لقد أضحت القنوات الفضائية في وقت سريع مؤسسات إعلامية مهمة غير مقتصرة على الحكومات، وتحولت إلى منبر حي للأحزاب والتنظيمات والتيارات وأتباع المذهب والطوائف, فأصبح لكل حزب سياسي وطائفة دينية جهازا إعلاميا متطورا تبث عبره معالمها الحضارية والفكرية، واليوم يمتلئ الفضاء العربي بعشرات القنوات الفضائية التي تعبر عن الواقع السياسي والمذهبي والثقافي المتنوع في الأقطار العربية. فكل قناة فضائية تجسد بطريقة أو بأخرى معالم النهضة وأيدلوجيا الحركة لكل تيار أو اتجاه، والشيعة باعتبارهم الجناح الثاني في الحركة الإسلامية كانت لهم كما لإخوانهم اللدودين قنوات فضائية متعددة. فحزب الله لبنان أطلق فضائية المنار، وهي قناة تتجاوز في الغالبية العظمى من مواد بثها البعد المذهبي الضيق لتقوم سياستها الإعلامية على الدعوة لثقافة المقاومة الإسلامية والوطنية ومواجهة الوجود الإسرائيلي والمخططات الأمريكية. وفي العراق تبث فضائية “العراقية” التي تعبر عن توجهات الحكومة العراقية التي يسيطر عليها الشيعة، وسياستها الإعلامية تتسم بالاعتدال وتحاول الظهور بمظهر الفضائية الرسمية المسئولة. كما أن لكل حزب سياسي وتيار ديني شيعي في العراق محطة فضائية يعرض من خلالها آرائه ونزعاته العقائدية وثقافته العامة، وتتراوح ما بين النزعة الصوفية التقليدية كقناة “كربلاء” وما بين الاعتدال والمعاصرة ومنطق الدولة كقناة “العراقية”.
وكان لشيعة الخليج والسعودية أيضا نصيب من هذا الفتح الإعلامي المتطور. فأطلقوا أيضا قنوات تعبر عن توجهاتهم الثقافية والفكرية والدينية، فكان أن افتتحوا قناة “الأنوار” وقناة “الفورتين”!!
أهالي القطيف والاحساء والبحرين لم يكونوا متجاوبين مع أي قناة فضائية رسمية أو خاصة طيلة السنوات الماضية، حتى إعلاناتهم التجارية كانوا يتجنبون عرضها في القنوات الخاصة لأسباب مذهبية وأخلاقية، وظلوا منعزلين إعلاميا إلا أنهم كانوا يحلمون بامتلاك قناة فضائية على غرار الشيعة في لبنان والعراق حتى تحقق الحلم أخيرا! وتحمل رجل أعمال سعودي مسئولية افتتاح قناة “الفورتين” التي تعبر عن آمالهم وأحلامهم وثقافتهم!! فانجذب إليها العامة قبل الخاصة! فكانت تلك القناة بمثابة إحدى القنوات الشيعية التي تعبر عن ثقافة وفكر وأصالة الشيعة في السعودية وعموم الخليج!!
إلا إن قناة “الأنوار” الكويتية تعتبر قناة أهل القطيف والبحرين بامتياز!! فالعديد من موادها تعد في القطيف والكثير من ضيوفها ومعدي برامجها من القطيف أيضا، ويعتبر مكتبها غير الرسمي في القطيف من أنشط المكاتب، ولكن ماذا تعرض هذه القناة التي هي بمثابة قناة أهل القطيف والاحساء والبحرين شبه الرسمية؟! أنها تعرض طوال العام برامج دينية مكثفة، وتوغل في التاريخ بحيث إن معظم برامجها بعيدة عن المعاصرة والواقع. إنها بالطبع قناة دينية ولا ينتظر منها عرض غير البرامج الدينية التقليدية، إلا إن تفاعل أهالي القطيف والبحرين والاحساء معها يشكل دلالة على أن هذه القناة هي المحطة الفضائية التي تعبر عن ثقافتهم وتوجهاتهم!!
إن قناتي الأنوار والفورتين تعرض طوال فترة البث مواد دينية واجتماعية تجسد النظم الحاكمة والمفاهيم العقائدية والفكرية لهذه المجتمعات، من دون منح أي فرصة للنقد أو التشكيك أو التساؤل. ويقوم جهاز الرقابة فيها والمكون من رجال دين متشددين بمنع بث أية مواد تتعارض معها. حتى إنها حذفت مشاهد من لقاء اجري مع احد الكتاب لمجرد انه أعلن موقفا عقائديا اعتبره رجال الدين انحرافا!! ومنع بث لقاء مع إحدى المبدعات لمجرد أن كفيها ظاهرين للمشاهد!! إن الأنوار تبث على مدار الساعة البرامج التي تجسد الفتاوى والأحكام الفقهية والمفاهيم التقليدية التي يغلب عليها المحافظة والتصوف والتشدد والتطرف، دون الالتفات لحركة الواقع والمعطيات الحضارية الهائلة للعالم المحيط بالمجتمعات التي تستهدفها بإعلامها.
