أكثر من ثلاثمائة ألف هارب سوري من الحرب يحولون منطقة وادي البقاع إلى واحد من أكبر مخيمات اللاجئين في الشرق الأدنى
زحلة (لبنان) – قبل عام، قررت رابعة، سبعون عاماً، ومحمد، ثلاثة وثمانون عاماً، قررا فجأة، وبعد أسبوع من دون نوم، مغادرة مزرعتهم في إحدى قرى محافظة حِمص السورية باتجاه الحدود اللبنانية، على بعد عشرين كليومتراً. الاستراتيجية كانت بسيطة: هم يخرجون أولاً، بعد بضعة أيام تتبعهم مجموعة أخرى والباقون سيغادرون الأراضي المحروقة جرَّاء القصف في الأسبوع التالي، هكذا إلى أن يجتمع الجدان مع أبنائهم الذكور الخمسة، زوجات أبنائهم والأحفاد الثمانية. بعض البقرات الخمس والثلاثين وخمسون من الأغنام التي كانوا يقومون بتربيتها تبعوهم في طريق استغرق اثنتي عشرة ساعة على الأقدام عبر الجبال تجنباً لحواجز الجيش السوري. “أتينا متفرقين لكي يبقى أحد من العائلة إذا متنا”، يشرح علي، الأصغر سناً.
بين ليلة وضحاها، تحولوا إلى لاجئين، رقم يضاف إلى 675000 سوري تحصيهم في لبنان المفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة ACNUR . “إنها المرة الأولى التي نأتي فيها ونبقى”، يقول محمد، جالساً على الحصيرة في خيمته المصنوعة من البلاستيك وأكياس الليف بينما تحزم النساء أوراق التبغ على أرض مستعارة في “دوريس” القرية الزراعية في وادي البقاع الشرقي.
أسوا أزمة للاجئين منذ رواندا، كما عرَّفتها الأمم المتحدة، تركت أكثر من مليونين من المنفيين المنتشرين في المنطقة. في لبنان، البلد الذي تتبدل مواقفه لاحتواء عدوى حرب أوقعت أكثر من مائة ألف قتيل في عامين ونصف العام تقريباً، تتكشف الأعداد أيضاً عن معركة. فبينما ترفع الحكومة عدد السوريين في البلاد إلى ما فوق مليون ومائتي ألف (ما يعادل 30 بالمائة من أربعة ملايين من السكان)، فإن الوكالات الدولية تعترف بالوصول إلى “الحد” الذي يجب أن يؤدي إلى إقامة مخيمات لاجئين رسمية بعد موافقة مجلس الوزراء في حزيران| يونيو. “كانت هنالك زيادة في “المستوطنات” غير الرسمية، وخاصة في الشمال وفي البقاع”، يقر مارسيل فان ماستريغ، أحد ممثلي المفوضية العليا للاجئين في لبنان. “حتى الآن لا نمتلك الإذن بإقامة المخيمات، لكننا نبحث عن المواقع”.
صورة المخيمات المرتجلة بين بساتين الكروم، البطاطا أو الفاكهة تتكرر على طول الطريق الذي يخترق السهل. الأشخاص الأربعمائة الذين يعيشون في منطقة الأكواخ المنظمة في مجدلون هم كالأشباح. ليسوا معترفاً بهم في الإحصاءات ولا مصنفين كلاجئين، وعليه، فهم لا يتلقون مساعدة من أجل الطعام أو الوقود، رغم أنه تصل إليهم في كل أسبوع من الرقة -المدينة السورية التي يسيطر عليها حالياً الثوار الإسلاميون- ما بين ثلاثة وأربعة عوائل في حافلة رفعت سعر التذكرة من13 يورو إلى أكثر من 75 بسبب الهجمات وأعمال النهب والسلب التي تكررت في الطريق باتجاه الحدود.
