بغداد: داميان كيف *
اكتشف مقتدى الصدر، الزعيم الشيعي ومؤسس ميليشيا جيش المهدي، أخيرا أن اثنين من قادته أعدا أقراص دي في دي عن رجالهم وهم يقتلون سنة في بغداد. وأشارت الوثائق الى أنهما تلقيا أموالا من إيران؛ فقرر تجريدهما من السلطة، وفقا لما قاله اثنان من قادة جيش المهدي في مدينة الصدر.
ولكن هل فعل ذلك كجزء من تعاونه مع خطة بغداد الأمنية الجديدة، التي تهدف الى القضاء على العنف الطائفي الذي ابتليت به المدينة ؟ أم لأن رجاله كانوا غير موالين له ويتلقون أوامر من ايران، التي يقيم دعمها ولكنه يعارض هيمنتها؟ أم أن الأمر كان استعراضيا، لتعزيز صورة الزعيم الذي طوق مخاطر الفيديو وأراد أن يتجنب إجراء أميركيا مباشرا ضده؟ وارتباطا بسريان الخطة الأمنية الجديدة للعراق، فان أي سؤال حول دوافع الصدر يؤثر على ناحية معينة من الصراع المعقد في العراق؛ فهو يجد نفسه الآن تحت ضغط من مصادر عديدة. وأحد الضغوط يتمثل في قاعدته الشعبية التي تطلب الحماية من الهجمات المهلكة، والضغط الثاني من ايران التي لديه معها صلات مديدة لكنها صعبة. ثم ان هناك أطرافا متمردة في الميليشيا التابعة له مستاءة من خطوته نحو الإطار السياسي. وأخيرا هناك الأميركيون الذين اتهموا إيران بتزويد الميليشيات الشيعية، وبينها ميليشيا الصدر، بعبوات ناسفة تقتل عددا متزايدا من الجنود الأميركيين.
ومن غير الواضح ما اذا كان الأميركيون سيتحركون مباشرة ضد الصدر. فقد طالبت الولايات المتحدة بأن تتصرف حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي بقوة ضد جيش المهدي. غير ان المالكي مدين بالكثير من قوته السياسية في التحالف الشيعي الحاكم لدعم الصدر. وفي الوقت الحالي يقول مسؤولون أميركيون وعراقيون انه يبدو أن الصدر يتعاون مع جهود تهدئة بغداد، وقد أمر رجاله بعدم خوض قتال حتى اذا اقتحمت العربات الأميركية المدرعة معاقل جيش المهدي شرق بغداد. ويبدو انه يطهر البيت من المقاتلين الذين يمكن أن يشوهوا سمعته عبر الارتباط بإيران او بأعمال القتل التي تمارسها فرق الموت. ويقول مساعدوه انه دعا الى هدنة طائفية. وقال حازم الأعرجي، مدير مكتب الصدر في غرب بغداد، ان «مقتدى الصدر قال احموا رجال دينكم، واحموا مراقدكم المقدسة، وتعاونوا مع الحكومة. ولهذا لم تتخذ أية إجراءات».
وربما في أكثر خطواته جرأة حتى الآن، ساعد الصدر الحملة العراقية الأميركية المشتركة ضد عناصر من الميليشيا التابعة له، مشيرا الى من يتعين اعتقاله، وطالبا من آخرين الهروب، وفقا لما قاله اثنان من قادة جيش المهدي وسياسي شيعي في بغداد. وقالوا ان الصدر «جمد» ما يزيد على 40 من قادته العسكريين بينهم 20 ممن لديهم صلات مع ايران. وقال مساعدو الصدر إن هذه الخطوات جزء من اصلاحات تنظيمية. وعلى الرغم من أن مكان وجود الصدر غير معروف، حيث أن الأميركيين يقولون انه في ايران بينما ينفي مساعدوه وكذلك ايران هذه المعلومات، فقد عين قائدا جديدا لكل بغداد للمرة الأولى وفقا لما قالوه. كما ان الصدر اختار قادة جددا لشرق وغرب بغداد.
ورفض بعض مساعدي وقادة الصدر، الذين تحدثوا عن خطوات الصدر الأخيرة خلال مقابلات مستقلة أجريت معهم في النجف وبغداد، أن يعطوا أسماءهم، قائلين انهم غير مخولين بالحديث، ويخشون أعمالا انتقامية من أعضاء حاليين أو سابقين في الميليشيا.
وقالوا إن رجل الدين سمح باعتقال أعضاء في الميليشيا التابعة له أو أبعدهم بنفسه، لأن الدلائل اظهرت انه لم ينفذوا أوامره ولأنه أراد ان يظهر لإيران والمسؤولين الأميركيين والميليشيا التابعة له انه زعيم قوي يجب النظر اليه باحترام وهيبة.