والغريب إن عموم أهالي القطيف والبحرين والاحساء يتفاعلون ويتجاوبون معها بتلقائية!!
إن هذا يدل بكل تأكيد على أنها قنوات فضائية تعبر عن واقع تلك المجتمعات المتسمة بالتشدد والتطرف والسلفية الصوفية المبحرة في الماضي البعيد. إن المجتمعات الشيعية في الخليج لا سيما في القطيف والاحساء تعيش سلفيتها وتدينها بتطرف بسبب شيوع التمييز الطائفي، الأمر الذي يدفعها لمحاولة تأكيد الذات المذهبية وإسقاط الايدولوجيا على الواقع. فالأهالي يتركون أعمالهم في أيام المناسبات الدينية (كأيام عاشوراء) ويرتدون السواد في الأماكن العامة ويرفعون صور علمائهم في الشوارع والأسواق، رغم أن ذلك كله مخالف لمبدأ الانتماء الوطني والمظهر العام للوطن الذي يجب أن يسمو عن الطائفية والنزعات المذهبية. فارتداء الملابس التي تعبر عن الانتماء المذهبي يجب أن يكون في الأماكن الدينية لا العامة أو الرسمية كالمدارس. وتعليق صور رجال الدين يجب أن يحصر في الحسينيات والمساجد لا الشوارع والمنتزهات! وترك العمل لأجل حضور مناسبة دينية أمر غير مقبول وغير مبرر حتى عند الفقهاء الشيعة أنفسهم. إلا إن المجتمعات الشيعية باعتبارها من المجتمعات الدينية المتشددة والمغالية في انتمائها المذهبي ونزعتها الصوفية السلفية الجامدة تحاول بقدر الإمكان إسقاط أيدلوجيتها الدينية المتحجرة على الواقع المتحرك والمتغير باستمرار، ما ينتج عنه احتقان مذهبي وشعبي يظهر جليا في حالة التخلف والانهيار الإنساني والحضاري الذي تعيشه مثل هذه المجتمعات.
إن الاحتفال بذكرى بعض الشخصيات المذهبية كالإمام المهدي ليس سوى تعبير عميق عن معارضة الواقع والرغبة في تغييره لصالح الهوية المذهبية والشعور الطائفي الطاغي. فالإمام المهدي هو الذي سوف يقضي على كافة المخالفين من السنة واليهود والمسيحيين ويجعل الشيعة سادة على هذه الأرض ويقضي على كافة الأنظمة الحاكمة باعتبارها فاسدة وغير شرعية وسيجعل الشيعة سادة على مخالفيهم، بينما هم اليوم أقلية مذهبية معزولة.
أنهم يحتفلون بذكرى إمامهم الغائب ويعقدون الأمل على ظهوره ليخلصهم من ضعفهم وهوانهم وذلهم، إن ذلك ليس سوى نوع من التخدير الذي يمارسه رجال الدين وتنفيس جماعي لضمان استمرارية الايدولوجيا المتسمة بنزعتها الخيالية والخرافية في بعض الأحيان. ذلك إن الايدولوجيا الدينية هنا لم تحقق أهدافها المتوخاة ولم تؤدي إلى نتيجة ملموسة. بيد إن الضرب على وتر النغمات الدينية المترسبة في الوجدان والمشاعر الدفينة الواعية واللاواعية في الفرد والمجتمع كانعقاد الأمل بوجود شخص خارق ألا وهو الإمام المهدي، تتحول فيه الايدولوجيا إلى واقع وتصبح منهج حي ومتحرك، سيكون له أعظم الأثر في بقائها وبالتالي استمرارية رجال الدين في ممارسة سلطتهم الروحية والعقلية والتحكم بمناهج الذهن والتفكير في تلك المجتمعات المعزولة عن زمنها بكل ما يحمل من تطور هائل على مختلف المستويات.
إن الاحتفالات الصاخبة بذكرى الإمام المهدي في بعض المجتمعات كالقطيف والبحرين والاحساء نوع من التعبير اللاواعي في رغبة جامحة تتمثل في الخروج من الحياة الرتيبة الجافة والقاسية، حيث ستتوفر فرصة نادرة للبهجة والتواصل الاجتماعي لا سيما بين الجنسين! مما حدى بالكثير من رجال الدين إلى التشديد على عدم دخول المنازل للأطفال الأكبر من 12!!
