بعد سلسلة من القرارات الخاطئة يقوم بها النظام المصري منذ يوم 25 يناير 2011، وصلت مصر إلى مرحلة أغنية عبد الحليم حافظ «قولولو الحقيقية»، إذ يبدو أن الرئيس المصري حسني مبارك وصل إلى حالة من العناد تحتاج إلى أن يقول له المقربون منه الحقيقية. والحقيقة هي أن الحالة المصرية اليوم وصلت إلى نقطة اللاعودة.
إما أن يتخذ الرئيس القرار الصعب بأن يذهب بهدوء، ويبقى النظام، أو أن يذهب ويأخذ النظام معه، وربما مصر برمتها.
كانت مصر وشبابها يوم 25 يناير في حالة أم كلثوم «ماتصبرنيش، ما خلاص أنا فاض بيّ ومليت»، إذ عبر الشباب ومعهم آباؤهم وأمهاتهم عن أن الكيل قد فاض بهم من قسوة القهر والظلم الذي مارسته الدولة بكل أدواتها القمعية، فانطلقت المظاهرات في كل مصر؛ في القاهرة، وفي الإسكندرية والسويس، مظاهرات لم تشهدها مصر من قبل. وبقي الناس في الشوارع يوم جمعة الغضب، مطالبين بإقالة وزير الداخلية، ولم تسمع الدولة، لأن الدولة في الحالة المصرية، رغم وجود حيز حرية التعبير، كانت دولة لا تسمع، وقد كتبت عن ذلك من قبل في هذه الصحيفة مقالا بعنوان «الدولة الطرشة»، ولكن ربما لا أحد يقرأ.
وأدعو قرائي المخلصين هنا إلى إعادة قراءة مقالاتي عن مصر في السنة الفائتة كي يفهموا كيف وصلنا إلى هنا. وقف المصريون ينتظرون ظهور الرئيس للحديث إليهم ليقيل وزير الداخلية حبيب العادلي، فتأخر الرئيس يوما، ثم يومين، فانتقل المتظاهرون من حالة أم كلثوم «ماتصبرنيش ما خلاص» إلى حالة ليلى نظمي «خلي عليوه يكلمني»، وانتظر المصريون عليوه كي يخاطبهم، وخرج الرئيس مبارك وألقى كلمة كانت أشبه بكلمة رئيس شرطة لا رئيس دولة من حيث لغة الخطاب وطريقة العرض، قرر فيها إقالة حكومة أحمد نظيف، انتظرت الجماهير عليوه كي يكلمها، ولم يقل عليوه شيئا يرضي الغاضبين، وهم كثر.
ثم توالت الأحداث تباعا، وقرر الرئيس تعيين عمر سليمان نائبا للرئيس، وهو رجل مقبول إقليميا ودوليا، ولكن قبوله في الشارع المصري مرهون بوقت محدد ومدى التصاقة بالنظام القديم، وانتظر الناس الوزارة الجديدة، فظهرت الوجوه ذاتها، ولا تغيير يذكر، وبدلا من أن تهدأ الوزارة الجديدة الناس، زادت مشاعر الغضب اشتعالا.
وانتقلت مصر إلى حالة عبد الحليم حافظ، «قولولو الحقيقية» لأن تشكيل الوزارة يشير إلى أن تقدير الموقف كان خاطئا، كما أن معيار الاختيار في الحكومة مازال الولاء والأصدقاء والأقارب هي صيغة التعيينات الحكمية. ولم يبق أمامنا إلا أن يتحدث عمر سليمان، ويصمت الرئيس، وتحدث سليمان، لكنه تحدث أيضا بلغة لا يفهما الشارع. اليوم الثلاثاء، واقتربنا جدا من لحظة الحقيقية، لحظة انشقاق القمر المصري، وهنا نشمع صوت أم كلثوم القائل، «فات الميعاد».
أما نهاية الأسبوع فستكون أغنية أخرى لسيدة مصر وسيدة الغناء العربي تصدح في سماء القاهرة «وغدا تأتلق الجنة أنهارا وظلا.. وغدا ننسى فلا نأسى على ماض تولى».
نقلاً عن “الشرق الأوسط”