وحسب ما قاله بعض المسؤولين الشيعة، فإن إيران قدمت لمنظمته دعما سريا. لكن ما تتسلمه والكيفية التي يتم إيصال المساعدات فيها إليها يظل لغزا، لكن بعض القادة الشيعة يقولون إن الصدر يتسلم مساعدات أقل من إيران من الحزب الشيعي المنافس له(المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق) والذي تم تشكيله على يد بعض المنفيين العراقيين عام 1984.
وتدعم إيران بشكل عام عددا كبيرا من المجموعات في وقت واحد بما فيها بعض التنظيمات السنية، وهذا ما يضمن لها الاستفادة من أي نتيجة، حسبما قال سامي العسكري، عضو البرلمان الشيعي الذي يعمل عن قرب مع رئيس الوزراء نوري المالكي. وأضاف العسكري: «إيران تتدخل في طرائق كثيرة، مستخدمة وسائل كثيرة». وفي حالة جيش المهدي، قال العسكري، إن إيران تدرك طبيعته، وهذا ما جعلها تقدم له الدعم على مستويات متعددة؛ فبعض الدعم يأتي من خلال أواصره بـ«حزب الله» اللبناني، الذي هو الآخر يتسلم دعما إيرانيا. وللصدر مكتب في بيروت، ويقول قياديو جيش المهدي إنهم أرسلوا مقاتلين إلى حزب الله منذ الصيف الماضي، حينما كان حزب الله يقاتل إسرائيل.
كذلك تقدم إيران دعما مؤسساتيا للعراق، وخصوصا لوزارة الصحة التي يسيطر عليها تكتل الصدر؛ فعلى سبيل المثال، قامت، بعد مرور ثلاثة أيام على التفجير الذي وقع في مدينة الصدر وأدى إلى مقتل أكثر من 140 شخصا، سيارات إسعاف عراقية بنقل بعض الجرحى إلى الحدود الإيرانية. ثم تم نقلهم بسيارات إسعاف إيرانية إلى مستشفيات إيرانية؛ حيث غطت الجزء الأكبر من تكاليف العلاج من قبل منظمات إيرانية. كذلك هو الحال مع ضحايا تفجير حي الصدرية، حيث نقل يوميا ما يقرب من 25 رجلا وامرأة من بغداد إلى إيران، حسبما قال قاسم علاوي المتحدث باسم وزارة الصحة العراقية.
لكن أكثر المساعدات المتعلقة بالأسلحة تأتي من إيران لا إلى الصدر بل لأشخاص تابعين له. وقال العسكري: «أحيانا تذهب المساعدات إلى القيادة فتقرر إلى أين يجب أن تذهب. وأحيانا أخرى تذهب إلى قياديين محليين وهذا ما يشجعهم على التمرد». وأضاف «تضع إيران مقتدى الصدر ما بين أطراف ضاغطة؛ فمن جانب هي قادرة على مساعدته ومن جانب آخر فإنها قادرة على تقويض سلطته عن طريقة مساعدة الأفراد الذين هم تحت سلطته».
وحسب بعض مساعدي الصدر وبعض القادة من جيش المهدي، تهدف تطهيرات الصدر الأخيرة إلى تحذير إيران من أنه المسؤول الأول وأنه مستقل عنها. وقال هؤلاء إنه يريد تذكير أعضاء ميليشياته باستعداده لاستخدام أي وسيلة بما فيها الوحدات العراقية والأميركية لإبقاء سيطرته على الميليشيا، باعتبارها مصدرا لأي قوة سياسية يتمكن من الحصول عليها. وقال أحد مساعدي الصدر في النجف: «نحن سننهي نظام اللامركزية الذي كنا نتحرك وفقه».
وأمس دعا الصدر قوات الأمن العراقية الى الأخذ بزمام المبادرة وقيادة الخطة الامنية في بغداد بدل القوات الاميركية. وقال في بيان تلاه الشيخ عبد الزهرة السويعيدي مدير مكتبه في بغداد أمام الآلاف من انصاره في مدينة الصدر «اقول للقوى الأمنية العراقية المتمثلة بالجيش والشرطة انكم لقادرون على حماية العراق وشعبه (…) بإيمانكم وتضحيتكم وصبركم وبترابطكم ومحبتكم لشعبكم لا بالمحتل وطائراته ودباباته», حسبما اوردته وكالة الصحافة الفرنسية.
*خدمة «نيويورك تايمز»
http://www.asharqalawsat.com/details.asp?section=4&issue=10317&article=408141