من المرجح أن يشكل لقاء الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع زعماء من دول «مجلس التعاون الخليجي» في كامب ديفيد في 14 أيار/مايو نقطة محورية في المنطقة. فإذا لم تشعر دول الخليج بالرضا، ستتصرف العديد منها، بما فيها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، على نحو مستقل بشكل متزايد عن رغبات الولايات المتحدة نظراً إلى اعتقادها أنه لا بد من بذل المزيد من الجهود لمواجهة الإيرانيين. وقد بدأت واشنطن تشهد ذلك بالفعل في سوريا واليمن.
إذا كان الرئيس الأمريكي يأمل في التخفيف من حدّة هذا الاتجاه، فإنه سيضطر إلى طمأنة قادة هذه الدول بأن التوصل إلى اتفاق محتمل بشأن البرنامج النووي الإيراني لن يؤدي بالولايات المتحدة إلى التخلي عن علاقاتها معهم ولا إلى السماح لإيران، مع تدفق موارد جديدة إليها نتيجة تخفيف العقوبات، بتهديدهم من دون رد أمريكي. ولن تكون هذه المهمة سهلة بالنسبة لأوباما.
وخلافاً للإسرائيليين الذين يركزون على القضية النووية ويرون أي اتفاق يسمح لإيران بأن تكون دولة على العتبة النووية بأنه خطر استراتيجي عميق، فإن دول الخليج العربي منشغلة أكثر بكثير بتدخل إيران في البحرين والعراق وسوريا ولبنان واليمن. فبالنسبة إليها، إن إيران، إن لم تكن تخضع لضغط مالي، ستتمتع بحرية أكبر لبذل المزيد من الجهود على أرض الواقع مع عملائها من الميليشيات الشيعية لتحويل توازن القوى مرة أخرى لصالحها. وإذا ما استمعنا إلى التعليقات العربية في المنطقة، يتبيّن أن تأثير الإيرانيين المهيمن الآن في أربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، هو موضوع يستمر نقاشه. ومما يزيد الأمر سوءاً هو تأكيد المسؤولين الإيرانيين على قوتهم المكتشفة حديثاً في هذه العواصم، أو أن الجنرال قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي»، لم يعد شخصية غامضة حيث يظهر الآن بشكل بارز مع الميليشيات الشيعية في تكريت وبغداد، وغالباً على موقع “يوتيوب”. وقد يكون تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» فعلياً على رأس أولويات الولايات المتحدة، ولكن إيران تُشكل أولوية بالنسبة إلى السعوديين.
وبالتالي، ينتظر الرئيس الأمريكي الكثير من العمل الذي عليه إنجازه في قمة كامب ديفيد. فنظراؤه العرب يتوقعون أن يقدم لهم التزامات ملموسة تهدف إلى تبديد مخاوفهم. وصحيح أنهم سيتوقعون وعوداً بتوفير معدات عسكرية جديدة، ولكن ذلك لن يكون مطلبهم الرئيسي. فهم سيسعون إلى الحصول على التزامات أمريكية واضحة بأمنهم. وفي حين أنهم قد لا يصرون على عقد تحالف رسمي أو الالتزام بمعاهدة، إلا أنهم لن يكونوا راضين عن الاكتفاء بتأكيدات غامضة إذا ما تعرضوا لهجوم من إيران أو عملائها – كما أن تعريفهم للتهديدات من إيران وعملائها من المرجح أن يشمل الجهود الرامية إلى زعزعة استقرارهم.
وبالنسبة إلى الرئيس الأمريكي، يطرح الأمر مشكلة. فقد تحدّث عن استعداده لدعم دول «مجلس التعاون الخليجي» في وجه التهديدات الخارجية، ولكن ليس الداخلية منها. فهو ينظر إلى المزيد من الشمولية وإلى تحسين الحوكمة باعتبارهما عاملين هامين لأمن هذه الدول، مَثلهما مثل أهمية أي تعهدات تتخذها الولايات المتحدة لمواجهة التهديدات الخارجية. وفي حين أن الرئيس أوباما قد يكون على حق، إلا أن نسبة تقبّل مثل هذه الرسالة ستكون محدودة جداً. ووفقاً لجميع الاحتمالات، ونظراً إلى رغبة الإدارة الأمريكية في أن تكلل القمة بالنجاح، قد يختار أوباما إما عدم طرح قضية الإصلاح السياسي، أو في أحسن الأحوال، التطرق إليها بشكل هامشي في حواراته.
