بعد اتخاذ قرار إيقاف عرض مسلسل ” للخطايا ثمن” عبر عدد من الشيعة ومن السنة كذلك عن فرحتهم على تحقيق هذا الانجاز الكبير … ولكن بعد انتهاء التشنج والتعبئة ألا يحق لنا أن نفكر و نتساءل: هل حقا أن عدم عرض المسلسل يعتبر انجازا يستحق الاحتفال به، أم انه بداية أزمة جديدة سيدفع أبناء المنطقة وبالخصوص الشيعة في المستقبل القريب ثمنها غاليا، وهل سيتحول قرار المنع إلى عادة لإيقاف ومنع أي تحرك ديني أو سياسي أو فكري، وهل ستستغل بعض الجماعات صدور قرار المنع السياسي في تصفية الحسابات المذهبية والفكرية والقبلية، ولماذا كل هذه الاهتمام من قبل بعض السنة أصحاب التوجهات السلفية المتشددة في دعم المطالبة بعدم عرض المسلسل؟
الدين والممارسة
لقد كتبت سابقا مقالا بعنوان” للخطايا ثمن وللفتنة ثمن أعظم” وذلك قبل أن تنشر مجموعة ام بي سي بيانا تشير فيه إلى تعذر عرض المسلسل.
وفي هذا المقال سأتحدث حول: ماذا بعد تعذر عرض المسلسل، وما السيناريوهات التي ممكن أن تحدث نتيجة الحجب بقرار سياسي حكومي، وتأثير ذلك على شعوب المنطقة ؟؟
إن المشكلة التي وقع فيها القائمون على المسلسل أنهم تناولوا قضية شرعية حساسة عليها اختلاف منذ عهد الخلفاء الراشدين ولغاية اليوم وهي زواج المتعة (الزواج الذي كان موجودا منذ أيام الرسول الأعظم (ص) بجانب الزواج الدائم)، وهو زواج مقدس جائز لدى الشيعة ثابت حسب الدلائل الشرعية في الكتاب والسنة متمسكين بان ( حلال محمد حلال إلى يوم القيامة)، له شروط شرعية.. كالزواج الدائم وتعدد الزوجات، وكما انه ليس من الواجب على المسلم أن يتزوج مثنى وثلاث ورباع برغم انه محلل شرعيا كذلك زواج المتعة. بينما يتمسك السنة برأي مختلف أن زواج المتعة كان حلالا ثم حرم لاحقا في عهد الرسول…حسب المصادر الشرعية التي لديهم.
وتعرض الشيعة طوال التاريخ للطعن بسبب تشويه سمعة زواج المتعة والمعلومات غير الصحيحة ، والتركيز على الممارسات الخاطئة من قبل البعض له من الجنسين، مع العلم إن الممارسات الخاطئة والاستغلال البشع لا يعني الخطأ في تشريع حكم كزواج المتعة. إذ نرى ممارسات خاطئة واستغلال من قبل المسلمين لبعض العبادات!.
والطامة الكبرى ان كاتب المسلسل حاول أن يكرس الصورة المغلوطة والخاطئة عن زواج المتعة (بشكل مخدش للحياء والحقيقة) لدى المشاهد معتمدا على فهمه للزواج بدون الاستعانة بأبناء المذهب.
لماذا فضلت إدارة ام بي سي عدم عرض المسلسل، والتضحية بالعوائد المالية الدعائية للمسلسل, ولماذا لم تسع الإدارة إلى إيجاد حل بان يتم تصحيح المعلومات الخاطئة الجارحة البعيدة عن الحقيقة التي تحمل تشويه وإساءة (والقانون يعاقب على ذلك ، بالإضافة إلى أن تصحيح المعلومة يخدم العمل ويؤكد على المصداقية).. مع الإبقاء عرض المسلسل بالتطرق للممارسات الخاطئة الواقعية التي لا احد ينكر وقوعها وليس هناك مجتمع معصوم عن الخطأ؟
لا للحجب نعم للتصحيح
رغم الحملة وردود الفعل المتشنجة المطالبة بحجب عرض المسلسل هناك مجموعة من أبناء المنطقة من الشيعة والسنة ضد فكرة الحجب التام، مفضلين عرضه بعد التشذيب “التقليم” وتصحيح المعلومات المغلوطة عن زواج المتعة التي تنافي الحقيقة “حسب ما تم تسريبه من نصوص المسلسل” وتصحيح المعلومات على رأي ومعتقد من يؤمن بهذا الزواج، والإبقاء على ما في المسلسل من ممارسات خاطئة واستغلال لزواج المتعة.. فذلك محاكاة الواقع الاجتماعي لأبناء منطقة الخليج وبما أن الشيعة جزء من هذا المجتمع فمن الجيد تسليط الضوء على ما لديهم من أحداث ايجابية أو سلبية.
فالحجب التام كما حدث لا يخدم مشروع الديمقراطية والحرية والتعددية واحترام الرأي والرأي الآخر…، ولا يخدم كذلك صورة الشيعة.. فكان من الأفضل وبالخصوص بعد الضجة والتضخيم والدعاية الكبيرة للمسلسل.. أن يتم الاستفادة من هذه العوامل في إبراز الوجه الحقيقي لزواج المتعة الشرعي الحقيقي، وتغيير الصورة المغلوطة المشاعة عنه لدى أغلبية أبناء السنة… فالمنع كرس الصورة الخاطئة والمغلوطة عن الزواج، وكان من الأجدر للشيعة أن لا يصعدوا لإيقاف المسلسل بشكل تام بسبب الإشارة عن الممارسات السلبية للزواج، وإنما كان يجب تركيز المطالبة بتعديل المعلومات غير الصحيحة (والقوانين تقف بجانبهم) فذلك أفضل للشيعة ويصب في مصلحة العمل.