“كثيرون لا يسجلون أنفسهم”، يقول باولو لوبرانو، رئيس بعثة العمل ضد الجوع في لبنان. “على الأرض نعمل مع خمسين بالمائة من اللاجئين المسجلين وخمسين بالمائة آخرين ليسوا مسجلين”. في البقاع فقط هنالك أكثر من ثلاثمائة ألف شخص مقيمين في 76 مخيماً، ما يشكل ما بين عشرين إلى ثلاثين بالمائة من مجموع السكان في الوادي، حسب تقديرات المنظمة الإسبانية غير الحكومية.
“خلال الصيف كنا نأتي للعمل في الأرض، لكن عندما بدأت الأزمة لم نعد نستطيع العودة”، يعلق سعيد، قائد المخيم، أمام حافة صغيرة تحوي عشرات من النساء المتوجهات لجمع الخيار. “ما زلنا ننصب الخيام، فالمزيد من الناس يأتون طلباً لمكان آمن”.
الأجرة (ألف ليرة، نصف يورو في الساعة، لعشر ساعات “من الشروق إلى الغروب) بالكاد تكفي لتغطية نفقات المولِّد الكهربائي الذي قاموا بتركيبه والمستشفى، التي يدفعونها من جيوبهم. دع عنك الحديث عن التنقلات في التاكسي إلى مركز التسجيل الأكثر قرباً: “تخيل، عائلة من عشرة أشخاص، بثلاثة آلاف ليرة (يورو ونصف) للرحلة، تنتهي إلى إنفاق أكثر من مائة دولار ذهاباً وإياباً إلى المقابلات ولا تعلم إذا كانوا سيقبلونك”.إلى هذا تُضاف “الاقتطاعات”. البرنامج العالمي للغذاء والمفوضية العليا للاجئين يسعيان إلى تخفيض عدد المستفيدين من المساعدة لأجل المنتجات الأساسية حتى ثلاثين بالمائة. “أعتقد أن الوضع في الشتاء القادم سيكون أسوأ”، يشتكي سعيد. قبل ذلك، عندما كان عدد السوريين أقل، كانت هناك إمكانيات أكبر للعمل”.
في الفيضة، واحد من أكبر المخيمات، حيث أقيمت محلات للبقالة وتتكوم النساء لسحب دلاء من بئر من المياه العكرة، صاروا يتنافسون مع المجتمع المحلي على العمل والموارد. في عز شهر آب| أغسطس يستعدون لأوان الأمطار، في تشرين الثاني| نوفمبر، التي كادت تغرقهم في أوائل العام. النهر الذي تجري فيه القمامة أكثر مما يجري فيه الماء يقسم مجموعات البيوت في المدينة الموازية ذات الستة كيلومترات المربعة إلى نواتين كبيرتين، كل واحدة منهما تؤوي سبعمائة شخص على الأقل. “المشكلة الرئيسية هي الماء” يوضح مجيد. “ليس لدينا ماء صالح للشرب”.
هو نفسه واحد من الذين وصلوا إلى لبنان قبل عام ونصف متبعاً خطى العمال الموسميين. في حِمص كان يعمل في صناعة الفحم، لكن شقيقه كان يعرف مزارع زحلة، حيث عمل في فصول الصيف الخمسة عشر الأخيرة. “قبل ثلاثة أو أربعة شهور كان هناك ناس يعملون” كما يقول. في حيه فقط كبر المخيم من عشرين خيمة أصلية إلى ما يناهز 150، بدون وجود دلائل على تفكيكها في هذا الموسم أيضاً. “نحن لم نذهب بسبب القصف، الجيش السوري طردنا”، كما يوضح، “ذهبنا إلى القُصير وهنالك كنا نكافح إلى أن مات عدد كبير جداً”. تاريخ العودة، كما يقول، لا يعتمد عليهم: “سوف نعود (إلى سـوريا) عندما يأخذ الله بشار الأسـد”.
ترجمة: الحدرامي الأميني
صحيفة الباييس الاسبانية
http://internacional.elpais.com/internacional/2013/08/08/actualidad/1375983533_780504.html