ويصعب التطرق إلى هذا الموضوع في أي وقت من الأوقات، وفي الوقت الحالي بشكل خاص عندما ستتحدى هذه الدول الرئيس الأمريكي لكي يظهر أنه لن يقبل بالهيمنة الإيرانية في المنطقة. إن أي عمليات جديدة لإرسال الأسلحة أو حتى زيادة الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة لن تكون كافية على الأرجح لتهدئة مخاوف زعماء دول الخليج. فهم يريدون أن يعرفوا ما هي الخطوات المحددة التي ستتّخذها الولايات المتحدة لمواجهة التهديدات التي تلحق بهم.
ويقيناً، في هذه المرحلة، إن الإجراءات التي تظهر أن الولايات المتحدة ستتنافس مع الإيرانيين وسترفع تكاليف سلوكهم العدواني قد يكون لها وقع تأثير على دول الخليج أكثر من أي وعود شفهية أو حتى أكثر من توفير أسلحة عسكرية جديدة. ولكن تبرز خطوة واحدة قد تؤثر – أكثر من أي خطوة أخرى – على دول الخليج وتُظهر أن واشنطن لن ترضخ أمام نمو القوة الإيرانية في المنطقة، وهي تتجلى في إقامة منطقة عازلة على طول الحدود التركية السورية.
ليس هناك أمر آخر قد يفعل المزيد لتغيير الحقائق على الأرض في سوريا أكثر من هذه المنطقة العازلة. إذ يمكن أن توفر مكاناً للنازحين في سوريا الذي يقارب عددهم 6 ملايين شخص وأن تلبّي الضرورات الإنسانية؛ كما ويمكن أن تنشّط معارضة سورية أكثر علمانية من خلال منحها قاعدة للنمو في سوريا في الوقت الذي يترنح فيه نظام بشار الأسد بسبب الخسائر في إدلب وجسر الشغور. إلى جانب ذلك ستُظهر أن الوقت ينفد من الأسد ويؤثر على الحسابات الروسية والإيرانية حول قيمة اللجوء إلى عملية سياسية حقيقية لتسوية النزاع. وبالإضافة إلى أنها تضع واشنطن في موقف يتيح لها الإصرار على أن تنسق دول «مجلس التعاون الخليجي» وتركيا أعمالها مع الولايات المتحدة وتلعب دورها في تمويل المنطقة والحفاظ على أمنها، فهي ستشير بصورة لا تدع مجالاً للشك إلى استعداد واشنطن لتحويل توازن القوى فعلياً ضد الإيرانيين في المنطقة.
ومن الأهمية بمكان أن يُشار هنا إلى أن ذلك سيثبت أيضاً أن الولايات المتحدة لن تُضحِّي بمصالحها في المنطقة خوفاً من رد فعل الإيرانيين في المفاوضات النووية. فمن الواضح أن الإيرانيين لم يخففوا أياً من جهودهم لكسب النفوذ في المنطقة خوفاً من رد فعل واشنطن في المحادثات النووية. وفي الواقع، إن المفاوضات النووية لم تكن أبداً خدمة يقدمها الإيرانيون للولايات المتحدة، إذ إن التفاهمات المتجسدة في اتفاق الإطار تخدم المصالح الإيرانية. ومن جهة أخرى، يمكن لمثل هذه الصفقة أن تخدم أيضاً مصالح واشنطن، شريطة أن أن لا يعتقد الإيرانيون أنهم يؤجلون ببساطة خيار الحصول على أسلحة نووية خاصة بهم، وألا تؤدي الصفقة إلى سلسلة من ردود فعل من قبل دول الخليج العربية سواء من حيث الانتشار النووي أو على صعيد المنطقة بشكلٍ يزعزع استقرارها.
ولهذا السبب يسعى الرئيس أوباما بطبيعة الحال إلى طمأنة هذه الدول. فإذا أراد لقمة كامب ديفيد أن تحقق النجاح في هذا الصدد، فالآن هو الوقت المناسب بالنسبة له للتعامل بجدية مع موضوع المنطقة العازلة في سوريا.
دينيس روس هو مستشار وزميل “وليام ديفيدسون” المميز في معهد واشنطن.
“يو إس نيوز أند وورلد ريبورت”