سلبيات فادحة
يرى بعض المراقبين للوضع الخليجي ان حجب المسلسل بقرار سياسي حكومي من قبل بعض دول الخليج .. – رغم ارتياح البعض للقرار- سيكون له سلبيات عديدة على الحركة السياسية والثقافية والاجتماعية والمذهبية، وسيدفع أبناء الخليج وبالخصوص الشيعة الثمن غاليا.
فقرار منع عرض المسلسل بهذه الطريقة عبر تدخل السلطات يشكل بداية مرحلة جديدة بين حكومات المنطقة وشعوبها، وبين السنة والشيعة، وستحقق السلطات من خلال هذه الحادثة المزيد من المكاسب والصلاحيات القوية والدعم الشعبي، وامتلاك سلاح مؤثر.. لتستخدمه في التدخل في كل قضية تشعر أنها تحمل أفكارا وروئ لا تؤمن بها… بحجة أنها تؤدي إلى فتنة طائفية أو تسيء لطرف ما…، كما ان بعض الجماعات ستستغل مثل هذا القرار غير المسبوق في تصفية حسابات مذهبية وفكرية وثقافية وقبلية.
فالشيعة الذين تميزوا طوال تاريخهم بالاستقلالية في الأمور الدينية، ولهم الحق في ذكر السيرة التاريخية للإسلام حسب الفكر الشيعي، وإحياء ذكرى مقتل الإمام الحسين (ع) في حادثة عاشوراء، والتطرق لأفعال ودور يزيد وشمر وعمر ابن سعد وكل من شارك بقتل الحسين حفيد الرسول الأعظم (ص) ونعتهم بالقتلة والظالمين.. قد يفقد الشيعة هذا التميز إذا تحرك البعض من له توجه آخر معارض للمذهب الشيعي.. مدعيا بان ما يقال في المجالس الشيعية بأنه إثارة للفتنة والنعرات الطائفية، ويؤدي إلى تمزيق المجتمع.. مطالبا التعامل بالمثل فكما تم منع مسلسل (للخطايا ثمن) لأن فيه إساءة وتجريح للشيعة.. فعلى السلطات التدخل لمنع الإساءة للقتلة السابقين، وربما تخرج فئة تطالب بعدم الإساءة للشيطان أو للظالمين والمجرمين في التاريخ الحديث.. ، بحجة تعريض اللحمة الوطنية للخطر!.
و ينطبق الحال على أصحاب التوجهات الإصلاحية والديمقراطية والتعددية والانفتاح.. التي ربما يتعرضون إلى المزيد من الضغوط بحجة أنهم يحملون أفكارا تثير فئة من أبناء المجتمع.
والخوف من أن يأتي يوم يعتبر فيه مجرد التطرق لحدث تاريخي إسلامي موجود في الكتب التراثية الشيعية والسنية أو لقضية اجتماعية واقعية ” لا تعجب احد أبناء المجتمع” مدعاة لإثارة النعرات الطائفية والفتنة … وتحويلها إلى قضية تضخمها الوسائل الإعلامية المرئية والمقروءة والمسموعة، وعبر شبكة الانترنت، ويتم تبادل رسائل اس ام اس لزيادة الشحن والتوتر.. مما يستدعي تدخل السلطات لمنع هذه الأعمال وربما محاسبة ومحاكمة من يقوم بها.
إن تدخل السلطات بقرار سياسي للمنع والحجب للأعمال الفنية والكتب ومواقع الانترنت والمنديات والمهرجانات… لمجرد الاختلاف في الآراء، وبحجة انها إثارة للطائفية والفتنة وتشويه صورة المجتمع … تعد خسارة كبيرة لقطار الإصلاح والانفتاح والتعددية والحرية في المنطقة، وتشكل ضربة للحركة الثقافية والإعلامية التي ستتعرض للمزيد من التراجع.. وسيكون الخاسر الأكبر من هذه الممارسات هم شعوب المنطقة. والرابح هم الأنظمة، وأصحاب الأفكار المتشددة الذين يحاربون التعددية والحرية والانفتاح على أفكار وحضارات العالم.
الجهل هو السبب
وفي الأخير أن السبب الرئيس في المشكلة الذي أدى إلى نشوب الحملة الإعلامية، وتعذر عرض المسلسل يعود إلى الجهل والاعتماد على معلومات مغلوطة، وعدم الإلمام لحقيقة قضية شرعية.. والسؤال الذي يفرض نفسه مادام الشيعة جزءا من المجتمع الخليجي، ومن حق الوسائل الإعلامية تناول القضايا الاجتماعية لأبناء هذه الطائفة وغيرهم لماذا لا تسمح الوسائل الإعلامية الحكومية لأبناء هذه الطائفة وجميع الطوائف بالظهور الإعلامي (برامج وأفلام) لتوضيح حقائقهم لكي يحصل كل مواطن على المعلومات الصحيحة من أهلها وترتفع الشبهات، ولكي لا يقع إعلامي أو كاتب في خطا فادح غير مقصود نتيجة الجهل… يكلف المجتمع الكثير كما حدث!!؟؟.
ali_slman2@yahoo.com
* السعودية