إن القنوات الشيعية كالأنوار والفورتين تقدم برامجها الفنتازية وتلقى استحسانا من أهالي القطيف والبحرين والاحساء، ذلك إنها تعبر عن الحس المذهبي والطائفي المتجذر في تلك المجتمعات، فغدت قنواتها الرسمية وأصبح الأهالي فيها يتفاعلون معها بكافة أشكال التواصل الجماهيري سواء عبر الإعلانات التجارية أو رسائل المسج أو الاتصالات التلفونية المباشرة أو الدعم المالي. وكما أن قناة المنار تهدف إلى مواجهة الوجود الإسرائيلي والأمريكي وتنظر لثقافة المقاومة والنضال ضد الاستعمار والاحتلال والطغيان وتعبر عن المستوى الثقافي للشيعة في لبنان، فان قناة الأنوار تظهر الوجه الحقيقي لأهل القطيف والبحرين!! وكيف أن قناتهم الفضائية تعبر عن ثقافة ماضوية سلفية صوفية ساذجة وتعيسة، ليس لها هدف واقعي أو غاية حقيقية سوى استمرارية الواقع المتسلط على تلك المجتمعات بكل ما يحمله من بؤس وانحدار.
لقد أثبتت تلك القنوات عن عدم قدرة رجال الدين الحاكمين على إيجاد تناغم وانسجام ما بين الدين والحياة والحاضر والماضي الذي توغل فيه بسفه، وجسدت برامجها سلفيتها وصوفيتها وانعزالها وتوحشها، وهي بذلك تدلل من دون شك على المستوى الحضاري والإنساني والمعرفي المتهاوي الذي تعيشه تلك المجتمعات التي تنخر فيها المفاهيم والقيم الطائفية والمذهبية وتسود صفوها كافة أشكال الانزواء والانكماش على الذات والهوية المذهبية الضيقة والمتحجرة.
إنها قنوات تظهر بوضوح وجهها الطائفي وأجندتها السلفية المعادية للواقع والنتاج الحضاري والمعرفي العالمي وتقدم خطابا موغلا بالتشدد والتسلف والتطرف والتعصب والبعد عن الواقع وتقديم اللامعقول في صورة الحقيقة التي ستسود في نهاية الأمر، وكل ذلك مبني على دعم سلطة دينية كهنوتية تسيرها منظومة إدارية محكمة تتجاوز البعد الجغرافي والوطني.
إذا استمر الانحدار الحضاري والإنساني والثقافي لتلك المجتمعات سيأتي يوما تطلق فيه قناة التطبير الفضائية!! ذلك أن المجتمعات التي تذوب في صراعات جوفاء لا اثر لها ولا نتيجة كجواز التطبير من حرمته!! ليس بالغريب عليها أن تتفاعل مع طوبائياتها ويقدم أنصار التطبير على افتتاح قناة خاصة بالتطبير في يوم ما!! للتدليل على صحة عقيدتهم وحكمهم الفقهي!! وحتى ذلك الوقت سيحتدم الصراع والنزاع ما بين التيارات الدينية الحاكمة في مثل تلك المجتمعات طمعا في اكتساح الساحة الشعبية وتحصيل المزيد من الأنصار على حساب مستقبل أبنائها وآدميتهم وهويتهم البشرية وانتمائهم الوطني والقومي والإنساني.
raedqassem@hotmail.com
• القطيف – السعودية
قناة التطبير الفضائية!في موضوعك به نوع من الفرز للتيارات والمطلوب فرز اوضح من ذلك علما ان هناك قنوات لا بأس بها وهناك قنوات لا تمثل مستوى الطموح وقنوات لها نوع من الشتدد فلو كان التقسيم على هذا الشكل وتوضح نقاط القوة والضعف في كلا منها لكان البحث اكثر موضوعية الا انها كمواضعيك السابقة تخلط الحابل بالنابل بالاضافة لا بد ان توضح لهم سبل الرقي في القنوات اذ الباحث الموضوعي اذا كان قصده الاصلاح يحاول ان ينبه الى الاخطاء والسلبيات لا فرق يذكر السلبيات الا ان موضوعك اقرب الى القدح والتجريح اكثر مما قصدك الاصلاح والذي يظهرمن عنوان المقال التطبير فلو… قراءة المزيد ..
قناة التطبير الفضائية!
واسفاه على هذه الامه الجاهله نحن العرب في انحدار شديد نحوى التخلف والبربريه
قناة التطبير الفضائية!
الله يحفظنا من الاحقاد والاضغان ويحفظ بلاد المسلمين فعلاً قنوات طائفية بحتــــــــــــــــــــــــــــــــــه