كتب مراسل “الفيغارو”، جورج مالبرونو(في عدد اليوم الثلاثاء) أن موضوع التهديد الإيراني يطغى على إفتتاحيات الصحف وتعليقات المسؤولين ونقاشات المجالس في السعودية. وأضاف أن “العون المالي الذي تقدّمه طهران لحركة “حماس”، ودعمها العسكري لـ”حزب الله” اللبناني وللميليشيات الشيعية في العراق، وطموحاتها النووية تمثل المشاغل الرئيسية للسعودية.
وينقل عن وزير الشؤون الإجتماعية السعودي، عبد الحميد العكاس، أن “الموضوع لم يعد تصدير الثورة كما في بدايات نظام الخميني، ولكن تصدير التشيّع، كما نلاحظه اليوم، ليس مقبولاً بدوره”. ولم يتورّع الملك عبدالله بن عبد العزيز، في مقابلته الأخيرة مع صحيفة كويتية، عن التنديد بعمليات “التشيّع” الجارية في عدد من البلدان العربية. وداخل حدودهم، يخشى السعوديون من أن تستفيد الأقلية الشيعية (10 بالمئة من الشعب، بدون نفوذ يذكر) من هذا الوضع للمطالبة بمزيد من الحقوق. ويقول مراقب غربي عاد لتوّه من المناطق الشيعية التي شهدت إحتفالات حاشدة هذا العام بذكرى عاشوراء: “إنهم يشعرون أن الوضع مؤاتٍ لهم”.
ويستطرد قائلاً:
يضيف عبد الحميد العكاس: “كل هذه الإشارات تدلّ على أن طهران لا تسعى إلى التعايش بسلام مع جيرانها”. مع ذلك، يعقد الأمير بندر بن سلطان لقاءات دورية مع زميله الإيراني الذي يرأس مجلس الأمن الوطني، علي لاريجاني. ووفقاً لمبعوث سعودي زار طهران 6 مرات خلال عام، فإن جواب إيران واضح: “لا ينبغي النظر إلى الأمور على هذا النحو، فهذه رؤية صهيونية وإمبريالية. والواقع أن طهران تتعهّد بدفع “حزب الله” إلى الإعتدال وبضبط الميليشيات الشيعية العراقية. ويقول أحد الشهود: “أمام الملك عبدالله بن عبد العزيز (في شهر يناير الماضي)، أمضى لاريجاني نصف الوقت في إبداء قلقه من العواقب التي ستترتّب على إيران من جراء الإنقسام المتزايد بين الشيعة والسنّة. وبدا مخلصاً في كلامه”. ولكن الرياض لم تلحظ أية أفعال تضفي مصداقية على هذا الكلام.
وقد نفذ صبر السعوديين بسبب هذه “اللغة المزدوجة”. وإذا كان كل المسؤولين يجمعون حول هذه النتيجة، فهنالك خلافات حول الردّ الذي ينبغي إعتماده لمواجهة إيران: إعتماد سياسة هجومية أو مواصلة النقاش مع إيران؟ ويحبّذ الملك المنحى الديبلوماسي، ولا يرغب في إعطاء الغلبة لائتلاف عربي يبدو أنه مستعد لمساندة تدخّل عسكري أميركي، لن يسفر سوى عن مزيد من زعزعة الإستقرار في الشرق الأوسط. بالمقابل، يتزعّم “بندر” فريقاً من الأمراء السعوديين الذين يدعون لسياسة أكثر “هجومية”. ويقول أحد هؤلاء: “لسنا أمام مشكلة شيعية-سنّية، وإنما، ومجدّداً، أمام الصراع المزمن بين العرب والفرس”.
وإذا كان التفاوت في وجهات النظر ما يزال يسمح للرياض بأن تلعب كل أوراقها في الملف الإيراني، فإن هذا الخلاف كان أحد الأسباب الرئيسية لاستقالة الأمير تركي الفيصل، الذي يُعتَبَر مقرّباً من الملك عبدالله، من منصبه كسفير في واشنطن. وحسب مصدر مطّلع في الرياض: “قبل أيام من استقالة تركي، دخل بندر إلى مكتب ديك تشيني لإقناعه بضورة الردّ العسكري على طهران”. ويحتفظ بندر، الذي خدم 23 عاماً كسفير في واشنطن، بنفوذ كبير لدى إدارة بوش، الأمر الذي طالما أثار إستياء الأمير تركي إلى أن وصلت به الأمور إلى الإٍستقالة. ولكن رحاب مسعود، وهو أحد مستشاري الأمير بندر، يقول أنه “بمواجهة إيران، ليست هنالك سوى سياسة واحدة، وهي السياسة التي يرسمها الملك”. ويضيف: “لا يمكن لإيران أن تصبح زعيمة العالم الإسلامي. ومثل هذا الطموح يشبه طموح التشيلي لإنتاج نبيذ يتفوّق على النبيذ الفرنسي”.