كثير من الأحيان عندما نريد إثبات وجهة نظرنا وبأي ثمن كان!”عنزة ولو طارت”.
قبل فترة قرأت موضوعاً لأحد مثقفي السويداء واصفاً السيد وليد جنبلاط “بالصغير”، ومن جرائم جنبلاط التي جعلته صغيراً تحالفه مع السيد عبد الحليم خدام والذي حسب رأي مثقفنا “غير الصغير” أن شخص خدام أكثر الأفراد المكروهين في سوريا (يكون مشكوراً لو يخبرنا الطريقة التي استطلع فيها رأي الناس في سوريا).
وأنا هنا لست بصدد الدفاع لا عن السيد وليد جنبلاط ولا عن السيد خدام. لكن هذا الفنان والذي كان له دورٌ في عملٍ فنيٍ ضخمٍ عن سلطان باشا الأطرش للموقف البطولي الذي لعبه ضد الاحتلال الفرنسي ـ أقول لمثقفنا هذا: هل وقوف جنبلاط ضد الاحتلال والهيمنة والمافيا السورية لبلده جريمةٌ؟ وماذا كان موقف مثقفنا هذا لو قتل أحدهم والده ـ لا سمح الله ـ
لماذا يشن حملة على السيد خدام ولا يذكر كلمة سوءٍ عن السيد حكمت الشهابي وهو أيضاً انسلخ عن النظام وكان من كبار أركانه لكنه ما زال يلزم الصمت حتى الآن ويعيش في أمريكا!
وبغض النظر عن رأي البعض بحجم جبهة الخلاص وتأثيرها سواء في الداخل أو الخارج، ولا أريد إقناع أحداً منهم بالانضمام إلى الجبهة، لكنني أقترح على كل الذين عندهم ملاحظات أو حتى “عداوات” مع الجبهة وسياستها أن يبدأوا بحوارات ونقاشات حول هذه أو تلك الفكرة المطروحة ـ أن نرفع ولو مؤقتاً الأحكام المسبقة والعداوات الأبدية الإيديولوجية ـ إنني أقترح على المقربين من صفوف المعارضة الوطنية والتي لا تنتمي إلى جبهة الخلاص الوطني ولا تنتمي إلى إعلان دمشق لحوارٍ مفتوح وبلا شروط سوى شرط احترام الرأي الآخر.
مهامٌ كبيرة تقع على عاتق إعلان دمشق وجبهة الخلاص، ومن يقرأ أية وثيقة من وثائق مؤتمر برلين وبدون النظر إلى الكلمات التي تشير إلى أنها تعود للجبهة ـ لو قرأها شخصٌ ـ لوجد فيها الكثير من الآراء والأهداف التي يطمح لها كل من يريد ويعمل على التغيير السلمي وإقامة البديل الديمقراطي.
أريد أن أقول بكل صراحة أن البعض يريد الديمقراطية مشفّرة على ذوقه، لكن ما العمل لو أراد كل فريق لوحده تشفير الديمقراطية.
وعودة لتلفون صديقي وهو عينّة من آراءٍ تسبح هنا وتتمشى هناك، يتداخل فيها ضباب الخريف مع أشعة الشمس، ضبابية قوس قزح بين برلين ودمشق!
وكان ومن جملة أجوبتي على أسئلة صديقي عن مؤتمر الجبهة، أن جبهة الخلاص الوطني أعطتني أصدقاءً جدد ولم تحرمني من أصدقائي القدامى، أغنتني بوجهات نظرٍ جديدة ولم تنتزع مني قناعاتي الفكرية والسياسية والإيديولوجية.
وأقول أخيراً مع الاحترام لمنتقدي الجبهة وبنفس الوقت الصامتين عن سياسة النظام والأسرة ـ أقول أيهما أفضل:
وجود الشخص في تجمعٍ سيء مائة في المائة أم وجوده في تجمع جيد سبعون في المائة؟
إن مواقف البعض تشبه من كانت رائحة فمه كريهة، كل الناس تشعر بها إلاّ صاحبها.
fadel.k@freemail.hu
بودابست
ضبابٌ سوريٌ في يومٍ مشمس!
\
“ سبحان من لم الشامي على المغربي .”
ضبابٌ سوريٌ في يومٍ مشمس!لنكن صريحين مالذي يجعلنا نضطر للثقه بتحالف الاخوان مع خدام فالاخوان وكما قال كاتب التعليق السابق ملطخة اياديهم بدماء السوريين والسعوديه تدعم وتدفع لزعزعة الاستقرار في سوريا ومالذي يضمن للسوريين ان لاتعود سوريا الى الوراء 14 قرنا في حال وصول تحالف المعارضه الى الحكم وهذا برايي مستحيلا فحكم 40 سنه للبعث السوري خلق 4 اجيال عليهم انتظار نهاية هذه الاجيال وخلق اجيال جديده ان المشكله الرئيسيه هي ان غالبية الشعب تعلم ان للسعوديه اليد الطولى بتحريك المعارضه ان لم يكن مباشرة فعن طريق ازلامهم اللبنانيين فقط لاثارة الفتنه ولجعل الوطن العرباني ككل يعود الى الظلاميه التي… قراءة المزيد ..
ضبابٌ سوريٌ في يومٍ مشمس!the muslim brotherhood and Khaddam both have blood on their hands. they are another face for the current regime and probably worse in that they are as corrupt, will need violence to come to power, and won’t present a better solution for the situation in Syria. in fact bringing a muslim party to the ruling ranks is a step backward in my view! Just look at Ghazza, not Turkey! You are right though about the silence of the opposition and the Damascus Delclaration. They should all make it clear that they oppose this Salvation Front and… قراءة المزيد ..